داهمت عناصر أمنية منزل الأربعيني الفلسطيني أسعد قباجة عصر يوم الجمعة الموافق 20 مارس/آذار 2020، واقتادته إلى مركز جهاز الأمن الوقائي في قرية ترقوميا غرب محافظة الخليل الواقعة جنوب الضفة الغربية، بعدما رفض الانصياع لأمر الاعتقال، لعدم امتلاكهم أمراً من المحكمة أو أي سند قانوني، فبدأوا بضربه وشتمه وسحبه للسيارة، ما جعل أطفاله يقاومون عناصر الأمن ويحاولون سحبه من بين أيديهم، غير أن أحد عناصر الأمن سحب سلاحه وأطلق النار ليرهبهم واقتادوه إلى المركز، ولدى وصوله وجه له أحد المحققين تهمة نشر فيروس كورونا (كوفيد 19)، بسبب إقامته لصلاة الجمعة ما يعد مخالفاً لبروتوكولات الصحة.
تبين أثناء التحقيق أن قباجة لم يقم صلاة الجمعة الأولى بعد الإعلان عن حالة الطوارئ في المسجد، وإنما صلى مع أبنائه في الساحة الخارجية لبيته، بحسب روايته لـ"العربي الجديد"، مؤكداً على إيقافه 3 أيام على ذمة المحافظ (حبس بأمر من الحاكم الإداري)، دون عرضه على المحكمة. وهو ما يخالف المادة 11 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003، والتي نصت على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون، ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي، ولا يجوز الحجز أو الحبس في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون"، كما توضح ديالا عايش، المحامية في مكتب محامون من أجل العدالة (مقره في رام الله ويُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان)، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن النيابة العامة هي الجهة الوحيدة التي لها صلاحية توجيه الاتهام والمسؤولة عن إرسال الملفات للمحكمة المختصة والتي بدورها تتبع الإجراءات اللازمة للتوقيف.
وعملت المحاكم حتى الساعة الواحدة ظهراً وليومين فقط أسبوعياً في بداية حالة الطوارئ والتي أعلنت في 5 مارس/آذار 2020 لمدة ثلاثين يوماً، ما أدى إلى تمديد الاحتجاز ومماطلة في الإجراءات القانونية، مثل إخلاء السبيل أو الخروج بكفالة وكلاهما يحتاج إلى أربعة أيام قبل أن توافق عليه المحكمة، موضحة أنه جرى تمديد حالة الطوارئ 11 مرة، بدأ آخرها في الثاني من فبراير/شباط 2021.
اعتقالات واحتجاز تعسفي
يعد قباجة واحداً من بين 16 حالة وثقتها معدة التحقيق، وتعرضت لانتهاكات من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية خلال فترة الطوارئ.
وتابع مكتب محامون من أجل العدالة 38 حالة اعتقال تركزت في مناطق شمال الضفة الغربية ووسطها، وفق الإحصائيات التي حصل عليها "العربي الجديد"، وتظهر أن الأمن الوقائي والمخابرات العامة أكثر الأجهزة الأمنية المتورطة في ارتكاب الانتهاكات، والاعتقالات على ذمة المحافظ. وكانت أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي سجلها المكتب خلال فترة الجائحة، استدعاءات لمقابلات أمنية، واعتقالات واحتجازات تعسفية، بحسب المحامية عايش.
بينما وثقت مؤسسة الحق (مستقلة ومعنية بحقوق الإنسان) 60 شكوى، 30 منها في الضفة الغربية و30 أخرى في قطاع غزة خلال الفترة من مارس/آذار حتى يوليو/تموز 2020، وتتعلق بانتهاكات متنوعة ارتكبتها الأجهزة الأمنية، أبرزها انتهاك الحق في محاكمة عادلة، وإساءة المعاملة، وانتهاك حرية الرأي والتعبير، بالإضافة إلى الاعتداء على الحق في الحرية، وظروف الاحتجاز غير اللائقة خلال فترة الجائحة.
ومن بين الذين تعرضوا للاعتداء والاحتجاز التعسفي، عبد الناصر سعيد، الذي تم الاعتداء عليه في نقطة عسكرية فلسطينية (وُضعت بالتزامن مع إعلان حالة الطوارئ لتقييد حركة المواطنين والحد من انتشار فيروس كورونا) أثناء توجهه إلى مزرعة الأبقار الخاصة به في بلدة جماعين جنوب غربي مدينة نابلس في العاشر من مايو/أيار 2020 بصحبة عائلته، إذ تعرض للضرب بقبضة اليد من عنصر أمن بعد عودة سعيد إلى النقطة الأمنية بسبب حاجز إسرائيلي أغلق الطريق، كما يقول، مضيفاً: "لما ضربني، ضربته دفاعاً عن نفسي، فسحبني من السيارة وضربني هو وزملاؤه بأقدامهم وأيديهم وبالعصي وأعقاب البنادق وأهانوني". وعندما ترجلت زوجته وابنه عبد الجبار للدفاع عنه، ضربوهما ورشوهما بغاز الفلفل الذي أصيب به كل من ابنته سلسبيل (12عاماً)، ويعقوب (6 أعوام) وابنته ذات العامين التي كانت في حضن عبد الجبار. كما يقول سعيد.
وبحسب المادة 111 من القانون الأساسي الفلسطيني، فإنه "لا يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية إلا بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن في مرسوم إعلان حالة الطوارئ". وتنص المادة 112 منه على أنه "يجب أن يخضع أي اعتقال ينتج عن إعلان حالة الطوارئ للمتطلبات الدنيا التالية: (1) أي توقيف يتم بمقتضى مرسوم إعلان حالة الطوارئ يراجع من قبل النائب العام أو المحكمة المختصة خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ التوقيف. (2) يحق للموقوف أن يوكل محامياً يختاره".
وللحصول على حق الرد بشأن ما يوثقه التحقيق من تفاقم الانتهاكات خلال حالة الطوارئ، خاطب "العربي الجديد" في 7 ديسمبر/كانون الأول 2020 وزارة الداخلية الفلسطينية عبر البريد المسجل بخطاب رقم RX000027343PS ، وكذلك وزارة العدل برقم RX000027330PS.
لكن وزارة العدل رفضت التعليق بقولها أن الموضوع خارج نطاق اختصاصها، بينما أحال مكتب العلاقات العامة في وزارة الداخلية، الكتاب الرسمي الموجه من "العربي الجديد"، إلى وحدة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي امتنعت عن الرد ووجهت معدة التحقيق بمخاطبة مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني ووزير الداخلية محمد اشتية، لكن الأخير أحال الطلب إلى وزارة الداخلية مرة أخرى، ولم تقدم أي تفسيرات أو رد حول التجاوزات التي ارتكبت بحق المواطنين خلال حالة الطوارئ.
وراسلت معدة التحقيق مجلس الوزراء في أيلول/سبتمبر 2020، دون أن تتلقى أي رد. ويأتي هذا الإعراض على الرغم مما جاء على لسان اشتية يوم 16 مايو/ أيار 2020 خلال الإيجاز الصحافي الحكومي المتعلق بإجراءات الفيروس إذ قال أن: "حالة الطوارئ موجودة ضد كورونا وليست ضد حرية الرأي والتعبير وهناك فرق بين وجهة النظر والإساءة". وسبق هذه المقابلة تصريحه في الإيجاز الحكومي ليوم 21 إبريل/ نيسان الماضي قائلاً: "عندما لا يكون هناك برلمان، فعلى الشعب أن يسأل، ونحن معنيون بصيانة المشهد بكل مفاصله، وأعلنا حالة الطوارئ ولا يمكن أن نمس حقوق الإنسان تحت أي ظرف كان ولا الحريات".
عنف مفرط
بينت التقارير الشهرية الصادرة عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) خلال الفترة من مارس حتى يونيو/حزيران 2020 تسجيل 102 شكوى تتعلق بانتهاك الحق في إجراءات قانونیة سلیمة، بالإضافة إلى 27 شكوى حول التعذيب وسوء المعاملة، و10 حالات توقيف على ذمة المحافظ، و7 حالات اعتداء على الأشخاص والممتلكات في الضفة الغربية وغزة.
وهو ما حدث للمزارع سمير عاصي وأبنائه وأولاد أخيه أثناء تخييمهم في أرض لهم بقرية بيت لقيا قضاء رام الله مساء يوم الجمعة 20 مارس الماضي، إذ رأى عاصي ومن كان معه على بعد 20 متراً، أشخاصاً بلباس عسكري يقدر عددهم بعشرين شخصاً، يقتربون من السيارة. ولدى اقترابه منهم رأى عناصر الأمن يعتدون بالضرب على ابن أخيه الجالس في سيارته وبعد ذلك جاءت قوة مساندة جديدة وأطلقوا النار عليهم. ما دفع عاصي هو وأبناؤه وابن أخيه للركض بين أشجار الزيتون والرصاص يتطاير حولهم، كما يقول، موضحاً: "لولا معرفتي الدقيقة بالمنطقة التي كنا بها، لما استطعنا الفرار".
أصيب سامي الابن الأكبر لعاصي وابن أخيه بالرصاص، فقام عاصي بإخفائهما داخل بئر قديمة وأغلق عليهما ثم عاد واختبأ في بئر أخرى تبعد عنهم 20 متراً ليعرف هوية هؤلاء الأشخاص الذين يتحركون فوق مخبئه ويرمون الرصاص، قائلاً: "بدأوا يبحثون عنا ونحن مختبئون، حتى أنني سمعت أحدهم يقول "أي واحد فيهم اقتله".
تمكن عاصي وهو بالبئر من رؤية شخصين منهم وتعرف عليهما قائلاً: "تفاجأت أنهم من أبناء قريتي ومن عائلة واحدة، منهم من يعمل في جهاز الاستخبارات وآخر في جهاز الأمن الوقائي".
وبعد هذه الحادثة أصدرت بلدية بيت لقيا في 3 إبريل/نيسان 2020 بياناً استنكرت فيه ما حصل، لكن رغم تقّدم عاصي وابنه بشكوى للنيابة العسكرية في أم الشرايط برام الله، لم يصله رد حتى لقاء معدة التحقيق به في 20 يوليو/تموز عام 2020.
ويقول عاصي أن "العاملين في الأجهزة الأمنية استغلوا فترة الحجر الصحي وانتشار فيروس كورونا لاستخدام القوة ضد المواطنين وتصفية الحسابات وتم تغييب القانون".
وتنص المادة 32 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل أن "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم...".
وفي ردها المكتوب على ما يوثقه التحقيق من انتهاكات بحق المواطنين وعنف مفرط، أشارت النيابة العامة إلى أن النائب العام المستشار أكرم الخطيب حذر في 16 آذار 2020 المواطنين من مخالفة إجراءات الحجر أو العزل الصحي، حيث يعرض من يقوم بذلك نفسه للملاحقة القانونية والمساءلة الجزائية وفق ما تقتضيه حالة الطوارئ و أحكام قانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 2004 وتعديلاته الواردة في الفصل الثالث منه واستناداً لأحكام المادة 81 والتي تنص على أنه "يُعاقب كل من يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة مالية لا تقل عن ألف دينار أردني ، ولا تزيد عن خمسة آلاف دينار أردني أو ما يعادلهما بالعملة المتداولة، أو بكلتا العقوبتين".
وأوضحت النيابة العامة في ردها أنها نشرت أخباراً بهدف تحقيق الردع العام حول القضايا الجزائية التالية: توقيف متهمين بتهمة نشر أخبار ومقاطع صوتية كاذبة حول فيروس كورونا، توقيف متهمين لخرق التدابير الاحترازية لحالة الطوارئ بما يتعارض مع منع تفشي جائحة فيروس كورونا، نشر إجراءات نيابة مكافحة الجرائم الاقتصادية والبيئية بحق المخالفين لتدابير حالة الطوارئ، نشر الأحكام القضائية المتعلقة بإدانة المتهمين بخرق القرارات والتعليمات المتخذة بخصوص حالة الطوارئ.
خطورة انتشار كورونا بسبب أماكن الاحتجاز
اعتقلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في 19 يوليو الماضي 19 شاباً من نشطاء الحراك الفلسطيني الموحد (نشطاء معنيون بكشف الفساد ومحاربته) خلال وقفة احتجاجية في مدينة رام الله تحت شعار "طفح الكيل"، رفضاً للفساد وأوضاع البلاد المتردية في ظل جائحة كورونا، بتهمة "التجمهر غير المشروع"، وفق المحامية ديالا عايش، التي قالت أن اعتقال نشطاء الحراك غير قانوني، لأن تعريف التجمهر غير المشروع لا يتطابق مع التهمة التي وجهت لهم، فهو يعتمد على جريمة معينة أو شغب خارج إطار القانون، مؤكدة أنها كانت في مكان الحادثة والنشطاء كانوا ملتزمين بكل قوانين الطوارئ والإجراءات الصحية اللازمة حسب قولها.
وهو ما يؤكده محمد عايش عضو في الحراك العمالي الفلسطيني (نقابة عمالية)، قائلاً: "إن الحكومة الفلسطينية في فترة الجائحة تمر بنوع من التخبط في قراراتها"، مضيفاً أن شباب الحراك كانوا ملتزمين بالإرشادات الحكومية، واتخذوا كافة الإجراءات الوقائية وقوانين التباعد والتي لم تصل إلى التجمهر والاحتشاد.
وقبل الإفراج عن المعتقلين بكفالة مالية مقدارها 500 دينار أردني (706 دولارات أميركية)، نفذوا إضراباً عن الطعام منذ اليوم الأول لاعتقالهم، استمر 9 أيام حسب المهندس فايز سويطي، ناشط في الحراك ورئيس جمعية يداً بيد نحو وطن خال من الفساد (تجمع فلسطيني لمحاربة الفساد)، والذي اعتقل قبل وصوله لساحة دوار المنارة في رام الله يوم تنظيم الوقفة الاحتجاجية.
ولم يخفِ سويطي قلقه من الوضع الصحي في غرف الاعتقال، قائلاً: "المعتقلون فوق بعضهم البعض. وكنا 10 أشخاص في غرفة لا تتسع إلا لـ 4 أشخاص"، وأضاف:" أدخلوا إلى غرفة الاعتقال موقوفاً جديداً أخبرنا أنه يشعر بأعراض كورونا، وطلب ألا نقترب منه، وبعد 6 ساعات متواصلة من صراخه وصراخنا عزلوه عنا".
ويبين أسعد قباجة أن زنازين الاعتقال غير مناسبة للوضع في ظل انتشار فيروس كورونا؛ فلا يتم اتباع إجراءات صحية باستثناء فحص درجة الحرارة، مشيراً إلى أن المساجين يختلطون ببعضهم البعض، والعساكر تتعامل معهم من دون ارتداء الكمامات.
وترد النيابة العامة على ذلك بالقول أن النائب العام أصدر تعليمات خاصة لأعضاء النيابة العامة تقضي باعتماد دليل القضاة والنيابة العامة والمحامين الخاص بضمان احترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسط حالة الطوارئ والإجراءات الكفيلة لمنع تفشي فيروس كورونا (كوفيد -19) خاصة في مراكز التوقيف والسجون، حيث أناط القانون بأعضاء النيابة العامة ورؤساء المحاكم صلاحيات الرقابة على السجون وتفقد المواقيف وضمان انطباق معايير حقوق الإنسان على ظروف احتجازهم، وإنجاز كافة القضايا التحقيقية وخاصة التي يوجد بها متهمون قيد التوقيف، والاستجابة الفورية لأي شكوى تقدم من نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل الخاصة المتعلقة باحتياجاتهم اليومية والصحية. ويوضح رد النيابة العامة أن الخطيب أصدر عدداً من التعاميم التي تضمنت تعليمات موجهه لرؤساء وأعضاء وموظفي النيابة العامة متعلقة بالإجراءات الوقائية من عدوى فيروس كورونا لضمان حسن سير العمل وانتظامه، وحرصاً على سلامة أعضاء وموظفي النيابة وجمهور المراجعين، وذلك بوجوب ارتداء الكمامات والقفازات الوقائية ومراعاة قواعد التباعد الاجتماعي وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية.
*تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"