اغتراب الروس... ملاذ آمن للأموال والاستثمارات في الإمارات

30 يونيو 2024
البنوك الإماراتية فرضت قيوداً على التحويلات المالية الروسية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأوليغارشية الروسية تنقل أموالها إلى الإمارات، مؤسسة 1600 شركة واستثمار 6.3 مليارات دولار في العقارات، مع تفضيل دبي كملاذ آمن ومركز للنمو الاقتصادي والاستقرار، رغم العقوبات الغربية.
- ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات الروسية بقطاع العقارات في دبي، مع تصدر الروس قائمة المشترين الأجانب، ما يعكس دور دبي كمركز جذب للثروات العالمية وتحايل الروس على القيود المصرفية.
- الروس يواجهون تحديات مثل قيود التحويلات المالية والتحقق من العقوبات، لكن الكثيرين يجدون في دبي فرصاً للنمو والاستقرار، مع اعتبار الإمارات وجهة مثالية للعيش والعمل، رغم التفكير في الانتقال للغرب بحثاً عن فرص أفضل.

نقلت طبقة الأوليغارشية الروسية أموالها إلى ملاذ آمن في الإمارات، رغم فرض قيود رقابية مصرفية على تحويلاتها، إذ أسست 1600 شركة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، كذلك استثمرت 6.3 مليارات دولار في العقارات الجاهزة وقيد الإنشاء.

- لم يندم المراقب والخبير الروسي في مجال جودة وترخيص نظم إدارة الأعمال، يفغيني كنيازيف، على اختياره دبي وجهة للعيش والعمل بعد عام ونصف من الإقامة في المدينة، وهو رأي يشاركه فيه أندريه الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً للحفاظ على خصوصيته، مكتفياً بالقول إنه في نهاية العقد الثالث من عمره، ويعمل في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

في المقابل، لم يستطع آخرون التكيف مع البيئة الإماراتية، وتحديداً الظروف الجوية القاسية الممتدة طوال أشهر الصيف، وكذلك حالة الازدحام الدائم في دبي، ومن بينهم مديرة التسويق، يوليا ريكلينغ، التي قررت الانتقال إلى ألمانيا بعد إقامة استمرت لمدة عام ونصف عام برفقة طفليها، ومع ذلك، لا تزال دبي تحظى بإقبال بين الروس وجهةً للاغتراب، إذ تؤكد تقديرات شركة "غولدن بي" للعقارات، أن عدد الروس المقيمين في الإمارات ازداد منذ بدء الحرب على أوكرانيا بمقدار ثلاثة أضعاف من نحو 50 ألفاً في عام 2021، وصولاً إلى 150 ألفاً في عام 2023، بمن فيهم ما بين 60 و80 ألفاً يقيمون في دبي نفسها.

 

مبررات البقاء والمغادرة

أسّس كنيازيف شركة خدمات دولية لإصدار تراخيص الجودة ومطابقة المنتج للوائح الفنية والمواصفات القياسية المعتمدة في دبي، كما يقول لـ"العربي الجديد": "قررت قبل بضع سنوات أن أعمل هنا وأتطور، الطقس الحار لا يزعجني، واكتسبت خبرة التواصل الدولي".

ويقلل من أهمية المزاعم أن الروس يودعون دبي، مضيفاً: "سمعت مثل هذه الأحاديث، ولكن في محيطي، لم يغادر أحد. أعتقد أن من غادروا هم رجال أعمال لم تحظَ مشاريعهم بإقبال في الإمارات والدول العربية، أو الأشخاص الذين حضروا إلى هنا بلا هدف محدد".

1600 شركة روسية أسست في الإمارات بعد عام 2022

في المقابل، تعزو يوليا قرارها بالمغادرة إلى مجموعة من السلبيات، وفي مقدمتها ارتفاع الأسعار والطقس الحار وانعدام الطبيعة بتلك الصورة التي اعتادها الروس في بلدهم الواقع بالخطوط العرضية الشمالية.

وإن كان صحيحاً "أن جميع المكاتب مزودة بالمكيفات، ولكن الجو الحار يؤدي إلى الاختناق ونقص الأوكسيجين، والوضع غير ملائم من جهة تلوث الهواء، حتى مقارنة بأوقات ذروة التكدس المروري في موسكو" تقول يوليا لـ"العربي الجديد".

وبينما يضع موقع "آي كيو إير" العالمي المعنيّ برصد تلوث الهواء، دبي في المرتبة الـ 25 بين مدن العالم الأكثر تلوثاً ضمن المنطقة الصفراء (حالة متوسطة)، تأتي موسكو في المرتبة الـ 118 ضمن المنطقة الخضراء (جيدة)، علماً أن هذا المؤشر يظهر حالة الهواء بنظام حيّ، وقد يتغير حسب أوقات اليوم. ومع ذلك، تشعر يوليا بالحنين إلى عدد من إيجابيات المعيشة في دبي، بما فيها إمكانية الحصول على أفضل الخدمات مقابل أسعار عقلانية مقارنة ببلدان الاتحاد الأوروبي، وانعدام ظاهرة رهاب الروس، بل يُعامَلون أطيب معاملة.

الصورة
الروس يوقعهون مزيدا من عقود الإيجارات في دبي
الروس من الجنسيات الثماني الأكثر إقبالاً على توقيع عقود إيجارات جديدة في دبي (المصدر تقرير : EU Tax Observatory )

 

حجم مشتريات الروس العقارية

ارتفع حجم الاستثمار الروسي في عقارات دبي كثيراً في أعقاب غزو أوكرانيا. إذ أكدت شركة استشارات عقارية محلية، بعد ستة أشهر فقط من الحرب، أن واحداً من كل خمسة طلبات للحصول على معلومات عن الممتلكات جاء من مواطنين روس، وفق ما يوثقه تقرير الاستثمار الأجنبي في سوق الإسكان بدبي بين 2020 و 2024، الذي أعده باحثو مرصد الضرائب في الاتحاد الأوروبي EU Tax Observatory وصدر في مايو/ أيار 2024.

وتكشف بيانات شركة "BetterHomes" للوساطة العقارية، ومقرها دبي، أن الروس حلوا في المرتبة الأولى بين مشتري العقارات الأجانب في دبي عام 2022، (بزيادة 230% عن 2021)، كذلك جاؤوا في المركز الثالث في عام 2023 بعدما كانوا قد تراجعوا إلى المرتبة الخامسة في عام 2022.

ويؤكد تقرير مرصد الضرائب الأوروبي أن طبقة الأوليغارشية الروسية سعت لشراء العقارات في الإمارات، موضحاً أن قيمة العقارات السكنية الجاهزة التي اشتراها الروس بلغت 2.4 مليار دولار خلال العامين التاليين للغزو، بالإضافة إلى 3.9 مليارات دولار أخرى من العقارات قيد الإنشاء. ما يمثل زيادة بنسبة 940% و1.500% تقريباً في قيمة المبيعات خلال العامين الماضيين.

الروس في المراتب الأولى بين مشتري العقارات الأجانب في دبي

ومن أسباب زيادة الاستثمارات الروسية في سوق العقارات بدبي، العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، والتي أدت إلى إغلاق أسواق العقارات الغربية أمام الأوليغارشية الروسية، وكذلك الاضطرابات السياسية التي أعقبت الغزو، بما في ذلك التجنيد الإجباري للرجال في نهاية المطاف. كذلك ترحب الإمارات العربية المتحدة بالروس ممن يتطلعون إلى نقل ثرواتهم أو أعمالهم أو منازلهم إلى ملاذ أكثر أماناً، ويفسّر الخبير المستقل في مجال الاستثمار العقاري، دميتري غريغورييف الأمر بأنّ "دبي وجهة للاستثمارات العقارية طويلة الأجل، وتشهد ارتفاعاً مستديماً لأسعار العقارات سواء للبيع أو الإيجار".

الصورة
ارتفاع نسبة عقود الإيجار الجديدة الموقعة من المستأجرين الروس وكذلك عقود هيئة كهرباء ومياه دبي (المصدر تقرير الاستثمار الأجنبي في سوق الإسكان بدبي 2022-2024)
ارتفاع نسبة عقود الإيجار الجديدة الموقعة من المستأجرين الروس وعقود هيئة كهرباء ومياه دبي (المصدر تقرير: EU Tax Observatory)

ويقول غريغورييف الذي يقدم إلى عملائه عوناً في الاستثمار العقاري بمنطقة الخليج، لـ"العربي الجديد": "بشكل عام، هناك تراجع طفيف لأعداد الروس في دبي، لكن يصعب تقديره على وجه الدقة، إذ ليس معروفاً من يسافر هرباً من الطقس الحارّ صيفاً، ومن يغادر مغادرة نهائية. كذلك هناك تراجع لحركة قدوم الروس مقارنة بعام 2022، حين كانوا يغادرون بلدهم خوفاً من تفاقم النزاع مع أوكرانيا".

يضيف: "تخلص المشترون من أوهام إمكانية إعادة البيع السريع وتحقيق هامش ربح عالٍ على المدى القصير، ولكن بأي حال من الأحوال، لا مجال للحديث عن مغادرتهم على نطاق واسع. هناك من أدركوا أن نموذج الأعمال الذي كان ناجحاً في روسيا غير مناسب في الإمارات والدول العربية".

 

1600 شركة روسية في الإمارات

افتتح الروس 1600 شركة في الإمارات منذ عام 2022، بحسب ما تكشفه دراسة أجرتها شركة "VENION" للاستشارات، ومقرها دبي، بعد معالجتها البيانات الإحصائية للشركات المسجلة في فبراير/ شباط الماضي.

وزادت الاستثمارات الروسية في الخارج بعد هجرة رافضي الحرب ضد أوكرانيا، أو هرباً من التجنيد العسكري الذي أعلنته في سبتمبر/أيلول من عام 2022، إذ تشير بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" إلى أن نحو 668 ألف شخص غادروا البلاد في ذلك العام. وفي الوقت الذي لا تتضمن فيه الإحصاءات معلومات عن وجهات هؤلاء، إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ذكر خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في دورته لعام 2023، كازاخستان وأوزبكستان وأرمينيا وأذربيجان والإمارات بين الدول التي اختارها المغتربون، ومن بين هؤلاء أندريه المختص في تكنولوجيا المعلومات، والذي غادر روسيا بعد أيام معدودة على بدء الحرب مع أوكرانيا، كما يقول لـ"العربي الجديد": "كلما طالت مدة إقامتي في دبي، ازداد إعجابي بها مقارنة بما كان عليه الوضع وقت وصولي. لم أعد أكترث بالسلبيات، بل ازداد تقديري للإيجابيات. أضف إلى ذلك أنني قد تعودت الحياة هنا، وأصبح لي معارف وأصدقاء".

الصورة
ارتفاع التدفقات الروسية بعد الغزو وتوقعات بارتفاع مبيعات العقارات للروس (المصدر تقرير الاستثمار الأجنبي في سوق الإسكان بدبي 2022-2024)
تزايد التدفقات الروسية بعد الغزو وتوقعات بصعود مبيعات العقارات للروس (المصدر تقرير الاستثمار الأجنبي في سوق الإسكان بدبي 2022-2024)

ويعتزم البقاء بضع سنوات أخرى، مضيفاً: "ليست هناك وجهات كثيرة في العالم تجمع بين الرخاء الاقتصادي واستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، ودبي واحدة منها وتتفوق من هذه الناحية حتى على الولايات المتحدة وأوروبا".

ومع ذلك، لا يستبعد احتمال انتقاله إلى إحدى الدول الغربية في مرحلة لاحقة، قائلاً: "من المزايا التي تقدمها بلدان أوروبا والولايات المتحدة إمكانية الحصول على جنسيتها ومختلف الضمانات الاجتماعية. لكنني لن أسافر إليها من أجل السفر في حد ذاته، بل فقط إذا توافرت فرصة عمل أفضل".

 

تبعات عراقيل التحويلات المالية

في فبراير/شباط الماضي، بدأ الحديث عن فرض مصارف إماراتية قيوداً على الحسابات والتعاملات مع روسيا وإغلاق حسابات لشركات وأفراد خشية من العقوبات الأميركية، وهو ما تؤكده الشريكة بمجموعة "بيبيليايف" الدولية للمحاماة، ماريا نيكونوفا، قائلة إن المعاملات المصرفية للشركات الروسية أصبحت تخضع لمراجعات دقيقة طرف المصارف الإماراتية، وجازمة في الوقت ذاته بأنه يمكن للروس فتح حسابات وإجراء تحويلات بعد استبعاد شبهة خضوعهم للعقوبات الغربية أو استخدامهم الإمارات محطة ترانزيت للتحويلات إلى روسيا.

وتقول نيكونوفا لـ"العربي الجديد": "أصبح حمل مؤسس الشركة للجنسية الروسية في حد ذاتها نوعاً من العلامة الحمراء للمصارف الإماراتية، ويعتمد فتح حسابات للشركات ذات الأصول الروسية على العديد من العوامل، وفي مقدمتها فئة الترخيص، إذ إن اختيار نشاط مثل التجارة العامة يشكل خطراً على المصرف". ومع ذلك، تقرّ بأنّ الوضع أفضل للشركات التي تعتزم مزاولة أعمالها داخل الإمارات، مضيفة أنه "على عكس الشركات المسجلة في المناطق الحرة، يُعَدّ فتح حسابات لتلك الشركات أسهل من غيرها، لكونها تعتزم مزاولة أعمال حقيقية في الإمارات". تتابع: "إذا كانت الشركة الروسية غير خاضعة للعقوبات، ولا تشارك في إدارتها شخصيات سياسية بارزة، يمكن إيجاد حل في أغلب الأحيان، وإن كانت مدة انتظار فتح الحساب تصل في بعض الأحيان إلى نصف عام". وتلخص الوضع مع تحويلات الروس المالية في الإمارات، قائلة إن "وضع التحويلات مماثل، إذ تبدي المصارف درجة كبيرة من التساهل مع الشركات العاملة داخل الإمارات، ولكنها ترفض استخدامها محطةَ ترانزيت للتحويلات من وإلى روسيا".

الصورة
المعيشة في الإمارات (Getty)
 الإمارات شكلت وجهة للروس من رافضي الحرب ضد أوكرانيا، أو هرباً من التجنيد العسكري (Getty)

من جهته، لا يكترث دميتري غريغورييف كثيراً للأنباء حول فرض قيود على تعاملات الروس المصرفية في الإمارات، قائلاً: "هناك إجراءات إضافية لمراجعة التحويلات الروسية في المصارف الإماراتية للتحقق من أنها لا تخالف نظام العقوبات، ولم أرصد شخصياً أي حالات منع للتحويلات أو إغلاق حسابات العملاء".

ومن أجل هذه الأسباب يعتقد مدير النادي الأوراسي للتحليل في موسكو (منظمة مستقلة تضم خبراء من الفضاء الأوراسي)، نيكيتا ميندكوفيتش، بأن أغلب من غادروا في عام 2022، قد عادوا. ويقول لـ"العربي الجديد": "تتراوح تقديرات عودة المغتربين إلى روسيا بما بين 50 و70% لمن غادروا في عام 2022، لكنْ كثيرون يبقون سواء في الإمارات أم غيرها من الوجهات من أجل مواصلة أعمالهم وليس خوفا من العودة، إذ توفر روسيا جودة حياة عالية، وفرص العمل للروس هنا أكثر من غيرها من الدول".

ويشكك في دقة المزاعم بأن عودة المغتربين ساهمت في نمو الاقتصاد الروسي بنسبة 3.6% خلال العام الماضي، مضيفاً: "صحيح أن قطاعاً عريضاً من المغتربين من مستهلكي سلع وخدمات ذات قيمة مضافة عالية، ويستأجرون شققاً في موسكو، وتدخل أموالهم دورة الاقتصاد، ولكن توسع القدرات الإنتاجية والصناعية أصبح قاطرة الاقتصاد الروسي وليس القطاع الخدمي".