الفرار من "قسد"... كيف حفزت انتهاكات حقوق الإنسان الهجرة إلى أوروبا

06 أكتوبر 2024
رحلة محفوفة بالمخاطر للهاربين من تجنيد قسد باتجاه أوروبا (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الشباب السوري في مناطق سيطرة "قسد" تجنيداً قسرياً، مما يدفعهم للفرار إلى تركيا وأوروبا رغم المخاطر الكبيرة مثل الاعتقال والابتزاز.
- تتلقى "قسد" دعماً من دول غربية، مما يثير تساؤلات حول مسؤوليتها تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، بينما تستمر الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بمعدل 400-600 شاب شهرياً.
- يمر الفارون عبر مناطق المعارضة للوصول إلى تركيا، ويواجهون تحديات مثل الاعتقال والابتزاز، لكنهم يواصلون السعي للوصول إلى أوروبا رغم التكاليف والمخاطر.

يفر سوريون من التجنيد القسري في مناطق سيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية المدعومة غربياً، ويتجهون إلى تركيا ومنها إلى أوروبا التي تشكو من الهجرة غير الشرعية بينما تمول دولها "قسد" وتتغافل عن انتهاكاتها.

- فشلت محاولة الثلاثيني السوري سامي حسن، في الفرار من مليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، عند دوار الصبّاغ بالمدخل الشمالي لمدينة الحسكة شمال شرقي سورية، إذ نصبت حاجزاً لاعتقال المارة من أجل تجنيدهم قسراً وإجبارهم على الخدمة العسكرية الإلزامية، التي تستهدف الذكور ممن أتموا 18 عاماً وحتى سن الأربعين، و"لا ينتهي واجب الدفاع الذاتي إلا بإتمام المدة المقررة أو الإعفاء منها"، بحسب المادة 13 من قانون واجب الدفاع الذاتي في شمال وشرق سورية لسنة 2019، والذي حدد في مادته الثانية "مدة الخدمة بـ 12 شهراً تبدأ من تاريخ التحاق المكلف". 

مباشرة اقتيد حسن إلى معسكر تل بيدر غرب الحسكة وهناك ظل موقوفاً لمدة شهرين حتى إبريل/نيسان 2020، وبمجرد الإفراج عنه جرى اقتياده إلى مركز التجنيد، إلا أنه لم يستسلم للأمر الواقع. وفي يوليو/تموز 2020، استغل حصوله على إجازة وفر إلى كردستان العراق بمعية مهرب دفع له ألف دولار أميركي، ومن هناك تابع طريقه إلى تركيا عبر مهرب آخر دفع له ألفي دولار، ومن حسن حظه أنه لم يتعرض إلى أي مضايقات خلال رحلته ولم تتحقق أسوأ مخاوفه بالاعتقال والتوقيف على يد حرس الحدود التركي كما وقع لآخرين سبقوه على الطريق.

يعرف مركز دياكونيا للقانون الإنساني الدولي (مجموعة خبراء مستقلة مقرها في السويد)، الدمج الإلزامي لأشخاص في قوات أو مجموعات مسلحة، بالإكراه أو القوة، على أنه "تجنيد قسري". وتتلقى "قسد" دعماً سخياً من دول منها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والسويد. وفي موازنتها لعام 2023، خصصت وزارة الدفاع الأميركية 542 مليون دولار لبرنامج تدريب وتجهيز القوات الشريكة لها في سورية والعراق، وتحديداً الجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وجيش مغاوير الثورة (جيش سورية الحرة)، ويبدو الدعم السياسي القوي في تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي في فبراير/شباط 2016 بأن "الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب (تشكل قواتها العمود الفقري لقسد)، ولا توافق تركيا على نظرتها إلى هذه القوات".

بينما يستمر الدعم عاماً وراء عام، يهرب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا التي تشكو من الهجرة غير الشرعية، ما بين 400 إلى 600 شاب شهرياً وأكثرهم يخشون اقتيادهم إلى التجنيد القسري، في مناطق مليشيا "قسد" كما النظام، ويتمكن حرس الحدود التابع لـ"قسد" من إحباط تهريب 100 شاب شهرياً، كما توقف قوات الدرك التركية نفس العدد تقريباً، وفق تقديرات رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مستقلة)، والذي يقول: "يهرب البعض من مناطق النظام عبر مناطق قسد ثم يتوجهون إلى مناطق سيطرة المعارضة"، ويضيف: "من يبلغ سن التجنيد سواء في صفوف قسد أو النظام يحاول الفرار بكل الطرق إلى تركيا وهدفه النهائي الهجرة إلى أوروبا".

 

دروب الشقاء 

ثمة مسارات متنوعة يخوضها الهاربون من التجنيد القسري، أبرزها من مدينة دير الزور شرقي البلاد ثم إلى مدينة الرقة شمالاً ثم مدينة منبج شمال شرقي حلب، والتابعة لسيطرة "قسد" ومنها إلى مناطق سيطرة المعارضة وتحديداً الجيش الوطني السوري (قوة عسكرية أنشأتها الحكومة المؤقتة ضمن هيكل المعارضة في الشمال)، كما يقول العشريني محمد الشعيل، والذي هرب من دير الزور إلى مدينة جرابلس شمال شرقي حلب ثم مدينة الباب في فبراير 2022، في رحلة ركب خلالها سيارة ثم زورقاً خاض به نهر الفرات بمعية مهرب دفع له 300 دولار، ويتابع: "عند الوصول إلى نقاط سيطرة المعارضة انتظرت يومين حتى تبين للمهرب أن الطريق آمن".

هروب ما بين 400 و600 شاب من التجنيد القسري شهرياً

وفي حال لم يكن الطريق سالكاً، يقع بعض الفارين من الخدمة الإلزامية في قبضة قوات الجيش الوطني السوري المعارض لدى وصولهم إلى مناطقه، بحسب إفادة خمسة من الهاربين، ومن بينهم العشريني سهيل طه، الذي هرب من دير الزور في يونيو/حزيران 2021 مع سائق حافلة استخرج له بيان قيد مزوراً بإتمامه الخدمة العسكرية (دفتر الخدمة)، وقيمته 20 دولاراً تضاف إلى 200 دولار مقابل تهريبه، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا:" من يكتشف أمره يواجه احتمالين إما التعرض إلى إطلاق النار أو الاعتقال وعدم الخروج من السجن إلا بعد دفع رشوة".

وقطع طه المقيم حالياً في تركيا، مسافة 296 كيلومتراً بالسيارة من بلدة هجين في دير الزور وحتى مدينة تل أبيض بالرقة، ثم مشى لمدة نصف ساعة على قدميه ووصل إلى قرية واقعة على الحدود بين مناطق "قسد" والمعارضة، قائلاً: "عند الوصول إلى نقاط عسكرية في مناطق المعارضة، يتم تفتيشنا من قبل الشرطة العسكرية، وإذا كان الشخص مطلوباً بتهمة الانتماء لقسد يجري سجنه".

وتتقاطع تلك الشهادات مع ما يؤكده الحقوقي عبد الرحمن، والذي يتابع ما يحدث للهاربين من خلال مراسلي المرصد السوري لحقوق الإنسان، قائلاً إن مسلحي الجيش الوطني، يعتقلون الفارين من تجنيد "قسد" عبر مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة على الحدود مع تركيا، وكذلك في أعزاز وجرابلس شمالي البلاد، وهناك يعذبون في السجن بتهمة العمل مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية أو مليشيا "قسد" التابعة لها، ويظلون في السجون والمعتقلات إلى أن يدفع ذووهم فدى تتراوح ما بين أربعة وسبعة آلاف دولار، في مقابل إطلاق سراحهم.

وللحصول على حق الرد، تواصل معد التحقيق، مع وزير دفاع الحكومة المؤقتة التي تتبعها قوات الجيش الوطني وسأل عن الانتهاكات التي يتعرض لها الفارون من مناطق "قسد"، إلا أنه لم يرد، فتواصل مع مدير المكتب الإعلامي للجبهة الشامية التابعة للجيش الوطني، رأفت جنيد، والذي أكد في رده المكتوب على أسئلة "العربي الجديد" أن أي شخص يُلقى القبض عليه ويثبت أنه عمل مع "قسد" أو قوات النظام يتم تحويله للشرطة العسكرية. وفي "حال تعرض أي مدني للابتزاز بمناطقنا، جاهزون لاستقبال الشكوى وستتم محاسبة الفاعلين".

 

تركيا بلد عبور وأوروبا الجائزة الكبرى

بعد وصول الفارين من التجنيد إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، تصبح تركيا وجهتهم ويحاولون عبور الجدار الفاصل الموجود على طول الحدود بين البلدين، كما فعل طه، الذي نجا من رصاص الطرفين، لكنه يخشى الترحيل في حال جرى توقيفه من قوات الشرطة التركية أثناء عمليات التحقق من أوراق الأجانب، وهو ما حدث للثلاثيني السوري سامي حميد، الذي هرب من التجنيد القسري في مدينة عين العرب شمال شرقي حلب، الخاضعة لسيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية، ومنها إلى تركيا في منتصف 2021، ويروي حميد أن محاولته الأولى لدخول تركيا فشلت، إذ قبض عليه حرس الحدود التركي واحتجزوه لمدة أربعة أيام، تعرض خلالها إلى معاملة قاسية ثم رحلوه إلى مناطق سيطرة المعارضة.

وفي المرة الثانية تمكن من العبور إلى تركيا بعد دفع ثلاثة آلاف دولار لمهرب من أبناء المنطقة الحدودية، ثم حاول الهروب من تركيا إلى أوروبا ثلاث مرات من أجل تحقيق حلمه بالاستقرار إلى جانب أقاربه ورفاقه الموجودين في ألمانيا، لكنه فشل وفي المحاولة الأخيرة قبضت عليه الشرطة التركية ورحلوه إلى سورية ليعود إلى بلدته في عام 2022، وجرى سجنه بها بسبب فراره من التجنيد، ثم الإفراج عنه بعد دفع غرامة قيمتها 300 ألف ليرة سورية (119 دولاراً أميركياً).

الصورة
التجنيد القسري في مناطق سيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية

ويعد الوصول إلى أوروبا حلم الفارين إلى تركيا، مثل حسن الذي تمكن من بلوغ مدينة غازي عنتاب في يوليو 2020 وبقي فيها عاماً كاملاً، عقب فشله في اجتياز الحدود إلى اليونان ومنها يتوجه إلى هولندا، إذ قبض عليه وأعيد إلى تركيا، ثم إلى سورية عبر معبر كسب الحدودي بين محافظة اللاذقية ومدينة يايلاداغي في محافظة هاتاي جنوبي تركيا، ليتوجه إلى الحسكة الواقعة تحت سيطرة "قسد"، مضيفاً: "بقيت في منزلي خشية اعتقالي مجدداً بسبب هروبي السابق من الخدمة، رغم تجاوزي للسن القانونية للتجنيد".

 

من يتحمل المسؤولية؟

تختلف قيمة المبالغ التي يحصل عليها المهربون من الفارين من تجنيد مليشيا "قسد" إذ تصل إلى 15 ألف دولار في حال كانت أوروبا الوجهة النهائية، بينما يدفعون ما بين ثلاثة وستة آلاف دولار للوصول إلى تركيا، بحسب إفادات مصادر التحقيق، ومن بينهم العشريني عمر عبد الناصر الذي هرب من مدينة الرقة في سبتمبر/أيلول 2022 عبر قارب خاض بحيرة سد الفرات، بعد حصوله على إجازة ليوم واحد من العمل في المستشفى العسكري الذي خدم فيه خمسة أشهر، قائلاً: "على المجند الخروج من منطقة وجود القوات فوراً بعد حصوله على الإجازة حتى لا يضيع الوقت ويجري توقيفه ويتعرض للسجن والغرامة في حال تم إلقاء القبض عليه أثناء محاولة الهروب".

واعتقلت قوات سوريا الديمقراطية 687 شخصاً خلال الفترة من يناير/كانون الثاني 2021 وحتى مايو/أيار 2024، لتجندهم في صفوفها، حسب ما يؤكده لـ"العربي الجديد" مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لافتاً إلى أن 19 شخصاً فروا بعد تجنيدهم. كما جندت 296 طفلا حتى نوفمبر/تشرين 2023، رغم توقيع الإدارة الذاتية الكردية على خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة لوقف عمليات تجنيد الأطفال في صفوف قواتها وتسريح من تم تجنيده منهم، وتوقيع وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة على صكِّ التزام مع منظمة نداء جنيف في يونيو 2014 لحظر استخدام الأطفال في الحروب، وفق التقرير السنوي الثاني عشر عن الانتهاكات بحق الأطفال في سورية، الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 20 نوفمبر الماضي.

اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية 687 شخصاً من أجل تجنيدهم

ويحمل عبدالغني الدول الداعمة لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها، قائلاً: "الشبكة السورية لحقوق الإنسان تعقد اجتماعات مع سفراء الدول الداعمة ومنها الولايات المتحدة الأميركية، ونقدم تقاريرنا عن انتهاكات جميع أطراف الصراع في سورية، ومن ضمنها قسد، أحد أبرز هذه الانتهاكات هو التجنيد القسري، وأخبرناهم بذلك كونهم أطرافاً داعمة وعليهم ردعها عن القيام بذلك". 

وللحصول على حق الرد تواصل "العربي الجديد" مع وزارة الخارجية البريطانية عبر البريد الإلكتروني، لكن دون نتيجة، بينما أحالت السفارة الأميركية في دمشق الأمر إلى وزارة الخارجية، والتي قال المتحدث باسمها، ماثيو ميلر: "الولايات المتحدة تأخذ التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية على محمل الجد وتظل قلقة للغاية بشأنها"، ويضيف: "نواصل حث جميع الأطراف الفاعلة في سورية على احترام حقوق الإنسان، ومعاملة جميع المعتقلين بإنسانية، وحماية المدنيين، والرد بشكل مناسب على مزاعم الانتهاكات والإضرار بالمدنيين"، لكنه أكد مقابل ذلك أن "الولايات المتحدة ملتزمة بمهمة هزيمة داعش، وتظل قوات سوريا الديمقراطية شريكاً عسكرياً قادراً في هذه المعركة".