يفر مجندون تشاديون من مليشيا "بوكوحرام" المبايعة لتنظيم داعش الإرهابي، والتي خيرتهم ما بين الذبح أو الانضمام إلى دولتها الممتدة على أراضي عدة دول وسط أفريقيا، غير أن العائدين يعانون من غياب الدمج والتأهيل الحكومي.
- لم يجد العشريني التشادي بكر مصطفى وثلاثة عشر شابا وخمس فتيات أي مفر للهروب من تنظيم "بوكوحرام" المبايع لتنظيم داعش الإرهابي، بعدما سيطرت مليشيا الجماعة على قريتهم كيمي kemi الواقعة في مقاطعة مامدي Mamde بإقليم البحيرة في أقصى غرب تشاد بداية عام 2017، وخيرتهم ما بين الذبح أو الانضمام إلى قواتها، ليتم نقلهم بعدها إلى جزيرة نغليا Ngelea قرب مقاطعة بول Bol (تبعد 152 كيلومترا شمال العاصمة أنجمينا)، لكنه خلال فترة وجوده في صفوف الجماعة ظل يحاول الهروب حتى تمكن من ذلك في مارس/آذار 2018، كما يقول، موضحا أنه فر من الجزيرة عبر زورق أثناء حراسته الليلية.
وتُخضع بوكوحرام سكان القرى التي تسيطر عليها وتكرههم على الانضمام إلى صفوف مليشياتها، منذ أن شنت أول هجوم إرهابي على قرية نغوبا الواقعة على شاطئ البحيرة في 13 فبراير/ شباط 2015، كما يقول الدكتور سالي بكاري، أستاذ التاريخ بكلية الآداب في جامعة أنجمينا الحكومية، مضيفا لـ"العربي الجديد": "الجماعة جندت تشاديين قبل بدء هجماتها على البلاد، من بينهم طلاب علم ذهبوا من بحيرة تشاد إلى مدينة مايدوغوري عاصمة ولاية برنو شمال شرقي نيجيريا للعمل والدراسة وتأثروا بخطابها المتشدد.
مليشيا عابرة للدول
وصل قوام مليشيا بوكوحرام إلى 14520 مجندا قبل أن ينخفض العدد في عام 2018 إلى 10842 مجندا من جنسيات مختلفة، وفق ما يقوله لـ"العربي الجديد" أحمد يعقوب دابيو، مدير مركز الدراسات للتنمية والوقاية من التطرف CEDPE (مؤسسة غير حكومية تجري بحوثا ودراسات عن العائدين من بوكوحرام). فيما يؤكد أقاسيز باروم Agassiz braoum، السكرتير الأول للمركز، والذي عمل ضمن فريق تحقيق في مدينة باغا سولا Baga Sola على الحدود التشادية النيجيرية، وقابل العائدين من الجماعة، أن عدد المجندين لدى بوكوحرام تراجع بحلول عام 2022 إلى 9 آلاف مجند من جنسيات مختلفة.
و"تجند المليشيا قواتها عبر مهاجمة قرية معزولة لا تسيطر عليها الدولة أو تسيطر عليها جزئيا عند حلول الفجر، ثم تجمع السكان قبل اختيار شخصين أو ثلاثة لقطع رقابهم أمام الحشد، ثم يأتي السؤال الشهير من معنا؟ ومن لا يريد الانضمام إلى قضيتنا؟ في مثل هذا السياق المرعب، تتعهد القرية المحاصرة بأكملها بالولاء للجماعة خوفًا من الإعدام، وفق ما أوضحه باروم في ندوة عقدت بمركز الدراسات للتنمية والوقاية من التطرف في 13 ديسمبر/كانون الأول 2022 بعنوان "بوكوحرام: هكذا تجند الجماعة أعضاءها".
تراجع مجندو بوكوحرام من 14520 إلى 10842 حتى عام 2018
ما سبق وقع في قرية نغوبا التي سيطرت عليها "بوكوحرام"، إذ أجبرت سكانها على الانضمام إليها بعد ذبح رئيس القرية، بتهمة التعاون مع الحكومة، بحسب ألاراجي مكسيم، السكرتير الإداري لمقاطعة كايا Kaya التابعة لولاية البحيرة، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن رؤساء القبائل والقرى وجدوا أنفسهم بين مطرقة بوكوحرام وسندان الحكومة، التي لم تستطع حمايتهم من هجمات الجماعة، والأخيرة تهددهم بالقتل إذا تعاونوا مع الحكومة، وهو ما يؤكده أربعة تشاديين من المكرهين على الانضمام إلى بوكوحرام، من بينهم عبدالله محمد (26 عاما)، الذي روى تفاصيل انضمامه للجماعة، قائلا: "أجبرت على الانضمام رفقة 300 شخص عقب سقوط جزيرة Ngomirom Doumou التابعة لمقاطعة مامدي في أغسطس/آب 2019"، ويضيف لـ"العربي الجديد": "ذبحوا بضعة أشخاص من الأهالي بينهم صديقاي، ثم خيروا البقية بين الذبح أو الانضمام لهم".
ويروي عائد مصطفى لمين، تفاصل انضمامه إلى بوكوحرام"، قائلا: "بعد هجوم الجماعة على قريتنا جيقليا التابعة لولاية كانغالام الفرعية، بمقاطعة مامدي، وسيطرتهم عليها في نهاية عام 2015، نقلونا على زورق صغير إلى جزيرة تشوكوتليا Tchoukoutel، ويضيف: "في الصباح كنا نتدرب على السلاح وفي وقت الظهر نقرأ القرآن وفي المساء نتلقى علوما دينية على يد شيخ، كان يقول أي شخص لا ينضم إلى بوكوحرام كافر ويجوز قتله ولو كان والدك".
وعن الأنشطة الاقتصادية في مناطق سيطرة الجماعة، يقول لمين لـ"العربي الجديد": "يوجد في جزيرة تشوكوتليا التي يعيش فيها ثلاثة آلاف نسمة سوق وخلوتان ومسجد"، مشيرا إلى أن النساء يعملن لصالح الجماعة في الزراعة والرجال في صيد الأسماك". ويخضع المنضمون إلى الجماعة لتدريبات على استعمال الكلاشنكوف وكيفية استخدام الحزام الناسف وصناعة المتفجرات وحشوها بالمسامير والأسلاك، بحسب بكر مصطفى، قائلا: "شاركت معهم في معارك ضد القوات الحكومية في نيجيريا وتشاد".
هروب 4500 تشادي من بوكوحرام
خلال فترة وجود عبدالله محمد ضمن صفوف بوكوحرام التي استمرت لمدة عامين و7 أشهر، ظل يفكر بطريقة للهروب، لكنه خشي من انكشاف أمره وتعرضه لعقوبة الإعدام، كما يقول مستدركا: "ذات ليلة هربت مع صديقي من جزيرة انغوبوا بإقليم بحيرة تشاد على الحدود الكاميرونية ومنها عدت إلى قريتي قرب مقاطعة مامدي".
وحتى نهاية عام 2022، هرب من صفوف جماعة بوكوحرام 4 آلاف و520 تشاديا، 54 بالمائة منهم نساء، وفق تأكيد دابيو، والذي يقول: "غالبا يستغل الهاربون من بوكوحرام الفوضى عقب تعرض الجماعة لهجوم من القوات الحكومية التشادية أو القوة المشتركة متعددة الجنسيات (تضم أربع دول هي النيجر والكاميرون وتشاد ونيجيريا ومقرها أنجمينا)، إذ إن هروبهم في أوقات أخرى قد يعرضهم للخطر.
ويعلق الملازم علي آدم جبرين، الضابط في الجيش التشادي (اسم مستعار لكونه غير مخول بالحديث مع الإعلام) على ذلك قائلا لـ"العربي الجديد": "حين يأتي العائد من جماعة بوكوحرام، نحقق معه لمعرفة اسمه واسم قريته والعشيرة التي ينتمي إليها، ثم نستدعي ممثل عشيرته ورئيس قريته ونطلقه بضمانتهم".
وتتعامل العشائر مع العائدين بشكل جيد، حسبما يقول آجي مولا رئيس إحدى قرى جزيرة بوهوما الواقعة في مقاطعة كايا، مضيفا لـ"العربي الجديد": "نقبل العائدين لأن أغلبهم اضطر للانضمام إلى الجماعة وهو مكره"، ويتابع: "ما نحتاجه هنا هو المدارس والمراكز الصحية وتوفير فرص عمل".
وجرى إسكان ألف شخص من العائدين، في قرية كلكمي Koulkime الواقعة على بعد 25 كيلومترا عن مدينة باغا سولا، إذ بنيت مخيمات لهم في الطرف الشمالي للقرية، بحسب ماغلوار ديدييه Didier Magloire مدير الطوارئ في منظمة العمل ضد الجوع (إنسانية أُسست في فرنسا)، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن من يعود لا يعامل بعنصرية أو كراهية من قبل أهالي القرية.
ويعمل العائدون إلى قرية كلكمي في الحدادة والنجارة والصيد، كما يتلقون تدريبات على الخياطة وأعمال الميكانيكا بمساعدة المنظمة، حسبما يقول ديدييه. وهو ما يؤكده مكسيم، قائلا: "نحاول حماية العائدين وإعطاءهم فرصة أخرى لبدء حياة جديدة. لكننا نحتاج إلى دعم دولي حتى نوفر لهم احتياجاتهم في المخيمات".
غياب التأهيل الحكومي
في السادس عشر من أغسطس 2023، وقّع رئيس الحكومة الانتقالية صالح كبزابو على قرار تشكيل لجنة توجيهية وطنية لاستراتيجية الخروج من أزمة الإرهاب في بحيرة تشاد، بحسب الباحث الأول في قضايا وسط أفريقيا والبحيرات العظمى بمعهد الدراسات الأمنية (منظمة أفريقية تعنى بالأمن البحري والهجرة والتنمية والجريمة العابرة للحدود) ريمادجي هويناثي Remadji Hoinathy.
واللجنة ملزمة بتنفيذ توصيات منتدى القوى الحية في إقليم البحيرة (مكون يضم مسؤولين في مناطق الإقليم) بشأن مكافحة تنظيم بوكوحرام، ومن مهامها تقديم مشروع لتنمية وتطوير إقليم البحيرة من أجل إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للعناصر السابقة في الجماعة، وعودة النازحين وتمكين الشباب والنساء من التنمية الزراعية والرعوية لمجتمعاتهم، واتخاذ جميع التدابير التي قد تسمح بعودة مقاتلي بوكوحرام إلى "الشرعية"، حسبما يقول هويناثي لـ"العربي الجديد".
لكن المشكلة كما يقول أحمد يعقوب دابيو، إن الحكومة لا تؤهل العائدين ولا تقدم لهم تدريبا مهنيا مناسبا لأن تأهيلهم اجتماعيا ونفسيا يحتاج إلى 38 مليار فرنك (45 مليونا و731 ألف دولار أميركي) والدولة لا تستطيع توفير هذه المبلغ.
ويتفق معه ديدييه، ويكمل: "يقتصر دور الحكومة على تقديم الأمان للعائدين". ويرد ألاراجي مكسيم، السكرتير الإداري لمقاطعة كايا، قائلا: "الحكومة تعتمد على المنظمات الداعمة، لأنها لا تملك الموارد البشرية المختصة بإعادة تأهيل العائدين".
العائدون لا يخضعون لتأهيل حكومي يدمجهم في مجتمعاتهم المحلية
وعلى الرغم من إطلاق الحكومة التشادية برنامج "غفران" لإعادة تأهيل العائدين من جماعة بوكوحرام في عام 2017، إلا أنها اعتمدت على العشائر التي ينتمي إليها العائدون، إذ يتعرف ممثل العشيرة على العائد، ويعلن للجميع بأنهم غفروا له ويمكنه العيش معهم، كما يقول الدكتور بكاري. ويرد علي آدم جبرين، قائلا لـ"العربي الجديد": "الحكومة تؤهل العائدين، وتراقبهم عن كثب حتى لا يفكروا بالعودة إلى بوكوحرام، أما إذا أسرنا شخصا في المعركة، فيتم التحقيق معه ويودع في السجن".
لكن بكر مصطفى، يقول إنه لم يخضع لأي تأهيل حكومي بعد هروبه من بوكوحرام، مضيفا أنه لم يكن يتخيل كيف يمكنه النجاة من معاناته على يد الجماعة، لكن حياته تبدلت بعدما حصل على تأهيل من منظمة كير (هيئة إغاثية دولية)، لمدة 45 يوما والتي سجلته بمدرسة لتعليم القيادة، ليعمل معها في مدينة باغا سولا.