توثق "العربي الجديد" بيع مقاعد جامعية مخصصة للطلاب الأجانب في الجامعات التركية، عبر مكاتب خدمات ووسطاء وموظفين يؤمنون عملية التسجيل من خلال التلاعب بنظام القبول في مقابل مبالغ مالية تحرم المتفوقين من فرصهم.
- يستقطب السوري محمود البش عبر مكتبه للخدمات الجامعية في مدينة أنطاكيا الطلاب الأجانب الراغبين في الالتحاق بالجامعات التركية، بزعم توفير فرص قبول مخصصة لهم في مقابل مبالغ مالية، عبر اتفاقيات مع مؤسسات حكومية، قائلا "ما يجري يتم بشكل قانوني، إذ تتقاضى الجامعة مبلغا يدخل في حسابها باعتباره تبرعا عن كل مقعد مخصص للطالب الأجنبي، وهذه المقاعد لا تخضع للمفاضلة لكنها لا تمنح إلا للحاصلين على معدلات معينة، وعلى نسبة محددة في اختبار اليوز المحلي أو السات الدولي".
ما يروجه البش ونظراؤه من العاملين في مكاتب تحمل لافتات تقديم خدمات واستشارات جامعية للطلاب الأجانب في تركيا، يدحضه أستاذ القانون الدولي في جامعة ماردين أرتوغلو "Mardin Artuklu"، وسام الدين العكلة، مؤكدا أن لا وجود لأي اتفاقيات بين الجامعات الحكومية التركية ومكاتب الخدمات لبيع مقاعد مقابل تبرعات أو مبالغ أعلى من رسوم التسجيل، موضحا أن نظام القبول يحظر على الجامعات تقاضي أي زيادة على رسوم التسجيل سواء كانت تبرعا أو غيره، وما تقوم به المكاتب تلك ما هو إلا اتجار غير قانوني بالمقاعد.
استهداف الطلاب الأجانب
يلجأ الطلاب الأجانب الراغبون في الالتحاق بالجامعات التركية إلى مكاتب خدمات طلابية، بسبب جهلهم بقوانين ومتطلبات القبول الجامعي وضعف مستواهم في اللغة التركية، كما يقول أغيد السيد علي، الطالب في كلية العلوم السياسية وعضو تجمع الطلاب السوريين في جامعة بولنت أجاويد في زونغولداغ، موضحا أن هذه المكاتب منها ما هو مرخص باعتباره يقدم خدمات طلابية بشكل قانوني، من أجل تيسير عملية التسجيل عبر مساعدة الطالب في تحضير الأوراق اللازمة وتقديمها عبر القنوات الصحيحة، بهدف الحصول على مقعد نظامي، وتأمين الدخول في مفاضلات قبول الطلاب الأجانب، بحيث يحصل أصحاب المعدلات الأعلى في شهادة الدراسة الثانوية وامتحان "اليوز" على المقاعد المخصصة في الجامعة، مشيرا إلى تقاضي المكاتب مبالغ مختلفة مقابل التقدم لمفاضلة في خمس جامعات كل منها لها نظام قبول خاصة.
ينشر مجلس التعليم العالي تحذيرات من التلاعب بمتطلبات القبول
في المقابل، تعمل مكاتب بشكل غير قانوني ويقف وراءها سماسرة يؤمنون عملية التسجيل عبر التلاعب بنظام الجامعات مقابل مبالغ مالية كبيرة تصل إلى 20 ألف دولار أميركي لبعض الفروع، مثل الطب، ويتم ذلك إما عبر إدخال بيانات مزورة وتحويل الطالب الأجنبي من غير مقبول إلى مقبول، أو استبدال البيانات المرفوضة بنتائج طلاب سجلوا في جامعات أخرى بعدما تم قبولهم، وفق ما يقوله السيد علي والبش، وهو ما وقع للعراقي محمد كاظم (اسم مستعار خوفا من خسارة مقعده في الجامعة)، والذي تمكن من شراء مقعد لدراسة الماجيستير في العام الماضي عن طريق مكتب خدمات طلابية، مقابل ألفي دولار، في جامعة تحتفظ "العربي الجديد" باسمها تقع في شمال البلاد، قائلا: "لجأت إلى المكتب عقب الفشل في اجتياز فحص اليوز، بعدما تقدمت وزوجتي للاختبار في مطلع عام 2020، ونجحت هي لكني لم أوفق".
اللافت أن كاظم عندما استخرج بطاقته الجامعية كانت مفاضلات القبول الجامعية متوقفة، لكنه حصل على فرصته من خلال تلاعب متعاون في الجامعة مع المكتب بنظام بيانات الطلاب وتغيير المعلومات الخاصة بكاظم، ليظهر أن قبوله تم في يوليو/تموز عام 2020 كما يقول.
وفي الجامعة ذاتها حصلت السورية وصال سعد الدين (اسم مستعار خوفا من خسارة إقامتها في تركيا)، على مقعد عبر سمسار تمكن من تأمينه لها مقابل 1500 دولار، بهدف تحويل إقامتها من سياحية إلى إقامة طالب، وبالفعل تم قبولها بشكل أولي في برنامج هندسة تصميم المنتجات الصناعية وحصلت على قيد طالب، لكن الأمر تطلب تقديم شهادة الثانوية العامة من سورية، وهو ما لم يكن متاحا، بالإضافة إلى شرط الدوام الذي جعلها تعدل عن إكمال التسجيل في الجامعة، وفق روايتها لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أنها لجأت لهذه الطريقة لضمان حصولها على القبول خاصة أنها أنهت الثانوية العامة عام 2009، ما يقلل من فرصها، لأن الجامعات تعطي الأولوية في القبول لمن هم أحدث سنا في حال تساوت شروط القبول، بحسب العكلة.
وتؤدي الظاهرة إلى تسهيل استغلال الطلاب الأجانب من قبل سماسرة يحتالون عليهم عبر وعود بتأمين القبول لكنهم يختفون بمجرد الحصول على جزء من المبلغ المالي، وفقا للسيد علي، الذي رصد حالات بين الطلاب العرب تعرضت لخداع من قبل متعاونين مع مكاتب غير شرعية تدعي تقديم خدمات طلابية.
التواصل مع السماسرة
يوهم المحتالون الطلاب بوجود ضمانات لعدم خسارة المقعد
وتواصل معد التحقيق مع إحدى هذه الصفحات باسم "الأولى للخدمات الطلابية والخدمات العامة في تركيا" للاستفسار حول إمكانية تأمين مقعد طب بشري في جامعة حكومية تركية، وتلقى تأكيدات بشأن تأمين المقعد مقابل 17 ألف دولار، ويتم توقيع عقد بين الطالب والمكتب الذي يزعم المتحدث أنه يعمل في تركيا بشكل قانوني وأن فرصته الدراسية مضمونة لمدة 6 سنوات، وبمجرد الدفع للمكتب يمكن للطالب أن يتأكد من إدراج اسمه في القوائم بشكل نظامي وعند وجود أي خلل يمكنه استعادة ماله بالكامل طوال فترة دراسته.