خلال تصفحي لمواقع التواصل الاجتماعي، وجدت الجميع يتحدث عن سياسة الخصوصية التي قرر تطبيق "واتساب" التابع لشركة "فيسبوك" اعتمادها، فضلا عن رغبة البعض للانتقال من "واتساب" إلى تطبيقات أخرى كالسيغنل والتليغرام وغيرها من التطبيقات التي قد تكون لأول مرة نسمع بها.
السؤال هنا: ماذا حصل؟ بداية يجب أن أوضح أنه عندما نقرر الانتقال من خدمة إلى أخرى، علينا أن نفهم تفاصيل كل الأسباب. لذلك، دعونا نجيب على كل التساؤلات التي يدور الجدل حولها.
هل سيقرأ "واتساب" المحادثات؟ لن تستطيع شركة "واتساب" قراءة المحادثات، بما أنه يجري تعمية (تشفير) المحادثات باستخدام بروتوكول "سيغنل" signal protocol (تم تصميمه من قبل المنظمة التي صممت تطبيق سيغنل Signal). وهل ستحصل شركة "واتساب" على الصور والفيديوهات التي أقوم بإرسالها؟ كما الإجابة في موضوع المحادثات، فإن الشركة لن تستطيع الوصول إلى هذه المعلومات.
إذن ما هي المشكلة؟ المشكلة تتمثل بأن شركة واتساب" سوف تفرض شروط استخدام جديدة تقوم على أساس مشاركة معلومات تسمى (Metadata) أو البيانات الوصفية، وهي معلومات مخفية يتم الحصول عليها أثناء تثبيت أو استخدام الخدمة، وهذه البيانات يتم استخدامها عادة من أجل دراسة المستخدمين ومعرفة بعض التفاصيل عنهم.
في البداية قالت الشركة بأنه لن يتم مشاركة البيانات مع الشركة الأم "فيسبوك" وسوف تبقى مستقلة، لكن منذ عام 2016 تمت مشاركة العديد من المعلومات الحساسة التي قد تستغلها الشركة الأم في تحليل البيانات واستغلالها في الإعلانات وغيرها.
وقبل أيام قررت شركة "واتساب" إرسال رسائل إلى المستخدمين حول العالم، باستثناء المستخدمين في أوروبا وبريطانيا كونهم غير مشمولين بسبب سياسة حماية البيانات، لتدعوهم إلى الموافقة على مشاركة معلومات مثل: معلومات مستوى البطارية وعنوان IP (وهو المعرف الرقمي لأي جهاز حاسوب، هاتف محمول)، إضافة إلى معلومات المتصفح وشبكة الهاتف المحمول ورقم الهاتف ومزود خدمة الإنترنت، ومعلومات تتعلق بتواصلك مع الشركات في واتساب، وأشارت الشركة في رسالتها للمستخدمين إلى أنه "يجب عليك أن توافق إذا كنت ترغب في مواصلة استخدام هذه الخدمة بعد 8 فبراير/شباط 2021".
سيبقى الجدل الحاصل على الرغم من إصدار الشركة معلومات إضافية، و قالت بأن التغيير في الشروط لن يسمح بمشاركة المعلومات مع "فيسبوك" على نطاق واسع.
وعلى الرغم من توضيح الشركة الأم، إلا أن المستخدمين لم يفهموا كيفية حماية بياناتهم، ومخاوفهم المبنية على تجاربهم السابقة مع شركة "فيسبوك" وسمعتها في ما يتعلق بالخصوصية بشكل عام.
الموضوع تجاوز اليوم أهمية ما إذا كانت ستشارك شركة "واتساب" معلومات المستخدمين مع شركة "فيسبوك" أم لا؟ وقد لا تشارك المعلومات فعلاً، ولكن عدم ثقتنا السابقة في شركة مثل "فيسبوك" قد يعطينا الإحساس دائما بأن الشركة سوف تقوم بذلك حتى من دون إبلاغنا أو طلب موافقتنا. وكل هذا يدخل ضمن إطار حماية مصالحنا كمستخدمين من أجل أن نصبح مستهلكين أفضل وذلك عن طريق قراءة وتحليل جميع سلوكياتنا عن طريق هذه الخدمات.
إذن لن نستطيع أن نثق في شركة "فيسبوك" لعدة أسباب ومنها الحرب التي حصلت في ديسمبر/كانون الأول الماضي مع شركة أبل Apple حول قرار الشركة إجبار المطورين على توضيح المعلومات المتعلقة بالخصوصية، والتي يتم الاستحواذ عليها من قبل التطبيق أثناء استخدامه في الهاتف، إذ اكتشف الملايين من المستخدمين أن شركة فيسبوك تستحوذ على معلومات بالعشرات من الهواتف بعد تنصيب (تثبيت) التطبيق.
ويجب أن لا ننسى فضيحة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica scandal (شركة استشارات سياسية معنية في دراسات الرأي العام والتأثير على الناخبين في الحملات الانتخابية)، في مطلع إبريل/نيسان 2018 والتي جمعت البيانات الشخصية للملايين من مستخدمي موقع فيسبوك.
هذا ما نعرفه حتى اليوم لكننا لا نعلم ما سوف يجري في المستقبل وما هي المعلومات التي سوف تقوم الشركة بجمعها أو ما هي الطريقة التي سيتم بها ذلك؟ ويعود ذلك إلى أن هذا التطبيق ليس مفتوح المصدر Open source ولا يمكننا معرفة ما يخفيه.
التطبيق ليس مفتوح المصدر Open source ولا يمكننا معرفة ما يخفيه
والنقاش حول الخصوصية مهم، وخصوصا مع وجود بدائل تحمي المعلومات وتساعدنا على الاستمرار في التواصل مع الآخرين. وعرف آلان ويستن، أستاذ القانون العام والفخري الحكومي بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الواقعة شمال شرق الولايات المتحدة الأميركية، ومؤلف كتاب الخصوصية والحرية، الخصوصية بانها "مطالبة الأفراد والمجموعات أو المؤسسات بأن يقرروا لأنفسهم متى وكيف وإلى أي مدى تُرسل معلومات متعلقة بهم إلى الآخرين".
على مر السنين، سمعنا في كثير من الأحيان حجة ضد الخصوصية عبر الإنترنت مفادها "لماذا علي الاهتمام؟ ليس لدي شيء أخفيه". لكن لا تتعلق الخصوصية بإخفاء المعلومات، بل بحمايتها، وبالتأكيد لديك المعلومات التي ترغب في حمايتها.
هل تغلق الباب عندما تذهب إلى الحمام؟ هل ستعطي معلومات حسابك المصرفي لأي شخص؟ هل تريد جعل كل محفوظات البحث والتصفح علنية؟ بالطبع لا. فالخصوصية حق أساسي ولست بحاجة إلى إثبات ضرورة الحقوق الأساسية لأي شخص.
ويجب أن يكون لديك الحق في حرية التعبير حتى إذا كنت تشعر أنه ليس لديك ما تقوله في الوقت الحالي، ويجب أن يكون لديك الحق في التجمع حتى لو شعرت أنه ليس لديك ما تحتج عليه الآن. يجب أن تكون هذه حقوقاً أساسية تماماً مثل الحق في الخصوصية.
ولسبب وجيه. فكر في السيناريوهات الشائعة التي تكون فيها الخصوصية ضرورية ومرغوبة مثل المحادثات الحميمة والإجراءات الطبية والتصويت. نحن نغير سلوكنا عندما نراقَب، وهو ما يتضح عند التصويت، وبالتالي، يمكن تقديم حجة مفادها أن الخصوصية في التصويت تدعم الديمقراطية. ناهيك عن أن الافتقار إلى الخصوصية يؤدي إلى أضرار جسيمة يرغب الجميع في تجنبها.
أنت بحاجة إلى الخصوصية لتجنب التهديدات الشائعة للأسف مثل سرقة الهوية، والتلاعب بك من خلال الإعلانات، والتمييز العنصري على أساس معلوماتك الشخصية، والمضايقات، والعديد من الأضرار الحقيقية الأخرى التي تنشأ بسبب انتهاك الخصوصية.
بالإضافة إلى ذلك، ما لا يدركه الكثير من الناس هو أنه يمكن تجميع عدة أجزاء صغيرة من بياناتك الشخصية معاً للكشف عن الكثير عنك أكثر مما تعتقد أنه ممكن.
يمكن تجميع عدة أجزاء صغيرة من بياناتك الشخصية معًا للكشف عن الكثير عنك أكثر مما تعتقد أنه ممكن
من المهم أن نتذكر أن الخصوصية لا تتعلق فقط بحماية جزء واحد يبدو غير مهم من البيانات الشخصية، وهو غالباً ما يفكر فيه الناس عندما يقولون، "ليس لدي ما أخفيه". على سبيل المثال، قد يقول البعض إنهم لا يمانعون إذا كانت الشركة تعرف عنوان بريدهم الإلكتروني بينما قد يقول آخرون إنهم لا يهتمون إذا كانت الشركة تعرف مكان التسوق عبر الإنترنت.
ومع ذلك، يتم تجميع هذه الأجزاء الصغيرة من البيانات الشخصية بشكل متزايد بواسطة منصات إعلانية مثل Google و Facebook لتشكيل صورة أكثر اكتمالاً عن هويتك وماذا تفعل وأين تذهب ومع من تقضي الوقت.
أخيراً، فإن تبرير انتهاك الخصوصية بعبارة "ليس لدي ما أخفيه"، يأخذ نظرة قصيرة المدى للخصوصية وجمع البيانات، إذ يمكن استخدام البيانات التي يتم جمعها وإساءة استخدامها، ومشاركتها، وتخزينها إلى الأبد. والأسوأ من ذلك، يمكن دمجها مع نقاط بيانات أخرى غير منطقية بشكل فردي للكشف عن معلومات مهمة للغاية حول فرد ما.
على سبيل المثال، مجرد معرفة أن امرأة ذهبت إلى طبيب أمراض النساء لا تخبرنا كثيراً. ولكن إذا قمنا بدمج هذه المعلومات مع زيارة المحلات التجارية الخاصة بالنساء الحوامل والمواقع الإلكترونية التي تبيع ملابس الأطفال في وقت لاحق، فإننا فجأة نعرف الكثير عنها، وأكثر مما قد تريد الكشف عنه للجمهور.