شاحنات المخدرات... رحلة الكبتاغون من سورية إلى السعودية عبر الأردن
يكشف تحقيق "العربي الجديد" الاستقصائي عن الطريق الثاني لتهريب المخدرات السورية إلى السعودية عبر الأردن المصنف دولياً باعتباره دولة عبور، إذ يجري إخفاء الكبتاغون في الشاحنات وداخل البضائع وحتى أمعاء الحيوانات.
- رصد ضابط الجمارك الأردني المتقاعد عبد السلام نصير، محاولة "غريبة" لتهريب حبوب الكبتاغون خلال عمله في مركز جابر الحدودي والذي بدأ قبل 31 عاما، إذ شهد وهو على رأس عمله على تفتيش حمولة زعتر تنقلها مركبة سورية عبر المعبر الواقع بين بلدتي جابر في إربد شمال الأردن ونصيب السورية في درعا، وعقب التفتيش تبين إخفاء 50 حبة مخدر في كل كيس، "كان من المفترض في حال مرت الحمولة أن يعاد تجميعها في الأردن"، كما يقول نصير: "وعقب ذلك يجري العمل على تهريبها إلى دول الخليج عبر الشاحنات المتجهة إليها مرورا بالمعابر البرية".
و"تعد هذه الحمولة واحدة من محاولات تهريب المخدرات التي تجري بأساليب عديدة لا تتوقف وتتغير باستمرار في محاولة للتحايل على ضباط الجمارك في المعابر البرية السبعة التي تصل الأردن بدول الجوار"، كما يوضح مدير إدارة مكافحة المخدرات سابقا، اللواء المتقاعد طايل المجالي، وهو ما يوثقه تحقيق "العربي الجديد" الذي يتتبع استغلال تجار المخدرات لحركة نقل المسافرين والبضائع عبر المعابر لتهريب المواد المخدرة وعلى رأسها الكبتاغون، والتي تتم في غالبيتها عبر الشاحنات والبرادات الكبيرة، أكثر من المركبات الخاصة أو مركبات نقل المسافرين الصغيرة التي يسهل تفتيش ما تحمله من مقتنيات وأغراض، وفق ما يُجمع عليه سائقون وعاملون في المعابر البرية.
كيف يجري التهريب؟
في تحقيق "المخدرات الطائرة" المنشور في مارس/آذار الماضي كشف "العربي الجديد" عن كيفية استخدام مسيَّرات سورية عابرة للحدود في تهريب المخدرات التي تستهدف الأردن والعراق وبلغ عددها 88 طائرة منذ بداية العام، لكن الأمر لا يتوقف على ذلك إذ تواجه عمان "حربا حقيقية لتهريب المخدرات السورية" كما يصفها الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار، غير أن الجبهة هذه المرة برية كما تكشف إفادة السائق الأردني صايل عبد الحميد، والذي يعمل في مجال النقل البري منذ عام 1982، قائلا "قبل 20 عاما كانت جوانب وأبواب الشاحنات عريضة وسميكة، وعمل تجار المخدرات على فكها ووضع الحبوب داخلها ثم يعاد تركيبها وبالفعل ضبطت مواد مخدرة داخلها، لكن الأنواع الحديثة المنتشرة حاليا، سماكة هيكلها وأبوابها أقل بكثير ولم تعد تصلح للتهريب بذات الطريقة"، ما حدا بالمهربين والسائقين المتواطئين معهم إلى ابتكار طرق أخرى لتمرير المواد المخدرة، إذ ضبطت المخدرات في معبر العمري الذي يربط بين الأردن ودول الخليج داخل الوسادة الخاصة بسائق الشاحنة، كما يقول شاهد العيان صايل، بينما تكشف القضية الجزائية رقم 2021/3712 والتي يوثقها "العربي الجديد" عبر موقع البحث القانوني قسطاس، عن إدانة 4 سائقين أردنيين ضبطوا أثناء محاولة تهريب 94 ألف حبة كبتاغون من الأردن إلى السعودية عبر إخفائها في العجلات الأمامية للشاحنة، وداخل مكابح "درمات البريكات" الإطارات، ما يؤكد محاولات المهربين المستمرة لاستغلال هيكل الشاحنة وأجزائها في عمليات إخفاء الممنوعات.
ضبط 6 ملايين حبة كبتاغون في علب عجينة تمر بمركز جمرك الكرامة
وعبر رصد أجراه "العربي الجديد" لتتبع طرق التهريب وحجم المضبوطات من خلال بيانات الأمن العام ودائرة الجمارك العامة، تبين أن المهربين استخدموا المواد الغذائية وعلب التغليف، والمواسير المعدنية وحتى أكياس الأعشاب كالمتّة والزعتر، بالإضافة إلى دسّ الحبوب المخدرة في "البقلاوة" خلال الفترة بين أعوام 2018 و2022 والذي شهد في 25 ديسمبر/كانون الأول منه، إحباط "أضخم عملية تهريب" لـ 6 ملايين حبة من الكبتاغون، تزن ألف كيلو غرام، كانت مخبأة ضمن شحنة كراتين تحوي عجينة تمر محملة على شاحنتين بلوحات أجنبية، قادمة من الأراضي العراقية"، بحسب بيان دائرة الجمارك العاملة في مركز جمرك الكرامة مع العراق.
ويكشف المجالي بعض وسائل التهريب على المعابر البرية الرسمية التي شهد عليها خلال عمله، منها إخفاء المواد المخدرة داخل حبوب الزيتون وكذلك الفواكه وحتى الملفوف، علاوة على استخدام القرآن الكريم لإخفاء الممنوعات، كما لجأوا إلى تهريبها داخل جسم الإنسان عبر ابتلاعها، مشيرا إلى أن جميع هذه الحالات التي ضبطت في عهده اتخذت الإجراءات القانونية بحقها.
السعودية في مواجهة محاولات التهريب
لم يقتصر الأمر على المواد الغذائية بحسب سائق الشاحنة الأردني معن يوسف، قائلا لـ"العربي الجديد" إنه شهد على استغلال الأغنام في التهريب، عبر وضع حبوب المخدرات في بالونات وإطعامها للأغنام التي تحتاج بين 24 و28 ساعة للإخراج، أي بعد أن تكون الشاحنة عبرت المنفذ البري ووصلت إلى وجهتها، وكان هذا السبب الذي دفع دولا عديدة كالسعودية، إلى اشتراط مبيت شحنات الأغنام القادمة لها عبر الأردن ليومين قبل السماح بمرورها، وذلك بعد أن تنبهت لاستخدامها في تهريب المواد المخدرة، وهو ما عايشه فعليا وفق روايته، إذ كان يضطر أن يبيت ليومين في شاحنته قبل إفراغها إذا كانت حمولته من الأغنام.
معبر جابر أكثر مناطق تهريب المواد المخدرة الآتية من سورية
ويتذكر السائق واقعة ضبط أقراص الكبتاغون داخل حجارة البناء المحملة على شاحنة كانت تهمّ بالخروج من معبر العمري في ديسمبر عام 2018، وهو ما تأكد منه "العربي الجديد" عبر بيان نشر على الصفحة الرسمية للأمن العام على فيسبوك في 25 من الشهر ذاته، بأن عدة أكياس تحوي حبوب الكبتاغون المخدر قد أخفيت داخل حجارة بعد أن تم قص جزء منها لوضع الأكياس، وبإحصاء عددها بلغت 300 ألف حبة.
معبر جابر الأكثر تهريبا
يؤكد الأمن العام في رده على استفسارات "العربي الجديد" أن مركز جابر (نصيب) الحدودي، يشهد أكثر محاولات تهريب المواد المخدرة القادمة من سورية، وأن النسبة الأكبر من السائقين المتورطين في نقل الكبتاغون باتجاه الأردن هي من السوريين.
ويرجع المجالي تزايد تهريب المخدرات من سورية عبر المعبر الرسمي إلى سيطرة الجيش الأردني على طول الحدود التي تفصل البلدين، والتي تشكل منافذا لمهربي المخدرات السورية، ما دفعهم إلى استثمار كل الفرص المتاحة للتهريب عبر المعابر الرسمية، مؤكدا أن أي بلد يغيب عنه الأمن يشكل تحديا للجهات الأمنية في الدول المجاورة.
"وتشهد كافة معابر الأردن البرية تشديدا على الشاحنات ومركبات نقل الركاب بلا استثناء"، وفقا للناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي. بينما يؤكد السائق معن يوسف، الذي تركز عمله منذ عام 2000 على نقل الخضار والفواكه والبضائع الأخرى إلى السعودية بشكل أساسي ودول خليجية أخرى بالإضافة إلى مصر، على أن الشاحنات القادمة من سورية تخضع لتفتيش دقيق وموسع، إذ يعتبر الأردن منطقة عبور هامة لها أثناء طريقها لتفريغ حمولتها في دول الخليج، خاصة في المملكة العربية السعودية من خلال معبرها البري الحديث، والذي بات نقطة العبور الأساسية لمعظم الشاحنات التجارية.
ويرصد السائق أحمد طاهر، الذي يعمل في نقل البضائع منذ 30 عاما إلى دول الخليج والعراق ازدهارا لمحاولات تهريب المخدرات عبر المعابر الأردنية بسبب الأوضاع الأمنية التي تعيشها دول الجوار كالعراق وسورية، والتي أغلقت حدودها في فترات متباينة بينما بقي منفذ العمري مفتوحا باتجاه السعودية ودول الخليج وزاد نشاط تجارة المخدرات من الأردن التي شكلت دولة عبور باتجاه الخليج.
وهو ما يؤكده السرطاوي بأن الأردن تصنفه الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات (تتبع الأمم المتحدة) دولة عبور لا استهلاك للمخدرات، إذ إن جزءا بسيطا على حد قوله، يجري توجيهه للداخل، لكن الكميات الأكبر تذهب إلى دول المحيط.
وبلغ عدد جرائم الاتجار بالمخدرات وحيازتها وتعاطيها في الأردن 20.055 جريمة عام 2020، وسجلت 19.122 جريمة عام 2021، بينما بلغت 18.334 جريمة عام 2022، بحسب تقرير مقارنة الجرائم المرتكبة في المملكة الأردنية الهاشمية خلال الفترة 2018-2022، الصادر عن مديرية الأمن العام.
أما عدد جرائم الاتجار بالمخدرات وحيازتها وتعاطيها من قبل الأجانب في المملكة فوصل إلى 1983 جريمة عام 2021، بينما كانت 1801 عام 2022، بحسب التقرير الإحصائي الجنائي لعام 2022 الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية التابعة للأمن العام.
ويعاقب المتورط بتصدير المواد المخدرة بقصد الاتجار بحسب المادة 19 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لعام 2016 بـ"بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف دينار (14 ألف دولار أميركي) ولا تزيد على عشرين ألف دينار (28.193 دولارا) لكل من أقدم على أي فعل من الأفعال التالية بقصد الاتجار:1- جلب أو أنتج أو صنع أو هرب أو اشترى أو باع أي مادة مخدرة، أو مؤثرات عقلية، أو مستحضر، أو نبتة من النباتات المنتجة لمثل تلك المواد أو المؤثرات أو حاز أو أحرز أو نقل أو خزن مثل تلك المواد والمؤثرات والنباتات أو استوردها أو صدرها أو تعامل أو تداول بها بأي صورة من الصور بما في ذلك تسلمها أو تسليمها أو التوسط في أي عملية من هذه العمليات أو أدخلها إلى إقليم المملكة أو أخرجها منه في غير الحالات المسموح بها بمقتضى التشريعات المعمول بها".
استغفال السائقين لتهريب المخدرات
فوجئ السائق عبد الحميد قبل 5 أعوام بتوقيف صديقه على معبر العمري عقب تفتيش شاحنته المحملة بالفواكه والخضار، واكتشاف مواد مخدرة بينها، ولم يكن السائق على علم بأمر المواد تلك، وكشفت التحقيقات ذلك وأعلنت المحكمة حينها عدم مسؤولية السائق، بحسب رواية عبدالحميد المطلع على مجريات قضية صديقه، قائلا لـ"العربي الجديد" إنه من الممكن استغلال السائق ودس المخدرات في حمولته دون معرفته وموافقته.
ويتطابق ما تحدث به السائق عبد الحميد مع تفاصيل القضية الجزائية رقم 2021/3719 بشأن "مصادرة 683.600 حبة كبتاغون كانت مخبأة بطريقة فنية داخل أحجار بناء محملة على شاحنة تحمل لوحة سورية، ويعمل سائقها في مجال نقل الحجر برا عبر الأراضي الأردنية منذ زمن طويل، وخلال الثلث الأول من عام 2021، قامت مجموعة أشخاص باستغفاله ودسّ الحبوب داخل حمل الحجارة أثناء تواجدها داخل سورية تمهيدا لتصديرها إلى السعودية، مرورا بالأردن دون علم السائق، ولدى وصول المركبة إلى مركز حدود جابر اكتشف كوادر الجمارك أمر الكبتاغون، وألقي القبض على السائق، وبعد التحقيق معه قررت محكمة أمن الدولة عدم مسؤوليته عن التهمة المسندة إليه وثبت لها حسن نيته لانتفاء العلم لديه بوجود المواد المخدرة داخل حمل الحجارة التي تم تحميلها في الشاحنة التي يقودها".
وعثرت كوادر إدارة مكافحة المخدرات العاملة في أحد المعابر الحدودية على 20 ألف حبة مخدرة أُخفيت داخل سرير خشبي في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022. وقال السرطاوي، في بيان أعقب الواقعة، إنه جرى على الفور إلقاء القبض على السائق الذي أنكر قيامه بمحاولة التهريب، وأكّد أن شخصا مجهولا لا يعرفه حضر إليه وطلب منه إرسال السرير الخشبي معه لإحدى دول الجوار، وأنّ هناك من سيقوم بالاتصال به واستلامه ولا يعلم أي تفاصيل عنه. وبعد التحقيق في القضية، تم تحديد هوية المتورط بقضية التهريب ومداهمته وإلقاء القبض عليه وتبرئة السائق الذي تبين أنه خُدع من المهرب.