تجبر سفارات النظام الإريتري المغتربين على دفع 2% من دخلهم السنوي نظير الحصول على خدمات من قبيل استخراج الأوراق الرسمية، وتدعي أن المواطنين يدفعونها طوعا في محاولة للتملص من ضغوط غربية بمنع جمع "ضريبة الشتات".
- يدفع العامل الإريتري في مصنع كندي، عبد الله أحمد، كما طلب تعريف نفسه، 2 بالمائة من دخله السنوي إلى حكومة بلاده، أو ما يعرف بضريبة الشتات التي تفرضها أسمرة على مواطنيها المقيمين في الخارج.
في العام الماضي دفع أحمد مجبراً 713 دولاراً كندياً (524 دولاراً أميركياً) وهو مبلغ كبير أسرته كانت أولى به، إذ يتكفل كغيره من المغتربين بمصاريف شهرية دعماً للأهل والأقارب، سواء الموجودون داخل البلاد أو المقيمون في المنافي مثل السودان ومصر، ما يجعل لكلّ دولار أهمية وقيمة، كما يقول لـ"العربي الجديد".
و"لا يوجد من يدفع تلك الضريبة بصدر رحب" كما تقول زهرة عبد القادر العاملة في القطاع الطبي بأميركا، والتي طلبت مثل أحمد عدم الكشف عن هويتها الحقيقية خوفاً من استهداف عائلتها في البلاد، إذ بلغت قيمة آخر ضريبة دفعتها 1536 دولاراً في العام 2020 قبل التوقف عن العمل، موضحة أن الحكومة تستغل حاجة المواطن إلى تجديد جواز السفر اللازم من أجل الحصول على تصريح العمل والإقامة لإجباره على الدفع.
و"تعود جذور الضريبة إلى مرحلة الكفاح التحرري من الاحتلال الإثيوبي (1961-1991)، إذ كان المهاجرون الإريتريون يدعمون ثورتهم من خلال التبرعات الطوعية في تلك المرحلة، وفهمت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا (الاسم السابق للحزب الحاكم حالياً) جيداً قيمة وحجم هذا المورد المالي، وبعد التحرير مضت في جمع التبرعات من الشعب الإريتري في الخارج بذريعة المساهمة في تنمية البلاد" كما يقول القاضي السابق في المحكمة العليا بإريتريا، عبد الله خيار، المقيم في سويسرا حالياً. وتحول الأمر إلى الإجبار في العام 1991 إذ أصدرت الحكومة المؤقتة الإعلان القانوني رقم 17 والذي فرض على المقيمين في الخارج دفع الضريبة من إجمالي دخلهم سنوياً، بحسب خيار، قائلاً لـ"العربي الجديد": "من الناحية القانونية ما يجري انتهاك وابتزاز واضحان".
مواجهة مع الادعاءات الحكومية
عبر مراجعة موقع السفارة الإريترية في واشنطن، وثق معد التحقيق بيانات استمارة تضمنت دفع "ضريبة الاسترداد وإعادة التأهيل" ضمن متطلبات الحصول على جواز السفر وإجراء توكيل والحصول على خطاب دعم للعودة النهائية إلى الوطن من السفارة وشهادة الحالة الاجتماعية، ويوضح الموقع أن "ضريبة الاسترداد وإعادة التأهيل المعروفة بـ 2 بالمائة مساهمة من الإريتريين الذين يعيشون في الخارج من صافي دخلهم السنوي لإعادة بناء البلاد".
بيد أن تقرير النتائج التفصيلية للجنة الأممية المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان في إريتريا الصادر في الخامس من يونيو/حزيران 2015، يشير إلى أن "ضريبة الشتات"، تفرض على الإريتريين في الخارج من قبل حكومة بلادهم عبر سفاراتها في نظام قسري تنتج عنه إساءة معاملة المواطنين المستضعفين"، بحسب وصف المقرر الأممي الخاص بمراقبة حقوق الإنسان في إريتريا محمد عبد السلام بابكر في تقريره المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان في التاسع من مايو/أيار 2023، مؤكداً أنّ "عدم دفع الإريتريين للضريبة ينتج عنه رفض حصولهم على جميع الوثائق والشهادات والخدمات الأساسية اللازمة لهم ولأسرهم، وبالتالي يحرمون من التمتع بحقوق الإنسان الأساسية".
وترتبط الضريبة بجميع الخدمات التي تقدمها السفارات للمغتربين وحتى التي تقوم بها أجهزة الحكومة في الداخل مثل صكوك نقل الملكية والشراء والبيع، كما أن الحصول على الجواز الإريتري وتجديده وحتى الحصول على تأشيرة للإريتريين حاملي الجنسيات الأخرى مرتبطة بوجود إيصال دفع الضريبة، حسب 10 إفادات وثقها "العربي الجديد" ومن بينهم عبد الكريم عمر (اسم مستعار لمخاوف أمنية) المقيم في السعودية، والذي يروي جانباً من معاناته مع هذه الضريبة في السعودية، قائلا إنه كان يريد في عام 2022 عمل توكيل لوالده لشراء قطعة أرض في إريتريا، فذهب إلى السفارة الإريترية في الرياض وملأ الاستمارة وسجل الراتب المذكور في الضمان الاجتماعي، بعدها "فوجئت بضريبة تساوي ضعف الرقم الذي توقعته، وحين قلت للموظفة إن الرقم يفترض أن يكون أقل من هذا بالنظر إلى راتبي كما هو مسجل في الأوراق المرفقة، أجابتني أن المسؤول قدر هذا الرقم بناء على أن من يعملون في هذه المهنة يتلقون رواتب أعلى من الذي ذكرته. وحين رجوتهم إعادة النظر في التقدير أكدت لي أن هذا الرقم نهائي ولا يمكن مراجعة الموظف المسؤول فيه".
"ولكننا مجبرون على الدفع لعدم الحرمان من الخدمات القنصلية"، كما يقول لـ"العربي الجديد" أحمد ناصر (اسم مستعار لمخاوف أمنية على عائلته في إريتريا)، الموظف السابق في وزارة الخارجية والمقيم حالياً في بريطانيا.
من دون دفع ضريبة الشتات يُحرم المغتربون من خدمات السفارات
ويشير موقع السفارة الإريترية في لندن إلى أن الضريبة طوعية، والسبب كما يوضح الناشط السياسي المقيم في بريطانيا ردئي عبيو، ضغوط تمارسها حكومة المملكة المتحدة على السفارة الإريترية لمنع تحصيل الضريبة، لكنه يقول لـ"العربي الجديد": "واقعياً ما زال الإريتريون مجبرين على دفعها عند حاجتهم إلى الخدمات القنصلية، إذ يتم تحصيلها حالياً بطرق غير مباشرة خارج مبنى السفارة (يلتقي المواطن مع الموظف الذي يخبره بالرقم المطلوب ويتم الدفع في إريتريا وتسليم الوثيقة المطلوبة لأهل طالب الخدمة)".
و"يتعين على المواطنين الذين يعيشون في المملكة المتحدة والراغبين في دفع هذه الضريبة أن يقوموا بالأمر في البلاد، لأن السفارة لا تقبل الاستلام"، وفق موقع السفارة الإريترية في لندن.
ابتزاز المغتربين بمختلف فئاتهم حتى العاطلون
يصنف دافعو ضريبة الشتات في موقع سفارة إريتريا بواشنطن إلى أربع فئات: العاملون لحسابهم الخاص، وغير العاملين، والموظفون بأجر، والمتقاعدون. ويُطالَب غير العاملين بتقديم مستندات تتضمن: بيان الضمان الاجتماعي، وسجل الأرباح، وكشف علامات المدرسة، وبيان الإعاقة أو بيان المنفعة (Benefit statement) أما الطلاب بدوام كامل، فهم مطالبون بتقديم الوثائق التي تثبت وضعهم الدراسي والحصول سنوياً على التصريح المتعلق بالضريبة.
ويناط بالقسم القنصلي أو المسؤول المالي في سفارات إريتريا تحصيل هذه الضريبة المفروضة على العاملين في الخارج "وحتى الذين يعيشون على مساعدة الدولة المضيفة (social support) في أوروبا وأميركا وأستراليا مطالبون بالدفع، وفق إفادة الموظف السابق في وزارة الخارجية، أحمد ناصر، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أن نسبة ضريبة الشتات وصلت إلى 31 بالمائة من ميزانية الدولة الإريترية حتى عام 1999.
وفي العام 2005 قدرت الضريبة المفروضة على الشتات الإريتري بحوالي 5 ملايين و900 ألف دولار أميركي، وفق تقرير "رسم خرائط مشاركة المغتربين الإريتريين" الصادر في سبتمبر/أيلول 2020 عن EUDiF (مشروع تموله إدارة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن سياسة التنمية الدولية DG INTPA)، موضحاً أنّ عدد المهاجرين الإريتريين في الخارج بلغ في ذلك الوقت 750 ألفاً، من بينهم 209 آلاف في دول الاتحاد الأوروبي.
وبحسب مسؤول الشؤون السياسية والقنصلية السابق في السفارة الإريترية بالرياض (2004-2012) فتحي عثمان، المقيم في باريس حالياً، فإن آخر إحصاء للجالية الإريترية في السعودية أثناء عمله في القنصلية كان عام 2009 وقدر العدد بـ 300 ألف مغترب، يدفع 98 بالمائة منهم ضريبة الشتات، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن مجمل دخل القنصلية ربع السنوي من الضريبة والخدمات خلال ذات العام بلغ ثلاثة ملايين ريال سعودي (800 ألف دولار أميركي)، ويتابع: "عندما تسير الأمور بنفس تلك الوتيرة، يتراوح المبلغ سنويا بين 3 و4 ملايين دولار".
و"تحصل إريتريا على العملات الصعبة عبر ضريبة الـ 2 بالمائة المفروضة على أرباح العمال الإريتريين في الخارج وعائدات التهريب والاتجار بالبشر وتشكل تلك الموارد 14.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي منذ 2011، وبلغت حدود 10.1 بالمائة في العام 2020 مقابل 12.1 بالمائة في العام 2019"، بحسب تقرير "إريتريا: المؤشرات والوضع" المنشور على موقع الوكالة المعنية بالتنمية الدولية للشركات وتعزيز جاذبية فرنسا الاقتصادية في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020.
مخالفة القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية
يؤكد الناشط الحقوقي زكي رباط، المقيم في كندا، والمشرف على صفحة الدفاع عن حقوق الإنسان في إريتريا على "فيسبوك" أن القنصلية في تورنتو لجأت إلى استنساخ الأسلوب الجاري في بريطانيا تجنباً لأي توثيق يثبت تورطها في جمع أموال المقيمين والذين اعترضوا على دفع ضريبة الشتات التي تدعم خزينة الأجهزة الأمنية التي تضطهد المواطنين.
تجمع السلطات الإريترية العملات الصعبة عبر ضريبة الشتات
ولجأ المقيمون في كندا إلى احتجاجات ومطالبة السلطات بوضع حد لذلك، وبالفعل طردت أوتاوا القنصل الإريتري العام في عام 2013، وفق رباط، موضحا أن أهم الأدوات التي سلكها المحتجون في هذا الإطار تمثلت في جمع الأدلة على انتهاكات عناصر البعثة الدبلوماسية في جريمة جمع أموال بطرق غير قانونية، مثل تسجيل اتصال بدبلوماسي في السفارة يهددهم بمنعهم أو ذويهم من الخدمات القنصلية إذا لم يستجيبوا لدفع الضرائب وهو ما تكرر في السويد. ورحب المقرر الأممي بابكر، بـ"الجهود التي بذلتها عدة دول أوروبية لحماية الإريتريين من إكراه البعثات الدبلوماسية الإريترية لمواطنيهم على دفع الضريبة"، ويشجع "البلدان المضيفة على اتخاذ تدابير لحمايتهم ضد هذه الممارسة"، وفق ما جاء في تقريره المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان.
ويؤكد القاضي خيار أن هذه الدول ترفض جمع الضريبة على أراضيها باعتبارها انتهاكاً لحقوق الإنسان الإريتري وفق التقارير الدولية، كما أن استمرار الممثليات الإريترية في تحصيلها رغم رفض الدول المضيفة يخالف القانون الدولي واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، إذ لا يجوز بموجب الفقرة الأولى من المادة 55 التدخل في شؤون الدول المضيفة وأنظمتها، وهو ما يعني وجوب احترام جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات لقوانين الدولة المضيفة، وبالتالي حين تطالب دولة الحكومةُ الإريترية بعدم جمع الضريبة على أراضيها كما جرى في بريطانيا وكندا لا بد من التوقف عن الأمر بخاصة أن القانون الإريتري بحسب المادة 227 من قانون العقوبات لسنة 2015، ينص على أن العقوبة المترتبة على رفض شخص ما دفع الضرائب مع قدرته على أدائها، هي السجن أو الغرامة المتدرجين وفق قيمة الضريبة المتهرَب من دفعها (تبدأ مدة السجن من شهر حتى 13 سنة)، ممن يحتاجون إلى أوراق قانونية تطلبها منهم الإدارات التي يتعاملون معها وليس هناك ما يتعلق بالحرمان من الخدمات الحكومية بخاصة للمقيمين في تلك الدول.