يصف ضابط الشرطة السابق فرانك كوروللي تعامله مع المتشبة بهم من السود بـ"العنيف"، إذ كان يستخدم أدوات الحماية، مثل الباتون (عصا مصنوعة من الصلب)، للسيطرة عليهم، كما استخدم المسدس الصاعق والسلاح الناري في كثير من مداهماته، خصوصا في حي ساوث إيست، جنوب شرقي العاصمة الأميركية، معيدا الأمر إلى خضوعه لتدريب في شركة بلاك ووتر الأمنية العسكرية الخاصة، والتي سبق أن عمل ضمن مقاتليها في العراق وأفغانستان، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد"، مستدركا بأنه لم يتورط في أي حادثة قتل.
لكن ضباطاً آخرين أسفر تعاملهم العنيف عن قتل 721 مدنيا، من بينهم 142 من السود، منذ بداية العام وحتى 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، بينما قُتل 1004 أشخاص في عام 2019، فيما كان عدد القتلى 996 في عام 2018، وفق إحصاء موقع statista المتخصص في البيانات، والذي لفت إلى أن معدل عمليات إطلاق النار المميتة على أيدي الشرطة على الأميركيين السود أعلى بكثير من أي عرق آخر، إذ بلغت 32 لكل مليون من السكان حتى سبتمبر الماضي.
وبلغت نسبة القتلى السود 28% من إجمالي من أنهت الشرطة حياتهم في عام 2020 على الرغم من كونهم 13% فقط من السكان، وفقاً لمسح mappingpoliceviolence، خريطة مراقبة العنف الشرطي، الذي أجرته حركة "نحن المتظاهرون" المناهضة للعنصرية، والذي يجمع البيانات عبر مصادر FatalEncounters.org، وقاعدة بيانات الشرطة الأميركية، وهو ما يراه الفيلسوف الأميركي والأستاذ في جامعة أريزونا، نعوم تشومسكي، ظاهرة خطيرة تكشف عن خلل عميق ومنهجي في طرق تدريب الضباط، والتي تتسم بكونها تجرى لفترات غير كافيه، مضيفا أنه بدلا من حفظ حقوق الموقوف قانونيا ودستوريا ومنع وقوع أي نوع من الحوادث التي تهدد حياة الشرطة والموقوفين، يحدث العكس تماما، خاصة للأقليات وعلى رأسهم السود.
تاريخ استهداف السود
منذ أكثر من 150 عاما والشرطة الأميركية تقتل المشتبه بهم من السود، إذ كانت دورياتها تعمل على وقف هروب العبيد من الجنوب ممن يحاولون الهجرة إلى مدن الشمال الأميركي، بحسب إفادة الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية چون كرياكو، الذي سبق له أن عمل على قضايا تعذيب حقق فيها مجلس الشيوخ.
ولم يتغير الوضع كثيراً في معظم الولايات، إذ تقتل الشرطة المئات من المشتبه بهم كل عام، كما يقول كرياكو، مستدركا بأن هذا يحدث على الرغم من تأسيس المعاهد المتخصصة في العلوم الشرطية ووضع المناهج العلمية للتدريب والارتقاء بأداء أفراد الأمن، إلا أن ذلك لم يمنع التصرفات العنيفة ضد العديد من المشتبه بهم، عبر تجاوز التكتيك الشائع بالتغلب علي اعتراضات المشتبه به ثم تشتيت انتباهه حتي يفقد تركيزه من أجل السيطرة عليه.
وفي حال قاوم المشتبه به، فإن الشرطي لديه الحق في استعمال كافه الأدوات التي يحملها بما فيها سلاحه الناري، ويصعب مقاضاته مدنيا لأنه يتمتع بما يسمى بالحصانة المؤهلة Qualified Immunity، ما أدى إلى زيادة ردود فعل الشرطة الأميركية ضد الأقليات، وهو ما يعيده كرياكو إلى خلل في تدريب العديد من ضباط الشرطة، مشيرا إلى إرسال العديد منهم إلى إسرائيل للتدريب ضمن ما يعرف بوحدة "Special Weapons And Tactics S.W.A.T"، بالإضافة إلى برامج تدريبية تابعة لوزارة الدفاع تدفع باتجاه عسكرة الشرطة، مثل LESO 1033، الذي يسمح بنقل المعدات والأسلحة والمركبات التكتيكية الزائدة عن احتياجات البنتاغون إلى الشرطة وتدريب أفرادها عليها رغم كونهم يتعاملون مع مدنيين، وتابع: "العديد من قطاعات الشرطة في المدن الأميركية الصغيرة تستعين بشركات خاصه يملكها ضباط مخابرات أو مباحث سابقون لتدريب أفراد الشرطة"، ومن بين هؤلاء المحامي والضابط السابق في شرطة واشنطن ماثيو أوستين، الذي يدير مع عدد من ضباط الشرطة والعسكريين السابقين والأطباء النفسيين معهدا خاصا في مدينه كولبيبر بولاية فرجينيا لتدريب رجال الشرطة والحراس الشخصيين.
تكتيكات إسرائيلية ساهمت في تفاقم عنف الشرطة الأميركية
استقال أوستين قبل 15 عاما، بعدما رفض ممارسات وانتهاكات شاهدها، مثل تعمد ضباط توقيف سائقي التاكسي وتحرير مخالفات تعسفية بحق العديدين منهم من ذوي البشرة السوداء، بسبب طلب رؤسائهم في العمل تحرير عدد معين من المخالفات شهريا، قائلا: "يسود انطباع بين هؤلاء الضباط بأن سائقي التاكسي، والكثيرون منهم من الأجانب، لا يسددون ضرائب ويعيشون على الإعانات الحكومية، كما فوجئت باستيلاء البعض على أموال الموقوفين أثناء تفتيشهم".
سهولة الالتحاق بالشرطة
أثناء عمله، رصد العمدة الأسبق لمدينه الإسكندرية بولاية فيرجينيا، وعضو الكونغرس السابق جيم موران، أن الكثير من عناصر الشرطة غير مناسبين للعمل بسبب سهولة شروط الالتحاق بقطاع الأمن، ومنها أن يكون المتقدم عمره 18عاماً ولديه شهادة الثانوية ويحمل الجنسية الأميركية وليس لديه سابقة جنائية أو مدمن مخدرات، منتقدا طرق التدريب التي تركز على أن يكون المتهم تحت تهديد الشرطة وفِي حالة خوف من رجل الأمن.
وتتطور حالات العنف التي يمارسها رجال الشرطة، كما يوضح موران، مشيرا إلى حادثة صعق ضابط شرطة لرجل أسود نقل على أثرها إلى مستشفى في بلدية فيرفاكس بولاية فيرجينيا، في يونيو/ حزيران الماضي، بعد اعتراضه على مخالفة مرورية حررها له الضابط، والذي يُتهم لثالث مرة باستعمال العنف غير المبرر ضد المواطنين السود، وهي ممارسات مستمرة منذ عقود، وفق ما أكدته دراسة للدكتور چون لامبرث، من جامعة نيو جيرسي، لإثبات حالات التمييز بعنوان "القيادة إذا كنت أسود Driving while black.
وأشارت الدراسة الصادرة في عام 1996، إلى أن ضباط شرطة على الطريق السريع المسمى New Jersey Turnpike طلبوا من سائقين بيض وسود القيام بالمخالفات المرورية نفسها، ليجدوا أن الشرطة أوقفت 42% من السائقين السود لارتكابهم مخالفة نظرائهم البيض نفسها مع أن نسبتهم لا تزيد عن 13%.
ما علاقة عنف الشرطة بالمستوى التعليمي؟
تتطابق المتطلبات العامة في طرق تدريب أفراد الشرطة، سواء نظريا أو بدنيا، وتكاد تكون موحدة في جميع أنحاء أميركا، إذ تركز على المحافظة على الحريات المدنية والحقوق الدستورية، وفق ما أوضح البروفيسور عارف الخطار، أستاذ العدالة الجنائية وعلم الجريمة بجامعة كاليفورنيا، موضحا أن الضباط الذين يخضعون لإمرة حاكم الولاية لا بد أن يحصلوا على شهادة من معهد أكاديمي بدراسة 60 ساعة على الاقل، في حين أن الضباط الذين يتبعون عمدة المدينة لديهم شهادة الثانوية أو شهادات محو الأمية.
مستوى ضابط الشرطة التعليمي وخبرته يؤثران على ممارسته للعنف
وترتبط المستويات المختلفة من التعليم والخبرة لدى ضباط الشرطة بعلاقة عكسية مع استخدام القوة ضد المواطنين، إذ إن عمليات التوقيف والمواجهات التي يشارك فيها الضباط ذوو التعليم الجامعي يستخدم فيها عنف لفظي أقل بكثير مقارنة بالمواجهات التي يشارك فيها ضباط حصلوا على تعليم ثانوي. والمواجهات التي يشارك فيها ضباط لديهم 4 سنوات خبرة يقل فيها العنف البدني بشكل ملحوظ، والمواجهات التي يشارك فيها ضباط ذوو خبرة أكبر يسجل فيها عنف لفظي وبدني أقل، بحسب ما كشفته دراسة "تأثير التعليم والخبرة على مستوى استخدام القوة من قبل الشرطة"، الصادرة عام 2017، للبروفيسور إيوجين بولين، من جامعة سنترال فلوريدا.
"الحصانة المؤهلة" تنتهك حقوق الإنسان
يستغل رجال الشرطة المبدأ القانوني المعروف بالحصانة المؤهلة والذي يحمي الموظفين العموميين المتهمين بسوء السلوك من الدعاوى المدنية إذا ارتكبوا مخالفات أثناء عملهم، بحسب قانون 1974 المسمى Law Enforcement Bill of Rights، بحسب ما يؤكده الضابط السابق في شرطة العاصمة أوستين. ولعقود من الزمن، مكنت الحصانة المؤهلة موظفين حكوميين سواء كانوا من محصلي الضرائب، أو ضباط شرطة من انتهاك حقوق الناس دون عقوبات تذكر، كما توضح دراسة لمؤسسة باسيفك ليجل فاونديشن Pacific legal foundation (تدافع عن الحريات الفردية والاقتصادية)، صدرت في يونيو/ حزيران الماضي.
وتعني الحصانة المؤهلة أن ضحايا الانتهاكات أو المضايقة من قبل سلطات إنفاذ القانون لا يحصلون بشكل عام على أي مساعدة في المحكمة وليست لديهم القدرة على محاسبة الضباط المخالفين على أفعالهم. وقدمت عدة أطراف التماسات إلى المحكمة العليا لإلغاء الحصانة، ومن بينها دعوى قضت المحكمة فيها في يونيو الماضي برفض الحد من حصانة الشرطة، وقالت المحكمة العليا إنها حددت في العقود الأخيرة معايير لمتابعة الدعاوى القضائية بشأن سوء السلوك الرسمي للموظف العمومي، وبالتالي يجب أن ينتهك سلوك الضباط القوانين "المحددة بوضوح" أو الحقوق الدستورية، وقد وجدت المحاكم أن ذلك نادراً ما يحدث. ونظر القضاة في أكثر من اثني عشر التماسا، تتعلق باستدعاء المسؤولين العموميين للحصانة المؤهلة، ومن بينها قضية تتعلق برجل أسود استسلم للشرطة ثم عضه كلب بوليسي، لكن جرى رفضها.
ويستلزم توجيه التهمه لضابط الشرطة توفر 3 أركان للجريمة: النية، ثم الفعل، ووجود ترابط بين الاثنين، وهذا شبه مستحيل في معظم الأحيان إذا كان القاتل شرطيا والجريمة حدثت أثناء تأدية عمله. لذلك لا يتم توجيه تهمة القتل من الدرجة الأولى لضباط الشرطة، بحسب البروفيسور الخطار، الذي لفت إلى أن مادتي الأخلاق والثقافة يفترض تدريسهما ضمن مناهج تدريب الشرطة، لكن للأسف لا تركز كل دوائر الشرطة عليهما.