استمع إلى الملخص
- **مقارنة بين أداء المقاومة في غزة وحزب الله**: نجحت المقاومة في غزة في التصدي للاختراقات الإسرائيلية بفضل الاستنفار الدائم، بينما فشل حزب الله في لبنان في تجنب الهجمات التقنية، مما يعكس تباين إدارة منظومة القيادة والسيطرة.
- **التبعية التقنية وأهمية التصنيع العسكري العربي**: تسلط الحوادث في لبنان الضوء على خطر التبعية التقنية للدول العربية، مما يجعلها عرضة للاختراق. نبه المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة إلى أهمية التعاون العربي في التصنيع العسكري للحفاظ على الأمن القومي.
يعرف العسكريون الكمين بأنه هجوم خاطف على الهدف، وهو ما ينطبق على توصيف ضربات دولة الاحتلال التي استهدفت لبنان أول من أمس الثلاثاء، أو ما بات يعرف بتفجيرات البيجر نسبة إلى جهاز الاتصال المنفجر الذي قتل مدنيين، من بينهم طفلة في العاشرة من عمرها، ومسعفين بذريعة استهداف منتسبين لحزب الله، وسرعان ما تكرر الأمر بعد 24 ساعة، ولكن عبر تفجير أجهزة اتصال لاسلكية من نوع ووكي توكي أيكوم.
في المرتين يبدو أن الحزب فوجئ بما جرى، غير أن الكمين الأول وإن كان مباغتاً، لكن الثاني كان يفترض ألا يقع بداهة، بالإسراع في تحييد كافة الأجهزة الإلكترونية التي اشتراها التنظيم بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أي انطلاق أعمال مشاغلته للعدو على الجبهة الشمالية، خاصة مع توالي إعلانات قادة الاحتلال (رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان) عن نقل الثقل العسكري إلى شمال فلسطين المحتلة أملاً في إعادة مستوطنيهم، وبعدما أطلقت إسرائيل النمط الأول من تلك الهجمات التي يمكن وصفها بـ"الكمين التقني"، قياساً على سيناريوهين: الأول رأى ما وقع اختراقاً سيبرانياً فجّر البطارية لكن سرعان ما تراجع، وبدأ الحديث عن الثاني: والبحث عن تفاصيل تلاعب بسلاسل التوريد الخاصة بالحزب، أي بالأجهزة نفسها، وزرع غرامات من مواد شديدة الانفجار داخل طراز بيجر إيه آر 924 المستورد عبر شركة BAC، التي يقع مقرها في بودابست عاصمة المجر، وهي واحدة من بين المناطق التي تنشط بها أجهزة الاحتلال الاستخباراتية في أوروبا الشرقية.
أياً كانت الطريقة التي انفجرت بها الأجهزة، بالتأكيد الإعداد لمثل تلك العملية ليس وليد اللحظة، والأهم دلالتها وكونها اختراقاً كبيراً للحزب الذي فقد فؤاد شكر، كبير المستشارين العسكريين للأمين العام، قبل ذلك في حادث مشابه وقع في 30 يوليو/تموز الماضي. وقتها توعد حزب الله برد "قوي"، لكن ما قام به في أغسطس/آب الماضي من إطلاق لعدد كبير من المسيّرات وأكثر من 320 صاروخ كاتيوشا، لم يردع دولة الاحتلال، بالتأكيد، عن مزيد من الإيغال في دماء اللبنانيين. هنا حكماً وقبل أي رد فعل جديد، يفترض أن تجيب تحقيقات الحزب الداخلية عن كيفية معرفة الاحتلال بصفقة أجهزة البيجر واللاسلكي، وأين وقع الاختراق وكيف ومن المسؤول؟ وقبل ذلك كيف وقع التفجير بالضبط؟ ومدى وإمكانية تجنب وقوعه؟
على المقلب الآخر ثمة مقارنة بين أداء المقاومة في غزة والحزب، وتحديداً في ملف مواجهة الاختراقات وإدارة منظومة القيادة والسيطرة والاتصال، إذ فشلت دولة الاحتلال في اختراق المقاومة وتحقيق هدفها الأكبر بالتوصل إلى أماكن المحتجزين لدى "حماس"، رغم تنفيذها طلعات جوية على مدار الساعة بالتعاون مع أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا لجمع المعلومات الاستخبارية ومراقبة الاتصالات، أي التجسس على المقاومة، ولم تفلح في التسلل إلى منظومة اتصالاتها أو أجهزتها، وهي بالمناسبة سبق أن حاولت في أكثر من مرة قبل الحرب الدائرة زرع أجهزة تنصت في القطاع، وتم كشفها وعرض ما تمت مصادرته في مؤتمرات صحافية، وربما يعود هذا إلى حالة الاستنفار التي تعيشها المقاومة الغزية في ظل حصار خانق، استدعى انتباهها الشديد واستنفارها الدائم على عكس الوضع في لبنان الذي تمدد حزب الله فيه، ولم يعد لديه ما يخشاه.
في تفسير الحادثتين اللبنانيتين، يمكن الربط بينهما وواقعة الصاروخ الذي قال الحوثيون، قبل أيام، إنهم أطلقوه من اليمن واخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وأقرت شرطة الاحتلال بسقوطه في كفار دانيال بمنطقة قريبة من مطار بن غوريون، وتسببه في حرائق بمناطق حرجية وأضرار مادية في محطة رئيسية للقطار قرب مستوطنة موديعين، وقبله كانت حادثة المسيّرة التي أطلقها الحوثيون كذلك واستهدفت تل أبيب، ما يضرب ركنين أساسيين من العقيدة الأمنية الإسرائيلية القائمة على الردع، والإنذار المُبكِّر، ومعهما النصر الحاسم، والذي لم يتحقق إلى اليوم في غزة، لذا يبحث الاحتلال عن ترميم صورته أمام مواطنيه الطارئين مهما بقوا في الأرض المحتلة، خاصة أن بعضهم غادر بالفعل عقب السابع من أكتوبر، إضافة إلى قادة المنطقة الذين باعهم وهم أنه لا يقهر، وبالتأكيد يستثير الأداء الحالي شكوكهم وهواجسهم حول ثمن وتكلفة التحالف مع نتنياهو وجيشه المستنزف يومياً.
ما يثير الأسى أنه في ظل هذه المواجهة ودمائنا السائلة يومياً على يد الاحتلال، سرت حالة من السخرية والشماتة على مواقع التواصل، بعضها من حسابات حقيقية معروفة، ويأتي رد فعلها في سياق آثار مشاركة حزب الله في إجهاض الثورة السورية، وارتكاب جرائم حرب خسر بسببها صورته، بينما الحسابات الأخرى يتضح من تاريخ إنشائها وطبيعتها أنها موجهة لوضع المزيد من الملح على الجرح، وتعميق حالة الشقاق والانقسام الأفقي والرأسي بين الشعوب العربية، التي يفترض أن تتوحد ضد الاحتلال وتتراجع خلافاتها ولو حتى تكتيكياً، لأنهم جميعاً في نظر الإسرائيلي يستحقون النهب والقتل وهو ما قام ويقوم به يومياً، وواجب الوقت أن يتداعى علماء السياسة والاجتماع والنفس وعقلاء الأمة، لإيجاد حل يوقف ما يجري توحيداً للجهود في المعركة مع المحتل.
ما وقع في لبنان، أسبابه وآثاره لن تبقى هناك، وتعد بمثابة جرس إنذار من "التبعية التقنية" التي تعيشها كل الدول العربية، المعتمدة على استيراد البنية التكنولوجية لمنظومات القيادة والسيطرة والاتصال، وهذا خطر عظيم فهي إن لم تنفجر يمكن تعطيلها واختراقها من المصدر، أو من يتسلل إليه، وهو أمر سبق أن نبه إليه المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة أحد أبطال حرب أكتوبر، ووزير الدفاع المصري بعد ذلك، وخلال الفترة التي قضاها في منصبه (1981 – 1989) لفت في أكثر من حديث تلفزيوني إلى أهمية تعاون الدول العربية في التصنيع العسكري والتكامل الصناعي حفاظا على الأمن القومي العربي.
بالتوازي مع ذلك يجب التحذير من حالة التخلف التي تعيشها الدول العربية والإسلامية في مجال الأمن السيبراني، رغم أهميته وتأثيره المتعاظم على حياة الناس، حتى إن الهجمات المتبادلة بين الجيوش السيبرانية لأميركا والصين وإيران وإسرائيل، استهدفت وعطلت شبكات الكهرباء والماء وحتى مضخات البنزين، ناهيك طبعاً عن تأخير البرنامج النووي الإيراني بعد تعطيل آلاف من من أجهزة الطرد المركزي، وهو أمر انتبه له رائد الطائرات المسيّرة التركية، سلجوق بيرقدار، قائلاً في لقاء مصور: "إنهم يخترقون الساعات والهواتف. وجود نظامنا الخاص أمر مهم للغاية لسيادتنا. وسوف نقوم ببنائه".