انتظرت الأربعينية العراقية سكينة الدليمي 22 شهرا، من أجل الحصول على موعد للمّ شملها و4 من أطفالها مع زوجها وابنها الأكبر اللذين حصلا على الإقامة الدائمة في السويد في سبتمبر/أيلول من عام 2015، غير أن تعرض العائلة لمحاولة ابتزاز مالي في مقابل تقديم دور الأسرة في المقابلة "الإنترفيو" مع موظفي مصلحة الهجرة في السفارة السويدية في عمان كان أكثر ما آلمها كما تقول، إذ شعرت بالعجز والخوف من الإبلاغ عن المتصل الذي طلب منها مبلغ 5 آلاف دينار أردني (توازي 7000 دولار)، نظرا لأنه بدا عارفا بتفاصيل ملف الأسرة، ما دفعها إلى طلب نصيحة من صديقة تعمل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، والتي دعتها إلى الامتناع عن التجاوب تماما حتى لا تؤثر على ملفها وتورط عائلتها التي قد تفقد فرصتها في لمّ الشمل.
وبالفعل انتهت أمور سكينة بشكل "نظامي بعد أن ملّ المتصلون، الذين بدا أنهم يعرفون أن دورهم في المقابلة اقترب، وحصلت على الموافقة لتجتمع الأسرة في بداية عام 2017، في ضواحي غوتيبورغ جنوب غربي السويد، مشيرة إلى أنه جرى الاستماع لأقوالها من قبل السلطات المعنية "التي حققت بشكل دقيق في عمليات شبيهة"، من بينها حالة لبنى موسى وولديها نادر ونوار وزوجها نجوان دشلي، الذي وصل تهريبا إلى السويد في عام 2015. إذ تلقت الأسرة اتصالا في سبتمبر/أيلول 2016، من متصلة ادعت قدرتها على تقديم طلب لم شمل الأسرة التي حصل عائلها على الإقامة الدائمة، خاصة أن الموعد الذي حصلت عليه الأسرة، كان في إبريل/نيسان من عام 2017، أي بعد أشهر على إتمام الابن الأكبر، نادر الـ 18 عاما، ما يفقده حق لمّ الشمل".
وطلبت المتصلة من الأسرة 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار) تحت بند "رسوم تسهيلات"، غير أن لبنى استمعت إلى نصيحة زوجها وقررت عدم المغامرة بتدبير هذا المبلغ الذي لا تمتلكه العائلة أصلا، فيما خشيت الإبلاغ عن تلك المساومات حتى لا يؤثر الأمر على ملف لم شمل العائلة، حتى تم الأمر بشكل نظامي، عبر تدخل السفارة وإلغائها للموعد القديم وتحديد آخر منتصف ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، قبل أسابيع من عيد ميلاد ابنها نادر، بعد محاولات عدة من لبني وصديق للعائلة.
ابتزاز طالبي لم الشمل
تعد محاولات ابتزاز منتظري طلبات لمّ الشمل، تطورا لقيام حاجزي طلبات لم شمل ببيع مواعيد إلى آخرين يريدون مواعيد أقرب خلال العام الماضي، بحسب ما كشفه سفير السويد في الأردن إريك أولنهاغ، قائلا في تصريحات صحافية لإذاعة السويد "لا يجب أن تتاح إمكانية شراء موعد مبكر في طابور انتظار المقابلات. محاولة جني أرباح مادية على حساب من يعانون من أوضاع صعبة أمر غير مقبول. سنحقق بالأمر ولا يجب لهذه الأمور غير القانونية أن تحدث".
وخصصت وزارة الخارجية السويدية 5 سفارات تعالج طلبات لمّ الشمل في كل من السعودية الإمارات، مصر، تركيا والأردن والتي يحتاج السوريون إلى تأشيرة لدخولها، في حين أن دول مثل ماليزيا والسودان، لا يحتاج السوريون إلى تأشيرة لدخولها، لكن السفارات السويدية في تلك الدول غير مخولة لإجراء مقابلات لم الشمل بالنسبة للسوريين وفقا للموقع الإلكتروني للإذاعة السويدية.
وتراجعت أعداد اللاجئين الذين وصل عددهم في السويد إلى 162.877 لاجئ في عام 2015 بحسب كيفن مارهوم مدير مصلحة الهجرة في مقاطعة يافلبورغ التي يوجد بها أكبر مراكز إيواء للاجئين في السويد، إلى 28.939 في عام 2016، وفقا لإحصاء موثق عبر موقع وكالة الهجرة السويدية.
وتتراوح مدة انتظار مقابلات لمّ الشمل، ما بين عام وعامين وفق ما أكده لاجئون سوريون في السويد لـ"العربي الجديد"، وهو ما دعا 500 منهم إلى تقديم رسالة احتجاج للبرلمان السويدي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، مطالبين فيها السياسيين بمساعدتهم على لمّ شمل عوائلهم العالقين في الحرب في سورية.
لماذا تطول فترات انتظار لمّ الشمل؟
يرجع طول فترات انتظار مقدمي طلبات لمّ الشمل، إلى إعطاء مصلحة الهجرة السويدية أولوية البت لطلبات اللجوء التي تصل إلى 70 ألف معاملة، نظرا لأن مقدميها يكلفون السويد الكثير من المال خلال فترة الانتظار، على العكس من معاملات لمّ الشمل، بحسب ما أوضحه أنديش سوندكفيس، المستشار القانوني لدى مكتب استشارة اللاجئين في تصريحات صحافية.
ويوجد موظفون من مصلحة الهجرة ومترجمون في سفارات السويد لتلقي طلبات لمّ الشمل والهجرة وإجراء مقابلات والتحقق من المعلومات والوثائق وإرسال الانطباعات وكامل المعلومات إلى استوكهولم حيث يتخذ القرار، بحسب ما قالته مسؤولة المكتب الإعلامي للمصلحة، هيلينا شو غوركي لـ"العربي الجديد" نافية بشكل قاطع وجود ما يسمى رسوم تسهيل معاملة، مردفة "لا يتم أخذ مبالغ من أي كان تتعلق بخدمات من هذا النوع".
وتمت إعادة توطين 600 لاجئ سوري في السويد، عبر برنامج إعادة التوطين التابع لمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عمّان، من بينهم 200 جرى إعادة توطينهم في منذ بداية عام 2017 وحتى أغسطس/آب الماضي.
وأكد مسؤول في المكتب في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن دور المفوضية ينحصر برفع ملفات اللاجئين إلى منظمة الهجرة الدولية التي تقوم بدورها بعرض الملفات على الدول التي تمتلك برامج إعادة توطين".
ولفت إلى أن التعامل مع ملفات لمّ الشمل، يجري من خلال معاملات يقدمها اللاجئون إلى مؤسسات الدولة التي أعيد توطينهم فيها، ليصار للنظر فيها حسب قوانين تلك الدول.
تحقيق مفتوح
تعزز حالة عائلة اللاجئ السوري محمد عطوة القادم من ريف حمص الشرقي، ما أثير عن ظاهرة خلق سوق سوداء لعائلات الحاصلين على إقامة في السويد، إذ غادرت زوجته تهريبا، إلى السويد رفقة ابنه ذي الـ"19" عاما في رحلة شاقة بعد ثلاثة أعوام من الإقامة في مخيم الزعتري بالأردن، على أمل لمّ شمل العائلة سريعا، وخلال ما يسميها بـ"مرحلة اليأس" تلقى عطوة عرضا لشراء دور أحدهم، إلا أن المبلغ المطلوب منه فاق قدراته كما خشي الإبلاغ عما مر به حتى لا يضر أحدهم ملفه، خاصة أن أوراقه ملفه كانت في السفارة ولا يعلم أحد بالخارج عنها شيئا، واصفا معاناته خلال تلك الفترة بـ"كابوس حقيقي"، خرج منه بعد أن أتت موافقة طبيعية على لمّ الشمل، إثر انتظار لأكثر من عام ونصف.
وتعود محاولة ابتزاز عائلات الحاصلين على الإقامة في السويد لتقديم موعد طلبات لم الشمل، إلى عام 2014، وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر إفادات لاجئين ومهاجرين، ينتظرون لم شمل، في مدينة يونشوبينغ (تبعد عن استوكهولم 330 كلم) وضواحي مالمو وغوتيبورغ، وبحسب مترجم متطوع (رفض الكشف عن هويته خوفا على إقامته في السويد)، حضرت عائلته بالفعل إلى السويد قبل عام ونصف "بعد جهود مضنية"، ويؤكد المترجم أن عددا من السوريين الذين ساعدهم في التواصل مع المفوضية والسفارة، اشتكوا من الظاهرة.
وتقع مسؤولية التحقيق في مخالفات ابتزاز منتظري مواعيد لمّ الشمل على عاتق وزارة الخارجية السويدية، بحسب ردّ من الوزارة على معد التحقيق حول جهودها لمواجهة الظاهرة، وأكدت الوزارة في ردها، أنها طلبت من من سفاراتها في أكثر من 60 بلدا مراجعة دقيقة لإجراءاتها "ضمانا لعدم وجود ثغرات يستغلها بعضهم للتربح المالي باسم السويد".
وأدى الكشف عن استغلال مآسي أسر تنتظر لمّ شملها إلى فتح عملية فحص شاملة مستمرة حتى اليوم لتقييم إجراءات عملية اللجوء، وفقا لما أكدته وزارة الخارجية لـ"العربي الجديد"، وهو ما شددت عليه مسؤولة الإعلام في الخارجية السويدية صوفيا كالبري، في حديث مع أخبار التلفزيون السويدي "إس في تي".
لغط داخلي
أثارت القضية لغطا سياسيا داخليا في السويد، وأجمع سياسيون على رفض " تشويه سمعة السويد وربطها بالفساد". وذهب اليمين لاستغلالها باعتبارها "نتيجة سياسة الانفتاح والسخاء التي تنتهجها الحكومة (يسار الوسط) مع اللجوء والهجرة"، بحسب ما صدر عن حزب "مودارات" (المحافظ). في حين رأى اليسار بأنها "عمليات استغلال بشع لليائسين من اللاجئين، ويجب استكمال التحقيقات الجارية منعا لتكرارها".
ودعت مصلحة الهجرة من ينتظرون دورهم في لمّ الشمل إلى إبلاغ السفارات ومصلحة الهجرة "عن كل شخص يحاول بيع خدمات باسم السويد، إذ إن جميع المواعيد تتم بدون تكاليف مطلقا، ولا يوجد آليات لتجاوز طوابير الانتظار عبر أية وسيلة بما فيها المالية"، بحسب ما تؤكد مسؤولة المكتب الإعلامي للمصلحة.
وفي رد على أسئلة "العربي الجديد" عن هوية "المتلاعبين والمبتزين ماليا في الحالات التي نشرت أو التي بحوزتنا" تقول شو غوركي: "أؤكد لك تماما أنه بعد نتائج تحقيقاتنا الخاصة لا أحد على الإطلاق من موظفينا، أو أقسام وكالاتنا، قام بأية تجاوزات، أو فعل مشتبه فيه، أو أخطاء متصلة بالقضايا ذات الأولوية في السفارة بعمّان".