يتوقع محمد الدابولي الباحث في معهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة ألا يشهد ملف سد النهضة تغيرا يذكر، بعد اختيار أبي أحمد رئيسا جديدا للوزراء في إثيوبيا، خلفا لـ هايله ميريام ديسالين، مُرجعا الأمر إلى أن رئيس الوزراء الجديد ينتمي إلى ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكم في أديس أبابا، وهو ما يعني اتساق موقفه من قضية السد الذي يهدد الأمن المائي لمصر، مع الائتلاف الحاكم.
السبب الآخر في رأي الدابولي أن أبي جاء على خلفية اضطرابات سياسية واقتصادية ناجمة عن سوء الأوضاع الاقتصادية، في الوقت الذي ينظر فيه الإثيوبيون إلى سد النهضة باعتباره بارقة أمل اقتصادية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشدده أكثر من سابقيه في هذا الملف.
وبدأ العمل في سد النهضة أثناء الاضطرابات السياسية التي حدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، إذ وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق ميليس زيناوي حجر الأساس للسد في الثاني من إبريل/نيسان 2011، بينما استكمل ديسالين العمل على السد، فيما يحصد أبي ثماره، وبالتالي فهي فرصة تاريخية له لن يفرط فيها، خصوصاً أن من شأنها أن تعلي من أسهمه السياسية في الداخل الإثيوبي.
ولا يستطيع أبي أن يقدم تنازلات أو تغيير موقف بلاده إزاء هذا الملف، بحسب الدابولي، إذ إن ذلك سيواجه بمعارضة عنيفة من قبل جبهة تحرير "تيغراي" (قومية إثيوبية تقطن منطقة صغيرة تقع على حدود البلاد الشمالية مع إرتيريا، تشكل نحو 6.1% من سكان إثيوبيا، وحكمت إثيوبيا منذ تولي ميليس زيناوي السلطة عام 1991) التي تسيطر بشكل قوي على مفاصل النظام السياسي الإثيوبي، بخاصة الجيش والشرطة، معتبرا أن مفاوضات سد النهضة أصبحت في الوقت الضائع إذ إن عملية ملء خزان السد ستتم خلال الأشهر القليلة القادمة، وهو ما يعني أن مسار المفاوضات أصبح لا يقدم ولا يؤخر ولا يرجى من ورائه أي تغيير في المشهد.
أولويات داخلية
تشكل الائتلاف الحاكم في إثيوبيا عام 1989 ويتكون من أربعة مكونات هي: "جبهة تحرير شعب تغراي"، و"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، و"الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا"، و"الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا"، ويشترط في من يترشح لمنصب الأمين العام للائتلاف أن يكون رئيسا لحزبه، ويعتبر باحثون في الشؤون الأفريقية أن اختيار أبي أحمد رئيسا للوزراء، يرجع بالأساس إلى محاولة الائتلاف الحاكم تحقيق التوازن السياسي والإصلاح الجذري في إثيوبيا، ويؤكد الباحث السوداني عباس محمد صالح في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "الاختيار يعد انتصارا لحركة الاحتجاج التي قادتها قوميتا الأورومو (كبرى القوميات الإثيوبية وتنتشر في جنوب غرب البلاد، وتشكل 40% من سكان البلاد) والأمهرا (قومية تنتشر في شمال البلاد، تقدر نسبتها بـ 25% من السكان وسبق أن حكمت البلاد لعقود)، في محاولة احتواء مؤقتة للاحتقان السياسي الذي بلغ مدى خطيرا داخل إثيوبيا ووضع البلاد علي شفير الهاوية.
وبالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه رئيس الوزراء الجديد فإن تعيين أبي، سيعد مجرد خطوة شكلية في حال عدم توجهه نحوه إصلاحات جذرية، تحتوي الحركة الاحتجاجية من أجل خفض حدة التوتر في البلاد والحيلولة دون حدوث مواجهة بين القوات الأمنية والحركات الاحتجاجية المتنوعة، في ظل توقعات بأن المعارضة سترفع سقف توقعاتها بعد أن حققت انتصارا كبيرا كما يقول الباحث صالح، والذي تابع أن كون أبي من قومية الأورومو يضعه أمام تحديات أكبر، في ظل سيطرة التيغراي على مفاصل الدولة، إذ عليه تحقيق مطالب الأورومو وألا يضعهم في مواجهة الجميع، في الوقت الذي سيتحملون أي إخفاق من جانب حلفائهم في المعارضة، وستجري محاولة إضعافهم بشكل كبير من قبل الحزب الحاكم، كما لا يجب إغفال العامل الزمني لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة في ظل احتمالات ضغوط الاحتجاجات ومقاومة الائتلاف الحاكم تحت قيادة التيغراي أي إصلاحات جذرية قد تكون بمثابة خطوط حمراء، كل هذه الأمور تجعل من التحديات الداخلية أولوية المرحلة وهو ما لا يفتح الباب أمام تغيير ملحوظ في سياسة إثيوبيا تجاه القضايا والملفات الخارجية على المدى القصير ومن بينها بالطبع سد النهضة.
توازنات سياسية
يخضع اختيار أبي لرئاسة الوزراء في إثيوبيا إلى توازنات سياسية جرى حسمها داخل أروقة الائتلاف الحاكم، كما يقول مدير القسم العربي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية أنور إبراهيم، مضيفا لـ"العربي الجديد": "توجد قناعة حالية داخل الائتلاف بأن تكون لكل قومية فترة تمنح لها فرصة لطرح تجربتها، في ظل تحديات داخلية وملفات عالقة خارجيا، مثل سد النهضة الذي يعتبره إبراهيم تحديا للحكومة والائتلاف الحاكم عموما، وليس لشخص رئيس الوزراء باعتباره مشروعا قوميا.
وعلى المستوى الداخلي، يضيف إبراهيم: إن اختيار أبي من شأنه أن يفتح الباب للاستقرار وإرضاءً لقومية الأورومو، ولا سيما أن كثيراً من أفرادها كانوا يرون أنها الأحق بمنصب رئيس الوزراء، وأشار إلى أن ولاية أبي في هذه المرحلة معنية بحل المشكلات الداخلية مثل توفير فرص للشباب، وفتح قنوات للممارسة السياسية وحل إشكالية المعتقلين السياسيين، وإيقاف سياسة منح الأراضي للمستثمرين.
وكانت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية (حكومية)، قد أعلنت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي، أن الائتلاف الحاكم اختار الدكتور أبي أحمد أمينا عاما للائتلاف، والسيد دمقي مكنن (ينتمي إلى الأمهرا) نائبا للأمين العام، ليصبح أبي أول رئيس للوزراء في إثيوبيا من قومية الأورومو.
وعقب إعلان أبي أمينا عاما للائتلاف، خلفا لرئيس الوزراء المستقيل، فإنه من المقرر بحسب ما قاله أنور إبراهيم أن يقوم الحزب الحاكم بتسمية أبي رئيسا للوزراء وتقديمه للبرلمان المكون من 547 نائبا أغلبهم من الائتلاف الحاكم، للموافقة عليه، لاستكمال الفترة المتبقية من ولاية الائتلاف، والتي تنتهي في 2020، بعد فوزه في انتخابات 2015.
أبي أحمد يجمع الأورومو والأمهرا
ولد أبي أحمد في أغسطس/آب 1976 في أغارو، بمنطقة جيما بإقليم الأورومو، ووالده أحمد علي مسلم من قومية أورومو، وأمه مسيحية من قومية الأمهرا، بحسب ما قاله مدير القسم العربي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإثيوبية لـ"العربي الجديد".
وفي 22 فبراير/شباط الماضي، انتخبت اللجنة المركزية لـ"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، أحد أحزاب الائتلاف الحاكم، خلال اجتماعي استثنائي لها نائب رئيس إقليم أوروميا، أبي أحمد، رئيساً للجبهة، تمهيدا لتقديم أبي مرشحا لها لرئاسة الائتلاف، وبالتالي رئاسة الحكومة، إذ تشترط لوائح (الائتلاف الحاكم) أن يكون المرشح لرئاسة الائتلاف، رئيسا لحزبه الذي يمثل أحد مكونات الائتلاف، بعد أن كان أبي يتولى منصب مسؤول مكتب التنمية والتخطيط العمرانى بإقليم أوروميا، ونائبا لرئيس إقليم أوروميا، وقبلها في 2016 تولى وزارة العلوم والتكنولوجيا في الحكومة الفيدرالية.
وتؤكد تقارير إعلامية أثيوبية أن أحمد حصل على تدريب عسكري رسمي في الجيش الإثيوبي في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وعمل ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في رواندا عقب الإبادة الجماعية التي حدثت هناك في عام 1995، كما أنه قاد فريقا استخباراتيا إبان الحرب الإثيوبية الإريترية 1998- 2000، لاكتشاف مواقع الجيش الإريتري في الجبهات الأمامية للقتال، ووصل حتى رتبة عقيد عام 2007، في المخابرات الإثيوبية، وفى عام 2010، غادر وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) ليتفرغ للسياسة بصورة رسمية ومباشرة، ليبدأ مسارا أفضى به إلى رئاسة الوزراء في عام 2018.