الفرجاني وشقيقه ينتميان إلى مليشيات الجالط، المعروفة بـ "الكتيبة 136 مشاة" والتي تسيطر عليها قبيلة الفرجان في سرت، والتي ينتمي لها حفتر، وكان من المفترض أن تُؤمّن نقل الأموال من مطار سرت إلى فرع المصرف المركزي، لكنهم دبروا واقعة السطو عليها.
ويعد تكليف الفرجاني، بمهام أمنية في منظومة حفترالعسكرية، حادثة متكررة تكشف عن طبيعة تكوين ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده حفتر، ويضم إلى جانب المتورطين في عمليات سرقة آخرين يعملون في تجارة البشر عبر الهجرة غير الشرعية، ومتورطين في قضايا قتل وجماعات سلفية متطرفة، تحولوا بين ليلة وضحاها إلى ضباط بالقوات المسلحة، كما يقول موسى القنيدي أستاذ القانون الدولي بجامعة مصراتة ومدير مكتب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في ليبيا سابقا.
أنشطة إجرامية
تحالف خليفة حفتر مع مليشيات سلفية متورطة في تهريب المهاجرين، خصوصا في الجنوب، رغم تأكيده أنه يسعى "لتطهير البلد من المهربين والإرهابيين"، إذ كان دعم "الجيش الوطني الليبي" حاسما في تحول مجموعة سبل السلام السلفية المدخلية المسلحة والتي تعمل بمنطقة الكفرة، إلى لاعب عسكري رئيسي في جنوب شرقي ليبيا وكذلك في نشاط الاتجار بالبشر، كما تستفيد القوات الموالية لحفتر من تواطؤ الجماعات المسلحة بمدينة بني وليد التي تعد مركزا لتهريب المهاجرين، لتسهيل نقل مؤنها اللوجستية، وفق ما وثقه في يونيو/حزيران الماضي، باحثو مركز الناعورة NORA المتخصص بالشؤون الدولية، في تقرير بعنوان "افتراس الاقتصاد في شرق ليبيا".
ولا تعد مليشيات سبل السلام التنظيم الديني المسلح الوحيد في قوات حفتر، إذ تنشط داخل صفوف ما يسميه حفتر والدول الداعمة له، بـ"الجيش الوطني" مليشيات سلفية مدخلية تسمى بـ"كتيبة النصرة والتوحيد"، وينتمي أفرادها لمدن ليبية عدة، وترى هذه القوات في خليفة حفتر وليا شرعيا لا يجوز الخروج عليه ولا بد من قتال كل من يحمل سلاح ضدهم كما أوضح الحقوقي القنيدي.
العاصمة هي الهدف
"يجمع هدف السيطرة على العاصمة قوات خليفة حفتر" بحسب القنيدي، ومن بين هؤلاء مليشيات الحبوطات التي تمت تسميتها اللواء 26 مشاة وهي تشكيل مسلح كان مسيطرا على جزء من مدينة ورشفانة جنوبي العاصمة طرابلس وتعتبر اليوم تشكيلا مهما ضمن قوات حفتر وتتخذ من مدينة ترهونة التي تحاصرها قوات حكومة الوفاق مقرا لها وتتوعد بالانتقام ممن كان سببا في إنهاء سيطرتها على ورشفانة قبل ثلاثة أعوام، وداهمت قوات حكومة الوفاق في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بقيادة اللواء أسامة الجويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية، مراكز الحبوطات، على خلفية ارتكابهم جرائم قطع طريق وسرقة واختطاف. وأشهر جرائمهم "خنق الطفل عبد الإله دغنوش" وتصويره بعدما عجز أهله عن دفع الفدية لإطلاق سراحه.
إضافة إلى ما سبق، هناك من انضم لقوات حفتر حتى تسقط عنه التهم الجنائية المتورط فيها، مثل عادل دعاب الذي أصبح رائدا في قوات حفتر بعد أن كان مليشياويا خارجا عن سلطة الدولة ليقود تشكيلا مسلحا ينحدر من مدينة غريان. وكان سببا رئيسيا في دخول مليشيات حفتر لها أثناء بداية الهجوم على طرابلس. كما أن قادة كتيبة الكانيات، وهي القوة الأساسية في مدينة ترهونة التي اعتمد عليها حفتر في مهاجمة طرابلس، مسؤولون عن قتل أكثر من 200 مواطن وصدرت بحقهم مذكرات توقيف من النائب العام في طرابلس مع العلم أن جزءا كبيرا منهم يدين بالولاء للنظام السابق، وهو ما تكرر في الشرق، إذ جرت عمليات إعدام بحق العشرات من المحتجزين خارج المؤسسة القضائية في شوارع بنغازي ودرنة. ومن أبرز المتورطين في تلك العمليات المقدم محمود الورفلي الضابط في ما يعرف بالقوات الخاصة ببنغازي، كما يقول القنيدي، مشيرا إلى أنه مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف أصدرتها الدائرة التمهيدية الأولى منذ ما يزيد عن عامين.
قتل جماعي
في التاسع من ديسمبر/كانون الأول، عُثر على جثة المواطن "مصباح الديلي" من منطقة قصر بن غشير حيث كانت تتمركز قوات حفتر جنوبي طرابلس، وعلى الجثة آثار التعذيب، قبل تصفيته ذبحا، بعد ساعات من خطفه على أيدي مليشيات الكاني التابعة للواء المتقاعد.
قبل ذلك وفي السادس والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الليبية تقريراً بخصوص الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات حفتر وضم وثائق تنشر لأول مرة. ومن بين ما يوثقه التقرير السجل الإجرامي لمليشيا الكاني مذ سيطرتها على ترهونة؛ حيث يشير التقرير إلى أن هذه المليشيا "قتلت 210 أشخاص، داخل ترهونة، قبل أن تسيطر على المدينة وتحكمها بالحديد والنار، ثم انضمت في إبريل/نيسان 2019 إلى القوات الغازية لطرابلس.
ويضيف مصطفى المجمعي، المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب" اسم محمد شعبان الشتيوي المعروف بـ"الكبة" الذي يقود مجموعة من المجرمين ممن ينشطون في قوات حفتر، رغم أن هناك أمر قبض وإحضار صدر بحقه من مكتب النائب العام في أكتوبر 2017، بعد ثبوت تورطه في عشرات جرائم الخطف والقتل من بينها حادثة هزت مدينة العجيلات وراح ضحيتها ثلاثة أشقاء من صبراتة اختطفهم ونقلهم إلى منزله حيث عذبهم ونكل بهم قبل أن يقتلهم بطريقة وحشية. كما أنه متورط في قضية تهريب الدواعش من الحدود التونسية إلى جنوب صبراتة، ويهرب المحروقات من البنزين والديزل، إضافة إلى تجارة المخدرات.
نهب النفط
أصدر علي القطراني، عضو المجلس الرئاسي المرشح عن حفتر، خطابا موقعا باسمه يمنح شركة "Tiuboda" المملوكة لـ "فهمي سليم بن خليفة"، الشهير باسم "ملك التهريب"، الإذن ببيع النفط الليبي، وهو ما منح غطاء قانونياً لأنشطة مهرب الوقود بن خليفة، الذي اعتقلته قوة الردع الخاصة التابعة لحكومة الوفاق بطرابلس نهاية أغسطس/آب 2017 بمدينة زوارة أقصى الغرب الليبي ونقلته إلى سجونها في طرابلس لبدء التحقيق معه في قضايا تهريب البشر والوقود الليبي، وفق ما جاء في تقرير صادر عن منظّمتي "ترايل إنترناشيونال" و"ببلك آي" السويسريتين غير الحكوميتين.
ووفقاً لمصدر بالمؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس، رفض الكشف عن اسمه للموافقة على الحديث، فقد حاول حفتر وفي أكثر من مرة تصدير النفط من الموانئ الواقعة تحت سيطرته ووجّه حكومة الثني في شرق ليبيا والتي تأتمر بأوامره إلى التعاقد مع شركات مصرية وإماراتية لبيع نفط ليبيا بسعر أقل من أسعار السوق العالمي الحالي.
توثيق انتهاكات وجرائم حفتر
يقول المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير:"يُعد محمود الورفلي الضابط بالقوات الخاصة أبرز المطلوبين في قوات حفتر بعد صدور مذكرتي اعتقال وجلب من الجنائية الدولية. الورفلي لم يكن وحده في جرائم عديدة بل كان يتحرك ويقتل مع مجموعة تسمى فرقة الموت وقد ظهر بعض أفرادها ملثمون ينفذون حكم الإعدام رميا بالرصاص عقب صدور الأمر من الورفلي" وهذا وثقته أيضا تقارير لجان الخبراء التابعة للامم المتحدة في تقاريرها السنوية أكثر من مرة.
يضيف الكبير لـ"العربي الجديد": "هناك مجموعات خاصة في قوات حفتر متخصصة في عمليات مداهمات البيوت والاعتقال. ومجموعات أخرى في السجون السرية لعمليات التعذيب والقتل ثم التخلص من الجثث برميها في أماكن عامة لبث الرعب في النفوس أو القائها في البحر لإخفاء الأثر كما حصل مع الناشط السياسي أحمد الكوافي الذي لفظ البحر جثثه بعد أيام من اختفائه" وقد تداولت مشاهد الجثة لحظة اخراجها على صفحات التواصل الاجتماعي، ومرّت هذه الحادثة دون أي يُعلن عن اي تحقيقات او خطوات عملية للمؤسسات العدلية والقضائية شرق البلاد حيث لا سلطة ولا سلطان هناك الا حفتر ومجرميه".
ويرى الناطق السابق باسم وزارة العدل وسام الصغير أن إيواء المجرمين وتوفير الحماية لهم ومحاولة إضفاء الشرعية على أعمالهم والتستر عليهم أو حمايتهم من أي ملاحقة جنائية، جريمة لا تحتمل التأويل وفقاً لنص المادة 99 عقوبات ليبية، والجرائم الواردة في نصوص المواد (234، 270، 273، 274، 280، 317، 322) وما فعله خليفة حفتر باستقطابه وإيوائه تحت غطاء شرعيته المزعومة لعدد من الذين يتهمون بارتكاب جرائم شتى تتنوع بين قتلٍ وتعذيب وتهجيرٍ وإرهابٍ وهجرةٍ غير قانونية أو شرعية، ينظر إليه من حيث مسؤوليته الجنائية من جانبين: أولهما أنه فاعلٌ أصلي، وثانيهما متعلق بأن حالة الإيواء والحماية التي وفرها حفتر لأولئك المطلوبين للعدالة، كانت تشكل بالنسبة لهم محركاً ودافعاً لارتكاب مزيد من الجرائم، لذا فإنه في هذه الحالة يعد حفتر شريكاً لهم بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق، أو بهذه الصور الثلاث مجتمعة، في كل ما يرتكبونه من جرائم بشتى أوصافها وتنوعاتها، وهو ما يقتضي بحسب الصغير، تقديم طلب بشأنهم إلى الإنتربول لتعميم أسمائهم دوليا وترقب وصولهم أو مغادرتهم للدول التي تعد جزءا من الإنتربول كذلك التواصل مع مكتب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، على اعتبار أن كثيراً من تلك الجرائم يدخل في اختصاص المحكمة.
وفي محاولة لتوثيق الانتهاكات السابقة، أكد مصدر مقرّب من اللجنة المشتركة لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، رفض الكشف عن اسمه، أن اللجنة التي شكلت بقرار من المجلس الرئاسي سلمت حتى الآن، للمجلس الرئاسي وللقائم بأعمال النائب العام، تقريرين حول انتهاكات حقوق الإنسان، والجرائم التي قامت بها مليشيات حفتر، ويغطيان الفترة ما بين الرابع من إبريل، وحتى منتصف ديسمبر من العام الماضي، فيما لا يزال العمل جاريا على إنجاز التقرير الثالث، والذي يتضمن بشكل مفصل، واقعة استهداف الكلية العسكرية بطرابلس التي أوقعت 30 قتيلا من طلاب الكلية العسكرية بالعاصمة الليبية.