وأشار التقرير إلى أن خطورة هذا النوع من الانتهاكات تكمن تحديدا في كون القانون وإجراءات المؤسسات القضائية هي أدواته، ومن ثم فهو نمط من الانتهاك للحق يبرره ويحميه القانون بدلا من أن يحظره ويعاقب عليه. وتعتبر مهمة مواجهة هذا النوع من الانتهاكات هي الأكثر صعوبة، حيث تتحصن الجهات المرتكبة لها بالقانون نفسه وتدّعي التزامها به، في حين يتهم المعارضون لها في أحيان كثيرة بعدم احترام القانون وبرفض الاحتكام إلى القضاء.
وارتكز التقرير على ثلاثة اتهامات تسعى سلطات الدولة من خلال استخدامها إلى حماية ممارساتها وسياساتها من الانتقاد بتحصين هيئاتها، أولها حظر "الإساءة إليها أو إهانتها"، وثانيها "سبغ حصانة على مقومات الهوية الدينية والقومية وغيرها ضد كل صور النقد أو حتى النقاش الإيجابي"، وثالثها "الاتهامات التي تسعى إلى تجريد ممارسي الحق في حرية التعبير من أدواتهم وتفرض عليها أشكالا من الرقابة أو التقييد تحت عباءة التنظيم".
وأشار التقرير إلى استخدام السلطات في كثير من الأحيان تعريفات واسعة ومطاطة لمفهوم الأمن القومي والأمن العام، لفرض قيود على الحق في حرية التعبير تهدف في الحقيقة إلى قمع ممارسة هذا الحق في النقد المشروع لممارسات السلطة وسلوكياتها. كما تفرض العديد من الدول قيودا مختلفة على وسائل التواصل المستخدمة في الوصول إلى المعلومات وتبادلها، كما تفرض قيودا على أشكال ممارسة مهنة الصحافة أو إصدار الصحف وإنشاء محطات الإذاعة والتليفزيون. كما تتخذ السلطات نطاق التذرع بالأخلاق للتوسع في استخدام اتهامات السب والقذف في حق أفراد.
اقرأ أيضاً: تفعيل "قانون الجرائم الإلكترونية" في الكويت... تأييد وانتقادات
أما تهمة "إهانة الموظف العام"، فأشار التقرير إلى أنه في الكويت على سبيل المثال، تحرم السلطات آلاف الأفراد من فئة البدون من حقوق المواطنة الكاملة، كما بات الحرمان من الجنسية عقوبة في وجه المعارضين السياسيين. ووفق تقرير هيومن رايتس ووتش فإن هناك 106 آلاف شخص على الأقل يعيشون في الكويت من "البدون". بعد فترة تسجيل أوليّة للجنسية الكويتية انتهت في عام 1960، نقلت السلطات طلبات الجنسية التي يقدمها البدون إلى مجموعة متوالية من اللجان الإدارية، وعملت تلك اللجان على تفادي تسوية هذه الطلبات. وكذلك الحال في مصر والأردن والبحرين، بحسب النماذج التي أفردها التقرير.
وعن تهمة "إهانة رئيس الجمهورية/الملك/الأمير"، أوضح التقرير أن الحاكم، يُعد في الدول العربية من المقدسات السياسية التي يجب النظر إليها في خشوع، ولا يتم تناولها في الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي إلا بالتبجيل والتفخيم.
"وتحتل الكويت صدارة قضايا إهانة الذات الأميرية أو ما تعرف بـ"إهانة المسند الأميري" والتي بلغت نحو 160 قضية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، أغلبها بسبب تغريدات على موقع "تويتر"، وبعضها بسبب خُطب وكتابات صحافية، وهو رقم قياسي عربي يتجاوز الرقم السابق الذي سجله الرئيس الليبي المخلوع، معمر القذافي، والذي بلغ نحو 45 قضية خلال فترة حكمه التي بلغت 42 عاما"، بحسب التقرير.
وفي مملكة البحرين يرتفع عدد الاستدعاءات والمحاكمات القضائية على خلفية "إهانة الملك" بحسب إحصاءات "رابطة الصحافة البحرينية" و"مركز البحرين لحقوق الإنسان"، وتحولت هذه التهمة لشبح يلاحق جميع الصحافيين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في البحرين، بحسب التقرير.
وبشأن تهمة "إهانة رئيس دولة أجنبية أو ممثلي دولة أجنبية"، أشار التقرير إلى أنها كانت تهمة المساس بالعلاقات الدولية وتعكير صفو العلاقات الدولية حاضرة كأداة لكسب التأييد الشعبي للقرارات الحكومية ضد الصحافيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وكافة المؤثرين في الرأي العام ولهم رأي مخالف للرأي الرسمي للحكومات في الدول العربية.
وتابع التقرير: "وقد وضعت الكويت الإساءة إلى دولة أخرى بين تهم أخرى تمس المشاعر الدينية كالإساءة للنبي أو تمس روح الوطنية كإحباط الروح المعنوية لرجال الجيش في المعركة، واكتفت الأردن بالتهمة فقط لمنع نقد الكتاب والصحافيين لسياسات الحكومة في الخارج.
وتبرز حكومتا الأردن والكويت في توجيه تهمة الإساءة وتعكير صفو العلاقات، للصحافيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي المعارضين لسياستهما الخارجية، وفقا للتقرير.
وعن تهمة "إهانة هيئة نظامية"، أشار التقرير إلى اتهام النائب البحريني السابق خالد عبدالعال، الذي حكمت عليه محكمة الجنايات في 26 مايو 2015، بالسجن لمدة سنة، وفي الكويت هناك نحو 180 من البدون وأصحاب الجنسية الكويتية حوكموا بناء على اتهامات منها "مقاومة وإهانة وتهديد الشرطة" من واقع مشاركتهم في مظاهرات في عامي 2011 و2012، وفي السعودية أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، حكما على المحامين عبدالرحمن الصبيحي، وبندر النقيثان، وعبدالرحمن الرميح، بالسجن لمدد تتراوح بين خمس إلى ثماني سنوات، وحظر السفر وحظر استخدام والظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، بتهم من بينها "المساس بالنظام العام" و"إهانة القضاء عبر تويتر"، وجاءت هذه الاتهامات بعد قيام الثلاثة بإعادة نشر "وسوم"، وتغريدات على "تويتر"، قالت، وزارة العدل أنها تمثل حملة تشويه ضدها.
وفي مصر واجهت الناشطة الحقوقية، المحامية ماهينور المصري ويوسف شعبان ولؤي القهوجي تهمة "إهانة الداخلية"، في القضية المعروفة باسم "قسم شرطة الرمل"، وترجع القضية إلى 30 مارس/آذار 2013، حينما تجمهر بعض النشطاء أمام قسم شرطة الرمل للتضامن مع أحد زملائهم المعتقلين في القسم.
وفيما يتعلق بتهمة "تهمة ازدراء الأديان أو المذاهب والإساءة إليها"، فأوضح التقرير أن السلطات في المنطقة العربية توجه تهمة ازدراء الأديان للكتاب والصحافيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يتناولون قضايا فكرية أو فلسفية أو رؤية دينية لا ترضى عنها الجهات القائمة على الحكم في الدولة.
وأشار التقرير إلى أن "السب والقذف من التهم الشائعة وسط أوساط الصحافيين والناشطين، وقد يحرك قضية السب والقذف أفرادٌ وقع لهم بالفعل هذا الانتهاك، ولكن غالبا ما تلجأ الحكومات لحماية أفرادها أو حماية الموظف العام من المساءلة والنقد كما أصبحت تهمة السب والقذف قضية سائغة لصيادي تلك القضايا من محامين متفرغين لهذا النوع من القضايا"، كما في الكويت والأردن والمغرب والبحرين ومصر.
كما تحدث التقرير عن استخدام السلطات لاتهامات "انتحال صفة صحافي"، و"تجريم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، كما هو متبع في مصر والكويت.
اقرأ أيضاً: مصر: 14منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الإسكندراني وسجناء الرأي