يتناغم الإعلام الرسمي السوري مع الحدث العالمي. التصعيد الروسي - الأميركي يبدو صيداً ثميناً، والدم الذي فيه هو صيدٌ لقوة النظام على لعق الدم. فما إن بدأت الغارات الروسية تأخذ شكل إبادة لسكان القطاع الشرقي لمدينة حلب، حتى بدأ النظام يُحضر لـ"مهرجان النصر"، وتبنّى إعلامه نغمة المهرجان العسكري، والانتصار المُبرح.
دم الضحايا الذي أيقظ إعلام العالم، جعل الأميركيين يُصعّدون لهجة التذمر فقط اتجاه ضربات صاروخيّة روسيّة إجراميّة. مما جعل التصريحات الروسية تأخذ بعداً كلاسيكياً، كزلزلة الشرق الأوسط، أو تغيير المنطقة، ولغة وعيد تفوح منها رائحة الحرب الباردة التي تعود لمنتصف القرن الفائت.
التهديدات الروسية المجانية التقطها إعلاميو النظام السوري الذين باتوا يهددون الولايات المتحدة الأميركيّة بوتيرةٍ أكبر من روسيا نفسها. ورغم أنّ روسيا تعرف تماماً أنها تهدد عدواً أميركياً متخيلاً لا يُريد إلا أن يكون بعيداً عن الشرق الأوسط، ومنحازاً للحياد عن كل الحدث السوري، إلا أن الروس ملتزمون برفع الصوت الفارغ، خدمةً لإعادة هيكلة وجودهم على الساحة العالمية أمام شعبهم، وحلفائهم. التعصب الروسي جعل موالي النظام بحالة جيدة، النظام يُحضر لمهرجان احتفالي بمناسبة النصر الروسي في حلب. لا يتحدث الاعلام الرسمي عن الضحايا، بل يحاول جذب الموالين على مقاطع فيديو لمصابين مدنيين من المنطقة الغربية لحلب، الذين أصيبوا جراء صواريخ وقذائف المعارضة. ثمانية عشر مصاباً وأربعة قتلى أعاد النظام صورهم ومقاطع لهم على مدار اليوم، وأرفقهم بضيوف يتوعدون رداً نارياً على المعارضة.
الأكثر خطورة هو الدعم المقدم للحملة الروسية الإبادية على حلب، فاستقبال ضيوف شرسين يبدو أمراً طبيعياً، لكن المقابلات التي يجريها التلفزيون السوري تبدو مُرعبة ومخيفة، وتأخذ شكلاً مفتاحياً لأشد أشكال الحرب الأهلية المنظمة بدقة إجرامية. مواطنون من الساحل، ومواطنون من قلب مدينة حلب أيّ المناطق التي يُسيطر عليها النظام يدعمون الضربات الروسية، ويطالبون بزيادتها، بالإضافة إلى عشرات المحتفلين في الشارع على أصوات الضربات... هذا التصوير المشهدي والدرامي الذي يبدو عنفوانياً حاداً، يجعل المتابع يُصاب بالهلع، من كمّ الكره الذي يؤسسه النظام في الذاكرة السورية.
ورغم أن صور مجازر حلب احتلت العالم، وأنّ كاميرات حيّة لعشرات التلفزيونات العربية والعالمية ترصد الصورة والخبر، إلا أنّ النظام يتمسك حتى اللحظة بأنّ قناة "الجزيرة" ومراسليها يخترعون أشكال الضحايا ويصورونها، وأن القتلى ليسوا إلا "من المسلحين الإرهابيين".
أما تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قصف دولته للعسكريين فقط في حلب، يكون "رائعاً" أمام محلّلي التلفزيون السوري وضيوفه. فلم يتردد مواطن حلبي في القول على التلفزيون: "لتهدم روسيا وسورية كل المنطقة الشرقية فهي خالية، لتقع على رؤوس المسلحين". هذه الجُمل يتلاقاها التلفزيون بكل مودة واهتمام، فالنظام يحصل على آلاف المواطنين الذين يتحدثون على هذه الشاكلة، من دون أن يستأجر واحداً منهم.
الهوة التي شكلتها منظومة دولة الأسد خلال الأربعين عاماً تؤسس لهذه الأقوال، لتبادل الذبائح، وتبادل النظرة البهيمية للآخر. هذه الرعاية ينقلها التلفزيون من دون أي رقابة أو تخفيف. يخرج مواطن سوري بكل بساطة، ليطالب الدولة الروسية بقتل أبناء بلده الذين يبعدون عشرات الكيلو مترات عنه. وقد تشاهد هذا المشهد قبل شهر ضمن احتفال شعبي بضربات الجيش وجرائمه، الكل يُريد زيادة القتل عن طريق الجيش. يدفع النظام كل ماكينته الإعلاميّة اتجاه "انتصار حلب"، ويُحال الإسراع فيه خوفاً من أي يقظة من مواليه لهول الإجرام. وأمرٌ آخر هو غريب جدًا، فقد يكون التلفزيون السوري من بين عشرة تلفزيونات في العالم يستطيع إحضار محللين يدعمون العملية الروسية السورية في حلب، وهذا إنجاز كبير لتلفزيون بلاد فيها حديقة باسم الزعيم الكوري الشمالي، وصورٍ تحتلّ الشارع لصاحب أكبر دولة ثيوقراطية دينية، أي إيران. كُلّ ذلك يُكرّس "نجاح" التلفزيون السوري في دعم التوحش الروسي، وفي تنميط جمهور عالي المستوى في العنف، ودعم الإجرام والاحتفال فيه.
اقــرأ أيضاً
التهديدات الروسية المجانية التقطها إعلاميو النظام السوري الذين باتوا يهددون الولايات المتحدة الأميركيّة بوتيرةٍ أكبر من روسيا نفسها. ورغم أنّ روسيا تعرف تماماً أنها تهدد عدواً أميركياً متخيلاً لا يُريد إلا أن يكون بعيداً عن الشرق الأوسط، ومنحازاً للحياد عن كل الحدث السوري، إلا أن الروس ملتزمون برفع الصوت الفارغ، خدمةً لإعادة هيكلة وجودهم على الساحة العالمية أمام شعبهم، وحلفائهم. التعصب الروسي جعل موالي النظام بحالة جيدة، النظام يُحضر لمهرجان احتفالي بمناسبة النصر الروسي في حلب. لا يتحدث الاعلام الرسمي عن الضحايا، بل يحاول جذب الموالين على مقاطع فيديو لمصابين مدنيين من المنطقة الغربية لحلب، الذين أصيبوا جراء صواريخ وقذائف المعارضة. ثمانية عشر مصاباً وأربعة قتلى أعاد النظام صورهم ومقاطع لهم على مدار اليوم، وأرفقهم بضيوف يتوعدون رداً نارياً على المعارضة.
الأكثر خطورة هو الدعم المقدم للحملة الروسية الإبادية على حلب، فاستقبال ضيوف شرسين يبدو أمراً طبيعياً، لكن المقابلات التي يجريها التلفزيون السوري تبدو مُرعبة ومخيفة، وتأخذ شكلاً مفتاحياً لأشد أشكال الحرب الأهلية المنظمة بدقة إجرامية. مواطنون من الساحل، ومواطنون من قلب مدينة حلب أيّ المناطق التي يُسيطر عليها النظام يدعمون الضربات الروسية، ويطالبون بزيادتها، بالإضافة إلى عشرات المحتفلين في الشارع على أصوات الضربات... هذا التصوير المشهدي والدرامي الذي يبدو عنفوانياً حاداً، يجعل المتابع يُصاب بالهلع، من كمّ الكره الذي يؤسسه النظام في الذاكرة السورية.
ورغم أن صور مجازر حلب احتلت العالم، وأنّ كاميرات حيّة لعشرات التلفزيونات العربية والعالمية ترصد الصورة والخبر، إلا أنّ النظام يتمسك حتى اللحظة بأنّ قناة "الجزيرة" ومراسليها يخترعون أشكال الضحايا ويصورونها، وأن القتلى ليسوا إلا "من المسلحين الإرهابيين".
أما تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قصف دولته للعسكريين فقط في حلب، يكون "رائعاً" أمام محلّلي التلفزيون السوري وضيوفه. فلم يتردد مواطن حلبي في القول على التلفزيون: "لتهدم روسيا وسورية كل المنطقة الشرقية فهي خالية، لتقع على رؤوس المسلحين". هذه الجُمل يتلاقاها التلفزيون بكل مودة واهتمام، فالنظام يحصل على آلاف المواطنين الذين يتحدثون على هذه الشاكلة، من دون أن يستأجر واحداً منهم.
الهوة التي شكلتها منظومة دولة الأسد خلال الأربعين عاماً تؤسس لهذه الأقوال، لتبادل الذبائح، وتبادل النظرة البهيمية للآخر. هذه الرعاية ينقلها التلفزيون من دون أي رقابة أو تخفيف. يخرج مواطن سوري بكل بساطة، ليطالب الدولة الروسية بقتل أبناء بلده الذين يبعدون عشرات الكيلو مترات عنه. وقد تشاهد هذا المشهد قبل شهر ضمن احتفال شعبي بضربات الجيش وجرائمه، الكل يُريد زيادة القتل عن طريق الجيش. يدفع النظام كل ماكينته الإعلاميّة اتجاه "انتصار حلب"، ويُحال الإسراع فيه خوفاً من أي يقظة من مواليه لهول الإجرام. وأمرٌ آخر هو غريب جدًا، فقد يكون التلفزيون السوري من بين عشرة تلفزيونات في العالم يستطيع إحضار محللين يدعمون العملية الروسية السورية في حلب، وهذا إنجاز كبير لتلفزيون بلاد فيها حديقة باسم الزعيم الكوري الشمالي، وصورٍ تحتلّ الشارع لصاحب أكبر دولة ثيوقراطية دينية، أي إيران. كُلّ ذلك يُكرّس "نجاح" التلفزيون السوري في دعم التوحش الروسي، وفي تنميط جمهور عالي المستوى في العنف، ودعم الإجرام والاحتفال فيه.