تسبح أجهزة هواتف مسطحة ذكية في فضاءٍ أزرق. تبدو كجزر متباعدة ينبع داخل كل منها كائن بشري، منكفئ على نفسه بعيد عن الآخر. هذا الرسم لباول كوسزينسكي، يعكس حالة العزلة الفردية التي تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا. عزلة باتت من أبرز المواضيع التي تهدد نفسية مستخدمي هذه المواقع وتجرهم، بحسب عدد من الدراسات، إلى الاكتئاب والعجز وفقدان القيمة وحتى إلى الانتحار.
هذا العالم الافتراضي، بحسب أبحاث بدأت تتشكل ملامحها مؤخراً، لم يعد يهدد بعزلة فردية فقط وإنما أصبح أيضاً يشكل حالة عزلة جماعية، تعود برواد المواقع الافتراضية إلى عالم محدود وإلى مجموعات بشرية منكفئة على نفسها، على عكس الفكرة التي قامت عليها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام و"فيسبوك" بشكل خاص.
المؤشرات التي تنبئ بهذه الفرضية ومخاطرها تتبلور مع تطور آليتين، الأولى هي آلية تطور شكل ومضمون وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي والثانية هي آلية تفاعل المستخدمين معها وتفاعلهم في ما بينهم. هذه المؤشرات لم تحصَ بشكل كامل بعد فلا تزال الدراسات مستمرة، إلا أنه بات بالإمكان المرور على بعضها.
إحدى بوادر العزلة الجمعية - القبيلة الافتراضية - هي تطور خدمات الخصوصية التي تفرضها مواقع التواصل، والتي تحدد بالضرورة المساحة التفاعلية للمستخدم وتَركُّز نشاطه.
ارتفاع قيود الخصوصية يصاحبة ارتفاع في منسوب الخوف والحذر قبل التواصل مع أشخاص من خارج قائمة الأصدقاء.
ويبدي الكثير من المستخدمين تخوفاً من إضافة غرباء إلى قائمة الأصدقاء. والقصد من هذه الكلمة في ما يخص "فيسبوك"، هو شخص لا يوجد بينه وبين المستخدم أي صديق مشترك أو اهتمام مشترك أو مجموعة مشتركة، وهو أمر كان أقل تفاقماً خلال السنوات الأولى لـ"فيسبوك". موضوع الخصوصية يسهل القدرة على تقليص عدد الأشخاص الذين يتم التواصل معهم، ليس فقط ضمن مجتمع "فيسبوك" وإنما أيضاً ضمن قائمة الأصدقاء، فـ"فيسبوك" وبناءً على نشاطنا يقترح لنا كخيار أول دائماً، الأشخاص والمجموعات التي نتواصل معها بكثرة ويجعلهم الأبرز على قائمة أخبارنا.
ويضاف إلى الحذر وتحديد الخصوصية وفلترة الأصدقاء، الحصر الجغرافي ببلد أو منطقة أو شارع أو مؤسسة، فـ"فيسبوك" وإن اقترح أصدقاء فيجب أن يكونوا ضمن دائرة معينة، ما يجعل أيضاً احتمالية الخروج من المجموعة المعتادة أمراً أصعب.
ارتفاع معايير الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي لها أوجه إيجابية وأوجه سلبية، إلا أنها تساهم مباشرة في تحديد المستخدم بمجموعة صغيرة يتواصل معها. تماماً كارتباط وسائل التواصل الاجتماعي ببعضها. فـ"فيسبوك" و"إنستاغرام" و"لينكد إن" و"غوغل بلاس" وغيرها ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، ليس عن طريق الخدمة المقدمة وإنما في ما يتعلق بقائمة الأصدقاء، الغالبية من مستخدمي وسائل التواصل يمتلكون قائمة الأصدقاء ذاتها، تتكرر مع اختلاف التطبيقات المستخدمة، وبالتالي أي رأي أو صورة يتم نشرها في موقع ما ستشاهد ويتم التفاعل معها غالباً من قبل نفس الأشخاص، أشخاص موافق عليهم مسبقا وغالباً ما تتوافق آراؤهم وأفكارهم مع أفكار صاحب المنشور.
المؤشر الأخير وهو الأكثر خطورة، يتمحور حول انعكاس الواقع الافتراضي، الذي خلق كأداة ترفيه بشكل أو بآخر، ليصبح نسخة عن الواقع المعاش بكل ما فيه، والعالم الحقيقي ليس مثالياً إذ إنه حالياً يعتبر أكثر انغلاقاً من أي وقت. فبحسب البروفيسورة إيريك شالتز، تعدت وسائل التواصل مرحلة الجملة الواحدة الافتراضية للتعبير عن الرأي، إذ بدأ الأشخاص بتكوين أجساد افتراضية، وبتعميق هويتهم فيها، من خلال الكتابة والصورة والفيديو والصوت وحتى من خلال اختيار لون العرق، وسيذهب الأمر أبعد من ذلك. هذه الهويات تمارس مهامها الاجتماعية وتخضع للعادات والتقاليد بحسب المجتمع الواقعي المنبثقة عنه. تتقيد بمفهوم العيب والمجاملة والنزعات الدينية. تعزل أشخاصاً ضمنها وتتحدد بأشخاص. الأمر لا يقتصر على المستخدمين العاديين، بل أيضاً على الحكومات التي بدأت بترويض العزلة الجمعية وتعزيزها في سبيل التأثير الأكبر على المستخدمين الافتراضيين، الذين تنظر اليهم كناخبين ومستهلكين ومواطنين وساعين للديمقراطية، بحسب "إيكونوميست".
العزلة الجمعية التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي تبقى نظرية قيد الدراسة، بينما لا يحبّذ أعداد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هذه الفكرة وهم يعتقدون أن الوسائل السابقة واللاحقة هي نوافذ للتعرف على الآخر.
اقــرأ أيضاً
المؤشرات التي تنبئ بهذه الفرضية ومخاطرها تتبلور مع تطور آليتين، الأولى هي آلية تطور شكل ومضمون وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي والثانية هي آلية تفاعل المستخدمين معها وتفاعلهم في ما بينهم. هذه المؤشرات لم تحصَ بشكل كامل بعد فلا تزال الدراسات مستمرة، إلا أنه بات بالإمكان المرور على بعضها.
إحدى بوادر العزلة الجمعية - القبيلة الافتراضية - هي تطور خدمات الخصوصية التي تفرضها مواقع التواصل، والتي تحدد بالضرورة المساحة التفاعلية للمستخدم وتَركُّز نشاطه.
ارتفاع قيود الخصوصية يصاحبة ارتفاع في منسوب الخوف والحذر قبل التواصل مع أشخاص من خارج قائمة الأصدقاء.
ويبدي الكثير من المستخدمين تخوفاً من إضافة غرباء إلى قائمة الأصدقاء. والقصد من هذه الكلمة في ما يخص "فيسبوك"، هو شخص لا يوجد بينه وبين المستخدم أي صديق مشترك أو اهتمام مشترك أو مجموعة مشتركة، وهو أمر كان أقل تفاقماً خلال السنوات الأولى لـ"فيسبوك". موضوع الخصوصية يسهل القدرة على تقليص عدد الأشخاص الذين يتم التواصل معهم، ليس فقط ضمن مجتمع "فيسبوك" وإنما أيضاً ضمن قائمة الأصدقاء، فـ"فيسبوك" وبناءً على نشاطنا يقترح لنا كخيار أول دائماً، الأشخاص والمجموعات التي نتواصل معها بكثرة ويجعلهم الأبرز على قائمة أخبارنا.
ويضاف إلى الحذر وتحديد الخصوصية وفلترة الأصدقاء، الحصر الجغرافي ببلد أو منطقة أو شارع أو مؤسسة، فـ"فيسبوك" وإن اقترح أصدقاء فيجب أن يكونوا ضمن دائرة معينة، ما يجعل أيضاً احتمالية الخروج من المجموعة المعتادة أمراً أصعب.
ارتفاع معايير الخصوصية في وسائل التواصل الاجتماعي لها أوجه إيجابية وأوجه سلبية، إلا أنها تساهم مباشرة في تحديد المستخدم بمجموعة صغيرة يتواصل معها. تماماً كارتباط وسائل التواصل الاجتماعي ببعضها. فـ"فيسبوك" و"إنستاغرام" و"لينكد إن" و"غوغل بلاس" وغيرها ترتبط ببعضها ارتباطاً وثيقاً، ليس عن طريق الخدمة المقدمة وإنما في ما يتعلق بقائمة الأصدقاء، الغالبية من مستخدمي وسائل التواصل يمتلكون قائمة الأصدقاء ذاتها، تتكرر مع اختلاف التطبيقات المستخدمة، وبالتالي أي رأي أو صورة يتم نشرها في موقع ما ستشاهد ويتم التفاعل معها غالباً من قبل نفس الأشخاص، أشخاص موافق عليهم مسبقا وغالباً ما تتوافق آراؤهم وأفكارهم مع أفكار صاحب المنشور.
المؤشر الأخير وهو الأكثر خطورة، يتمحور حول انعكاس الواقع الافتراضي، الذي خلق كأداة ترفيه بشكل أو بآخر، ليصبح نسخة عن الواقع المعاش بكل ما فيه، والعالم الحقيقي ليس مثالياً إذ إنه حالياً يعتبر أكثر انغلاقاً من أي وقت. فبحسب البروفيسورة إيريك شالتز، تعدت وسائل التواصل مرحلة الجملة الواحدة الافتراضية للتعبير عن الرأي، إذ بدأ الأشخاص بتكوين أجساد افتراضية، وبتعميق هويتهم فيها، من خلال الكتابة والصورة والفيديو والصوت وحتى من خلال اختيار لون العرق، وسيذهب الأمر أبعد من ذلك. هذه الهويات تمارس مهامها الاجتماعية وتخضع للعادات والتقاليد بحسب المجتمع الواقعي المنبثقة عنه. تتقيد بمفهوم العيب والمجاملة والنزعات الدينية. تعزل أشخاصاً ضمنها وتتحدد بأشخاص. الأمر لا يقتصر على المستخدمين العاديين، بل أيضاً على الحكومات التي بدأت بترويض العزلة الجمعية وتعزيزها في سبيل التأثير الأكبر على المستخدمين الافتراضيين، الذين تنظر اليهم كناخبين ومستهلكين ومواطنين وساعين للديمقراطية، بحسب "إيكونوميست".
العزلة الجمعية التي تفرضها مواقع التواصل الاجتماعي تبقى نظرية قيد الدراسة، بينما لا يحبّذ أعداد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هذه الفكرة وهم يعتقدون أن الوسائل السابقة واللاحقة هي نوافذ للتعرف على الآخر.