فجأةً، ومع ظهور نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، تحوّل الإعلام المصري إلى المدافع الأول عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ضد "الديكتاتورية" وانتهاك حقوق المواطنين.
الإعلام المصري صاحب مبدأ "افرم يا سيسي واحنا معاك"، لم تعجبه نتيجة استفتاء الأتراك على دستور بلادهم، والتي جاءت لصالح مؤيدي التعديلات الدستورية التي تقضي بالانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
مذيعة الانقلاب الشهيرة رانيا محمود ياسين، صاحبة التاريخ السيئ من التصريحات التي نادت بقتل المعارضين في مصر، قالت في برنامجها إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتبع نفس أسلوب جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقام باستغلال الفقراء، للاستفادة منهم في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا".
وادّعت أن حكومة أنقرة أرسلت المصريين (عمرو دراج ووليد شرابي ومحمد الصغير) على المنابر لإقناع الأتراك بالتصويت للتعديلات الدستورية. وقالت: "أردوغان اتبع نفس الأسلوب الرخيص بتاع الإخوان.. تخيلوا عمل نفس الأسلوب بالظبط.. وأنا كنت فاكراهم هنا بيلعبوا على الفقراء ويروحوا القرى يوزعوا عليهم الهدايا والبطاطين.. وفي تركيا برضو عندهم فقراء وعملوا معاهم نفس الطريقة".
أن تخرج مثل هذه التصريحات من رانيا التي دخلت للعمل الإعلامي وكل مؤهلاتها أنها ابنة الممثلين السينمائيين محمود ياسين وشهيرة، أمر طبيعي ومفهوم، ولكن أن تنشر وكالة الأنباء الرسمية المصرية تقريرًا بهذا المعنى، فهذا هو الغريب.
فقد نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، أمس، عما سمتها بـ"مصادر تركية مطلعة" قولها إن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعان بعناصر تنظيم الإخوان الإرهابي الموجودين داخل تركيا للترويج للتعديلات الدستورية التي يجريها، من خلال إلقائهم خطب الجمعة في العديد من مساجد تركيا، وذلك بالمخالفة للقوانين التركية التي تحظر اعتلاء أي أجنبي للمنابر".
وقالت "المصادر" المجهولة لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن ذلك "يأتي في إطار محاولات أردوغان المستميتة لفرض هيمنته على مقاليد الأمور في تركيا".
وأضافت المصادر أن "النظام التركي استعان بالإخواني الهارب محمد الصغير في القيام بعدة جولات في محافظات جنوب شرق تركيا، لحثّ المواطنين الأتراك على التصويت بالموافقة على تلك التعديلات"، لافتة إلى أن "أردوغان يتبع نفس الأساليب التي اتبعها التنظيم الإرهابي في مصر خلال الانتخابات، وذلك بتوزيع الهدايا والمواد الغذائية والبطاطين عبر زيارات قامت بها عناصر من أمانة الشباب بالحزب الحاكم العدالة والتنمية".
"اليوم السابع" المعروفة بتبعيتها إلى "مخابرات السيسي" شنّت هجوماً عنيفاً على الرئيس أردوغان، وقالت إنه "يختطف تركيا بالدستور"، كما قالت أيضًا إن "الرئيس التركي ينتصر لطموحه الإمبراطوري، ويسعى للاستيلاء على السلطة 12 سنة مقبلة".
وقالت الصحيفة الداعمة بقوة لدكتاتورية الحكم العسكري في مصر: "تهدف التعديلات الدستورية إلى التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي، ليستحوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صلاحيات أكبر، في ظل استقطاب سياسي كبير، وأوضاع مشحونة بحالة الطوارئ". وأضافت أنه "ربما يكون أحد آثار هذه التعديلات حال تمريرها، بقاء أردوغان في السلطة حتى عام 2029 على الأقل".
وقال موقع "دوت مصر"، المنضم حديثًا إلى إدارة "اليوم السابع"، بسخرية: "خليك راجل وصوّت للدستور".. "شنبات" نظام أردوغان قبل الاستفتاء"، وأضاف: "عندما قالت الصناديق للدين نعم".. "أردوغان يرتدي عباءة الإسلام في استفتاء الدستور".
أما صحيفة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العنين (أحد أكبر الداعمين والممولين لانقلاب السيسي)، فقالت: "21 مادة تجعل من أردوغان سلطاناً.. أبرزها إلغاء منصب رئيس الوزراء.. والتدخل رسميا في تعيين القضاة".
كل وسائل الإعلام المصرية تقريبًا، والتي تفرض أجهزة أمن الرئيس السيسي سيطرتها عليها، اتبعت نفس هذا الأسلوب السلبي في تغطية استفتاء تركيا على التعديلات الدستورية. ولكن الغريب أن الصوت الوحيد الداعم لتلك التعديلات خرج قبل شهر تقريبًا من المستشار الإعلامي للرئيس السابق عدلي منصور، أحمد المسلماني، والذي فاجأ الجميع وقال في برنامجه "الطبعة الأولى" على قناة "دريم" بالقول: "لو أنني مواطن تركي لصوّت بنعم على التعديلات (الدستورية) ولأعطيت صوتي للرئيس (رجب طيب) أردوغان".
وأضاف المسلماني أن "الأتراك يرون أن هناك حقداً ورغبة أوروبية في تدمير الدولة التركية، كونها توشك أن تصبح من أكبر 10 دول في العالم، وتعمل على بناء أكبر المطارات العالمية على أراضيها".
وقال إن "التقارب بين تركيا وروسيا، وتركيا والصين، إلى جانب علاقة أنقرة القوية مع أميركا، وقدرة السلطات التركية على إنشاء توازن دولي كبير في علاقاتها تسبب في الحقد الأوروبي عليها".
وأضاف في حديثه عن الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، بقوله إنها "تعديلات قوية جداً وستجعل من تركيا دولة قوية (...) والنظام الرئاسي أفضل لتركيا".
وقال إن "قوة تركيا أن تكون دولة رئاسية (..) وما يفعله أردوغان صحيح ولمصلحة بلده، وبذلك فهو يفوت المؤامرات الخارجية عليها".
واتضح موقف المسلماني سريعاً من التعديلات الدستورية في تركيا عندما تابع "سبق وأن ناديتُ أن تصبح مصر دولة رئاسية واضحة (..) النظام الرئاسي نظام قوي وناجز، وينبغي على مصر أن تذهب إلى ذلك النظام القوي". وهو ما يفسر دفعه في اتجاه تعديلات دستورية في مصر تمنح الرئيس السيسي صلاحيات أوسع.