يبدو أن الإنتاجات التلفزيونية الرمضانية وخصوصاً الأعمال الدرامية والكاميرا الخفية وما خلفته من ردود فعل غاضبة لدى الكثيرين، تعيد طرح الأسئلة حول دور "الهايكا" في تونس. وجاء ذلك بعد أن قام طفل لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره بقتل صديق له بسكين تأثراً بمسلسل "شورب" الذي يُبث على قناة "التاسعة" والذي يحمل الكثير من مشاهد العنف ويمجد أحد صعاليك تونس في الستينيات. وبعد أن رأى البعض في الكاميرا الخفية "شالوم" دعوة ضمنية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، إضافةً إلى تدني المستوى الأخلاقي في بعض الأعمال الدرامية مثل سلسلة "علاقات خاصة" الذي تستعمل فيه الكثير من الألفاظ السوقية.
هذا الوضع جعل الكثيرين، ومنهم أعضاء مجلس نواب الشعب، يعيدون طرح السؤال حول دور "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) في تعديل المشهد السمعي البصري. فقد طلب عدد من النواب في جلسة لجنة شؤون المرأة والشباب والمسنين بالبرلمان من الهايكا التدخل لوقف ما أسموه "النسق التصاعدي في تكريس العنف"، المسلّط على المرأة والطفولة سواء كان عنفاً معنوياً أو على مستوى تصورات وصورة المرأة في الانتاجات التلفزيونية التونسية، وطالبوا "الهايكا" بالقيام بدور رقابي صارم على البرامج الرمضانية التي تستغل فقر الناس لتسويق منتوجاتها التلفزيونية.
دور الرقابة الصارمة لا يعتبره مجلس الهايكا من الأدوار المنوطة بعهدته. فالهايكا وفقاً لقرار تأسيسها هي هيئة دستورية تعنى بالمشهد الإعلامي السمعي والبصري وتنظيمه، كما تسعى إلى نشر ثقافة تعديليّة لإرساء استقلاليّة وسائل الإعلام تؤدّي ضرورة إلى طريقة جديدة في حوكمة الإعلام وتعزيز حرية التعبير. فهي وفقاً للنص القانوني لا تقوم بالأدوار الرقابية، مثلما أكد عضو مجلسها هشام السنوسي في رده على كل من طالب الهايكا بالتدخل لإيقاف بعض الأعمال التي اعتبرت ذات تأثير سلبي على المجتمع، رافضاً أن تقوم الهايكا بدور الرقيب قبل البث بل يتمثل دورها في التعديل بعد البث ضماناً لحرية الصحافة والرأي والتعبير.
لكن هذا لا ينفي وجود بعض الثغرات في القانون المنظّم لعمل الهايكا، وهي ثغرات تحدّ من مجال تدخلها. وهو ما أكدته عضوة مجلسها، راضية السعيدي، التي طالبت من نواب الشعب التونسي التدخل للتسريع في سنّ القانون الجديد المنظم لعمل الهايكا، وهو قانون محل خلاف بين الحكومة من ناحية وبين مجلس الهايكا والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وعديد المنظمات الحقوقية التي ترى أن الحكومة التونسية تريد سنّ قانون جديد للهايكا يحدّ من صلاحياتها ويجعلها مجرد ديكور تابع للسلطة القائمة وليست هيئة دستورية مستقلة.
اقــرأ أيضاً
ودفعت هذه الوضعية والضبابية في تعاطي الهايكا مع الإنتاجات التلفزيونية الرمضانية البعض، ومنهم حزب التيار الشعبي وهو حزب قومي ناصري إلى اللجوء إلى القضاء لإيقاف بث الكاميرا الخفية "شالوم". ورأى فيها الحزب دعوة صريحة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما استجاب له القضاء التونسي الذي أصدر حكماً يطلب من قناة "تونسنا" إيقاف بث البرنامج. واستاءت الهايكا من الحكم في بيان أصدرته الثلاثاء، إذ رأت أنه ضربٌ للفصل 31 من الدستور التونسي الذي ينصّ على "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر ويحجر ممارسة الرقابة المسبقة عليها". كما نبّهت إلى "خطورة التداخل بين اختصاصات مختلف المؤسسات بما من شأنه أن ينال من أحكام الدستور المتعلقة بحرية التعبير ومنع الرقابة المسبقة ويؤدي إلى العصف بالثوابت والمبادئ الأساسية لحرية التعبير على خلفية برنامج تعاملت معه الهيئة وفق المعايير المتعارف عليها دولياً في مجال التعديل". ورأت في قرار المحكمة "استسهالاً لموضوع مركب وتدخلاً في اختصاص حصري عهد للهيئة بمقتضاه صلاحية تنظيم حرية الاتصال السمعي والبصري والسهر على فرض احترام جميع السلطات والمؤسسات والأطراف المتدخلة للقواعد والأنظمة المنطبقة على القطاع".
وخلّفت الانتاجات التلفزيونية الرمضانية في تونس حالةً من عدم الرضا لدى المتلقي التونسي. ومن الواضح أن ما خلفته من ردود فعل ستعيد طرح عديد الأسئلة حول المسار الذي اتخذه الإعلام التونسي بعد الثورة.
دور الرقابة الصارمة لا يعتبره مجلس الهايكا من الأدوار المنوطة بعهدته. فالهايكا وفقاً لقرار تأسيسها هي هيئة دستورية تعنى بالمشهد الإعلامي السمعي والبصري وتنظيمه، كما تسعى إلى نشر ثقافة تعديليّة لإرساء استقلاليّة وسائل الإعلام تؤدّي ضرورة إلى طريقة جديدة في حوكمة الإعلام وتعزيز حرية التعبير. فهي وفقاً للنص القانوني لا تقوم بالأدوار الرقابية، مثلما أكد عضو مجلسها هشام السنوسي في رده على كل من طالب الهايكا بالتدخل لإيقاف بعض الأعمال التي اعتبرت ذات تأثير سلبي على المجتمع، رافضاً أن تقوم الهايكا بدور الرقيب قبل البث بل يتمثل دورها في التعديل بعد البث ضماناً لحرية الصحافة والرأي والتعبير.
لكن هذا لا ينفي وجود بعض الثغرات في القانون المنظّم لعمل الهايكا، وهي ثغرات تحدّ من مجال تدخلها. وهو ما أكدته عضوة مجلسها، راضية السعيدي، التي طالبت من نواب الشعب التونسي التدخل للتسريع في سنّ القانون الجديد المنظم لعمل الهايكا، وهو قانون محل خلاف بين الحكومة من ناحية وبين مجلس الهايكا والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وعديد المنظمات الحقوقية التي ترى أن الحكومة التونسية تريد سنّ قانون جديد للهايكا يحدّ من صلاحياتها ويجعلها مجرد ديكور تابع للسلطة القائمة وليست هيئة دستورية مستقلة.
ودفعت هذه الوضعية والضبابية في تعاطي الهايكا مع الإنتاجات التلفزيونية الرمضانية البعض، ومنهم حزب التيار الشعبي وهو حزب قومي ناصري إلى اللجوء إلى القضاء لإيقاف بث الكاميرا الخفية "شالوم". ورأى فيها الحزب دعوة صريحة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما استجاب له القضاء التونسي الذي أصدر حكماً يطلب من قناة "تونسنا" إيقاف بث البرنامج. واستاءت الهايكا من الحكم في بيان أصدرته الثلاثاء، إذ رأت أنه ضربٌ للفصل 31 من الدستور التونسي الذي ينصّ على "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر ويحجر ممارسة الرقابة المسبقة عليها". كما نبّهت إلى "خطورة التداخل بين اختصاصات مختلف المؤسسات بما من شأنه أن ينال من أحكام الدستور المتعلقة بحرية التعبير ومنع الرقابة المسبقة ويؤدي إلى العصف بالثوابت والمبادئ الأساسية لحرية التعبير على خلفية برنامج تعاملت معه الهيئة وفق المعايير المتعارف عليها دولياً في مجال التعديل". ورأت في قرار المحكمة "استسهالاً لموضوع مركب وتدخلاً في اختصاص حصري عهد للهيئة بمقتضاه صلاحية تنظيم حرية الاتصال السمعي والبصري والسهر على فرض احترام جميع السلطات والمؤسسات والأطراف المتدخلة للقواعد والأنظمة المنطبقة على القطاع".
وخلّفت الانتاجات التلفزيونية الرمضانية في تونس حالةً من عدم الرضا لدى المتلقي التونسي. ومن الواضح أن ما خلفته من ردود فعل ستعيد طرح عديد الأسئلة حول المسار الذي اتخذه الإعلام التونسي بعد الثورة.