منذ أن أعلنت السلطات الإيرانية شهر مارس/آذار الفائت عن نيتها حظر تطبيق "تيليغرام" الأكثر استخداماً وشعبية في البلاد بين تطبيقات التواصل على الهاتف المحمول، وحظره رسمياً لاحقاً، شعر عدد كبير من مستخدميه بالقلق، فقد اعتادوا على هذا التطبيق الذي لم يفتح الباب للتواصل بينهم وحسب، بل أصبح الوسيلة الأولى للحصول على الأخبار للمهتمين بها، وهو ما جعل بعض الشركات تفتح الباب لتطوير تطبيقات محلية عساها تحل مكان "تيليغرام"، وعلى رأسها تطبيق "سروش".
تشجيع الصناعة المحلية
تزامن ذاك الإعلان وحصول مشكلات اعترضت "تيليغرام" نفسه في روسيا، وتعرض التطبيق لعدة أعطال وهو ما علّق عمله في بعض الأحيان، ليظن الإيرانيون في كل مرة أن السلطات نفذت وعيدها.
لكن هذا زاد من أعداد المنتقلين إلى "سروش" تدريجياً، وتزامن ذاك أيضاً وإطلاق المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي شعار "دعم المنتجات والصناعات المحلية" مع بدء العام الإيراني الجديد في 21 مارس/آذار الماضي، ليعلن بعد ذلك عن إغلاق قناته على "تيليغرام" نهائياً تشجيعا لتطبيق هذا الشعار، فكرر هذه الخطوة من بعده عدد كبير من المسؤولين في إيران، إضافة لعدد أكبر من القنوات الإخبارية على وجه الخصوص، فأصبحت الحركة نحو تطبيقات إيرانية الصنع، وعلى رأسها "سروش" على شاكلة هجرة جماعية.
العقوبات وتأثيرها
قبل 3 أعوام تقريباً عرضت النسخة التجريبية من تطبيق "سروش" للمرة الأولى، وبعد مرور سنة من ذاك التوقيت، أصبح عدد مستخدميه 700 ألف شخص تقريباً. ومع حصول كل تلك التطورات التي اعترضت تطبيق "تيليغرام"، وصل عدد مستخدميه مؤخرا إلى خمسة ملايين شخص، ورغم ذلك ما زالت المسافة كبيرة بينه وبين "تيليغرام" الذي بلغ عدد مستخدميه في إيران أربعين مليوناً.
والجدير بالذكر أن عقوبات أميركية جديدة فرضت على إيران قبل أشهر معدودة تسببت بحذف تطبيق "سروش" إلى جانب عدد من التطبيقات الإيرانية من على "آبل ستور"، وهو ما يجعل الوصول إليها صعبا للغاية لأصحاب هواتف آيفون.
يؤكد المدير العام المسؤول عن "سروش"، سيد ميثم سيد صالحي، أن هذا التطبيق رأى النور بدعم هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية التي تعد صاحبة التطبيق، وبمشاركة عدد كبير من المهندسين من خريجي الجامعات التقنية الإيرانية المعروفة، واصفا إياه بأنه بات أكثر التطبيقات الإيرانية المحلية شعبية في الوقت الراهن، حسب رأيه.
وفي حديث خاص مع "العربي الجديد"، أكد صالحي أن عدد المستخدمين تجاوز خمسة ملايين شخص، ويعتبر أنه تطبيق متميز مقارنة بتطبيقات ثانية مطورة محليا، فيستطيع مستخدمو "سروش" إرسال واستقبال الرسائل النصية والصوتية والمصورة، فضلا عن إرسال ملفات بحجم كبير، ويقدم ذات خدمة تيليغرام من قبيل متابعة قنوات، والانضمام لمجموعات، بينما يوفر خدمة لم تكن مفتوحة للإيرانيين عبر "تيليغرام"، وهي إجراء اتصالات مجانية للمستخدمين في البلاد.
وفي سؤال عما إذا كان "سروش" يلبي في الحقيقة احتياجات المستخدم الإيراني الذي اعتاد على تيليغرام، رأى صالحي أنه يمكن لـ"سروش" وغيره من التطبيقات المحلية أن تتمتع بمواصفات جيدة تماثل تلك الأجنبية، واعتبر أن في بعضها مميزات أفضل بالنسبة للمستخدم الإيراني، فـ"سروش" يتيح استخدام ما يسمى بالمحفظة الإلكترونية على سبيل المثال، وهو ما لا يمكن أن يكون متاحا للإيرانيين في تطبيقات أجنبية، فيمكنهم عبر "سروش" استخدام بطاقات مصارفهم بكل سهولة.
أشار صالحي لما اعتبره ميزة ثانية يقدمها "سروش" للحكومة الإيرانية نفسها، فرأى أن هوية أصحاب القنوات تظل معروفة، والكل سيستخدمون ذات الخادم الإلكتروني، مؤكدا أن "سروش" يسعى للدخول لسوق تنافسية مع التطبيقات الثانية في الوقت الراهن.
بديل حقيقي؟
يعمل في مجموعة "سروش" في الوقت الحالي 70 شخصاً، وهؤلاء موظفون يقدمون خدماتهم بشكل دائم وثابت، إضافة لوجود متعاونين من المهندسين التقنيين على وجه الخصوص، يزيد عددهم عن هذا الرقم بكثير، وقد أعلنت شركة "سروش" أنها تسعى للاستفادة من الخبرات الإيرانية.
يقول منصوري، وهو أحد المهندسين والخبراء المتعاونين مع "سروش"، إن الهدف الحقيقي لا يرتبط بأن يتحول "سروش" لبديل كامل عن "تيليغرام" ولا أن يحتل مكان أي تطبيق آخر، لكن الفكرة بدأت من ضرورة تقديم تطبيق يناسب الإيرانيين ويلبي مطالبهم في التواصل الاجتماعي. ورأى أن ذلك يفتح الباب لشفافية أكبر ويتيح للإيرانيين تقديم شكاوى قضائية في الداخل، وهذا شبه مستحيل في حالات التطبيقات الأجنبية بحال تمت انتهاك خصوصيتهم أو حصل احتيال بحقهم.
ورغم كل هذه الإشادة، ووجود مشجعين لاستخدام التطبيقات المحلية ممن يرفضون الهيمنة والتأثير الأجنبي الخارجي، وهو ما يلاحظ بشدة لدى الطيف المحافظ في الشارع وبين الساسة، لكن تطبيق "سروش" لا يزال يعاني من مشاكل تقنية، فلا يعطي إشعاراته بشكل منظم كما تطبيق تيليغرام ، كما أن عدم إمكانية تحميله على هواتف آيفون يجعل حاملي هذه الهواتف النقالة مضطرين لتحميل التحديثات من "سروش" نفسه وبطرق ملتوية وصعبة، إضافة إلى أن تحميل ما تكتبه القنوات على "سروش" ما زال بطيئا، فيتحسن أحيانا ويضعف كثيرا في أحيان أخرى.
بعض الإيرانيين يؤيدون وجود بدائل محلية، لكنهم بذات الوقت يطالبون بالجودة، والبعض الآخر على قناعة بأن لكل هذه المساعي المتعلقة بتطوير عمل التطبيقات المحلية أغراضا سياسية، فبهذه الطريقة من الممكن التحكم بالقنوات التي تبث أخبارها من الخارج، ولا يمكن لها أن تكون حاضرة في تطبيق على شاكلة "سروش" .
يرى مهندس تقنية المعلومات رضا شريفي راد أن أحد أبرز المشاكل التي تتسبب بها تطبيقات التواصل الأجنبية ترتبط بوجود قنوات غير أخلاقية أو تتسبب بمشكلات اجتماعية، وذكر للعربي الجديد أن أطرافا ثانية تطالب بحفظ بياناتها، وهو ما يجعلها لا تفضل استخدام التطبيقات الأجنبية، وهناك فئة متطرفة إزاء التطبيقات المحلية، وكل هذا غير سليم.
ورأى شريفي راد أن المطلوب هو وجود قوانين تفتح المجال لتطوير عمل التطبيقات المحلية، دون أن تسبب مشكلات للمستخدمين وأن توفر لهم الأمان.
فضلا عن ذلك أوضح ضرورة أن تكون البيئة تنافسية، فكما يجب تشجيع التطبيقات المحلية بما يطورها ويزيد من حضور إيران في سوق تطبيقات التواصل، لكن يجب أن يكون أمام الإيرانيين خيارات عديدة، فوجود التطبيقات الأجنبية يزيد بطبيعة الحال من وتيرة التنافس، وهو ما سيرفع من جودة المنتج المحلي تلقائيا، وبالتالي قد يزيد الإقبال على تطبيقات التواصل الإيرانية.
الأسئلة التجارية
أما السؤال المطروح الذي ما زال مقلقا لكثيرين، فيتلعق بحقيقة أن تطبيق "تيليغرام" فتح الباب أمام أصحاب المشاريع الصغيرة على مصراعيه، ممن قرروا امتلاك قنوات على التطبيق الأكثر رواجا، فروجوا لبيع بضائعهم من قبيل الملابس والمستلزمات المنزلية، وبأسعار أرخص من تلك الموجودة في السوق، وبحسب وزير الاتصالات الإيراني فإن "تيليغرام" ساهم بإيجاد 200 ألف فرصة عمل، فهل يستطيع "سروش" أن يفعل ذات الشيء، فالتواصل لم يعد محصورا بغرض الوصول للأخبار أو للحديث مع الآخرين، وإنما يفتح كذلك الفرصة لتحقيق أهداف ثانية، قد تكون أهم للإيرانيين في الوقت الراهن.