للعام الثاني على التوالي، تواصل الصحف العراقية اليومية معركة البقاء على أرصفة بغداد ومدن العراق الكبرى، وسط تراجع واضح في المبيعات لتلك الصحف، وتقارير تتحدث عن تقليل طبع صحف كبرى في العراق نسخها اليومية من 20 ألفا إلى ألفي نسخة فقط.
ويعزو مالكو الصحف والعاملون فيها ذلك إلى الصحافة الإلكترونية التي باتت تنافس حتى التلفزيون من حيث سهولة الحصول على المعلومات، إضافةً إلى مشاكل مالية، وتراجع المبيعات، وارتفاع أسعار الورق والطباعة، ومشاكل إيصالها إلى المحافظات البعيدة.
"في العراق هناك أزمة حقيقية تواجه الصحافة الورقية، وأكثر الصحف المطبوعة ممولة من قبل أصحابها، إضافة إلى ضعف إمكانيات نشر الإعلان، وهو المورد الرئيسي للصحافة الورقية كذلك ما تعانيه خزانة الدولة من تقشف تسبب في عدم دفع مستحقات الصحف من أجور الإعلانات الحكومية وغير الحكومية المستحقة"، بحسب ما يقول مدير تحرير صحيفة "المشرق" العراقية، شامل عبد القادر، لـ"العربي الجديد".
ويضيف "نلاحظ من خلال الأعوام الـ15 التي تلت عام 2003 (الاحتلال الأميركي للعراق) الذي شهد تطوراً كبيراً في الصحافة وحرية واسعة وصدرت أكثر من 370 صحيفة ومجلة يومية وأسبوعية، وهذا في طريقه إلى الانحسار. طبعاً هناك سبب رئيسي وهو وجود أجهزة حديثة، وفي مقدمتها الموبايل. بالنسبة لوسائل الإعلام، مات الراديو ثم ماتت الكاميرا العادية ثم التلفزيون الأسود والأبيض ثم الملون، والآن الموت بانتظار الصحف الورقية، وبانتظار أيضاً الفضائيات".
ويُبيّن "الصحافة الإلكترونية في العراق تعاني من أزمة نشر والحصول على الخبر الراقي والخبر الأول، وهناك عملية تناقل ونقل من موقع إلى آخر. وأيضاً الصحافة الورقية تعاني من أزمة محررين وأزمة حادة في الحصول على الأخبار. حيث أصبح الاعتماد 99 بالمائة على الإنترنت من خلال المواقع، والتي بدورها تعتمد على السرقات من مواقع أخرى، وبالتالي لا نحصل على خبر يمكن الاعتماد عليه إلا من خلال هذه المناقلة بين المواقع والصحف الإلكترونية أو المواقع الخاصة بالوزارات".
ويتابع: "الصحافة الورقية في العراق اليوم ضعيفة. فبصراحة، من اقتحموا عالم الصحافة، وهم بأغلبهم من أصحاب الأموال، ليست لديهم عقليّة الدفع والتطوير للصحافة. فمثلاً، حتى تستمر الصحيفة العربية اليوم، وكي لا تعاني وتعتمد على الدولة، لديها مصانع ومحالج للقطن. هناك صحف لديها مصانع لتطوير الدراجات النارية، وأخرى لديها شركات لإنتاج الورق، بينما هناك صحيفة عالمية لديها رصيف على الميناء وناقلات شحن كبيرة للبضائع والنفط. في العراق، ليست لدينا عقليّات الاستثمار من أجل استمراريّة الصحافة والإعلام. وفعلاً، تتحوّل الصحيفة إلى سلعة ورسالة، في آنٍ واحد، ما يعني أنّها مؤسسات إعلامية وتجاريّة، لأنّ الإعلام وحده يقضي على مستقبل الجريدة، أما إذا تحوّلت إلى تجارة، فتفقد رسالتها الإعلاميّة والوطنيّة".
ويوضح "نحن بحاجة إلى قطاع خاص مستثمر شجاع، يؤمن بأنّ الإعلام والصحافة رسالة، وبدون هذه العوامل سنشهد موت الصحافة الورقيّة في العراق. للأسف الشديد، كان، سابقاً، كلّ مواطن عراقي يحمل بيده مسبحةً وجريدة. الآن، يحملون الموبايل، ويحصلون بسرعةٍ خارقة على الخبر والصورة، وهذا الجهاز يتنقّل معهم، فلا يقرأون أخباراً قديمة، بينما الجرائد صدرت ليلاً وحملت أخباراً قديمة".
من جانبه، يقول الكاتب والروائي العراقي مؤيد الزويني، لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد الصحافة الإلكترونية بدأت بالانتشار، خصوصاً في السنوات الأخيرة، وتحديداً في بداية الالفية الثالثة انتشرت بشكل واسع، وهذا بدوره يؤثّر على الصحافة الورقية والتي لم تندثر، وإنما اضمحلّت أو في طريقها إلى الاضمحلال. أغلب الصحافيين العراقيين يتّجهون نحو الصحافة الإلكترونية، وهذا اتجاه صحيح، لكن تبقى الصحافة الورقية هي المحور الأساسي للإعلام العراقي".
أما الروائي والناقد العراقي جمال القيسي، فيقول لـ"العربي الجديد": "تغير العصر بدخول عالم جديد تاريخياً، وتحديداً منذ آب/أغسطس 1995، عندما أصدر بيل غيتس برنامج ويندوز 95. العامل الجديد الذي دخل في التاريخ هو عامل التواصل، ما أدى إلى تغير وجهة نظر العالم كله بشكل عام. أي أنّ العالم تغير بهذا الاتجاه، وليس ذلك عاملاً مزاجياً أو اختيارياً".
ويشير إلى أن الثورة المصرية التي استخدمت مواقع التواصل، وإلى استخدام "فيسبوك" في التظاهرات الفرنسية، واستخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقع "تويتر". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "العالم اتخذ وجهة أخرى بتغير الوسيلة مع تغير المعطيات".