بينما أذاعت قنوات تلفزيونية مصرية خاصة فيديو قالت إنه يصور لحظة وصول طائرة للجيش المصري وعلى متنها هشام عشماوي، كان التلفزيون المصري الرسمي يواصل بث حلقات مسلسل رمضاني، من دون حتى عرض شريط إخباري بالحدث.
وعرضت اثنتان على الأقل من القنوات التلفزيونية الخاصة لقطات حية لهبوط الطائرة العسكرية في مطار القاهرة، وصعود مذيع لتصوير عشماوي الذي كان معصوب العينين وحول أذنيه كمامات. وشوهد معتقل آخر، لم يذكر اسمه، مكبّل اليدين ومعصوب العينين أيضاً، ثم أفادت تقارير إعلامية لاحقة بأن الرجل يدعى صفوت زيدان، وهو حارس شخصي لعشماوي.
ولم تكن تلك السقطة المهنية الوحيدة التي وقع فيها الإعلام المصري الرسمي "ماسبيرو" الذي تجري خصخصته على قدم وساق لصالح أجهزة مخابراتية مصرية، بل كانت الكارثة الكبرى في الحوار الذي أجراه مقدّم البرامج والمحامي المحسوب على النظام الحالي، خالد أبو بكر، لحظة وصول عشماوي؛ إذ باغت المتابعين بالترحيب به، قائلاً "حمد لله على السلامة يا هشام... هي دي مصر يا هشام".
وتعاقد المحامي الموالي للنظام، في أغسطس/آب عام 2018، مع قناة "الحياة" المصرية الخاصة على تقديم برنامج "الحياة اليوم" لمدة 3 سنوات. ولمزيد من الاحتفاء بالإنجاز، وضعت قنوات خاصة مصرية وسم "#هي_دي_مصر_يا_هشام" على شاشاتها.
الإنجاز الذي حسبه النظام المصري لنفسه إنما يعود للجانب الليبي الذي ألقى القبض على عشماوي، في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسلّمه ضمن صفقة أجراها النظام المصري مع مليشيات الليبي اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
وقد تزامن هذا الحدث مع إصدار منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً رصد عمليات القتل والتهجير الممنهجة في سيناء، يوم الثلاثاء. وقالت المنظمة إن قوات الجيش والشرطة المصرية، في حملتها الأمنية المستمرة في شبه جزيرة سيناء، شمال شرق مصر، ترتكب انتهاكات ضد المدنيين يرقى بعضها إلى جرائم حرب.
ووثقت المنظمة، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، صورة تفصيلية للمشهد في سيناء، الذي قالت إنه لا يحظى بتغطية إعلامية كافية، في ظل حظر التقارير المستقلة من شمال سيناء، وسجن صحافيين غطوا الأحداث هناك.
يحمل التقرير الذي يتكون من 116 صفحة عنوان "إذا كنتم تخافون على حياتكم فاتركوا سيناء: تجاوزات قوات الجيش والشرطة المصرية والتابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء".
ورصد "جرائم تشمل الاعتقالات الجماعية التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القضاء، وهجمات جوية وبرية قد تكون غير قانونية ضد المدنيين. وبينما كانت القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية مسؤولة عن غالبية الانتهاكات الموثقة في التقرير، ارتكب المسلحون المتطرفون أيضاً جرائم مروعة، بما فيها خطف وتعذيب عشرات السكان، وقتل بعضهم، والإعدام خارج نطاق القضاء بحق عناصر الأمن المحتجزين".
وكان هشام عشماوي، وهو ضابط سابق في الجيش المصري، اعتقل في مدينة درنة الليبية، أواخر العام الماضي، وسعت القاهرة منذ فترة طويلة للقبض عليه بتهم تدبير هجوم دام استهدف قوات الشرطة وهجمات كبيرة أخرى.
وتقول السلطات المصرية إن عشماوي يتزعم جماعة "أنصار الإسلام" التي أعلنت مسؤوليتها عن كمين استهدف قوات الشرطة في منطقة صحراوية، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، مما أسفر عن مقتل 16 من ضباط وجنود الشرطة. وتتهم السلطات المصرية جماعة "أنصار الإسلام" المرتبطة بتنظيم القاعدة بمحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق، محمد إبراهيم، عام 2013.
وجاء تسليم عشماوي في أعقاب الإعلان عن زيارة لرئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، إلى بنغازي، حيث التقى مع قائد قوات شرق ليبيا خليفة حفتر. وحكم على عشماوي غيابياً في مصر بالإعدام لإدانته بالتورط في هجمات، بينها هجوم في 2014 أسفر عن مقتل 22 من قوات حرس الحدود، قرب الحدود مع ليبيا.