أكد الرئيس التنفيذي لموقع "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، في مقابلة معه، يوم الخميس الماضي، أنه يريد لشبكة التواصل الاجتماعي التركيز على عملية "تفاعل هادف"، إلا أن مفهومه حول هذا الأمر يختلف، على ما يبدو، عن أفكار المسؤولين عن المؤسسات الإعلامية.
ويستعد محررو الصحف الإلكترونية ووسائل الإعلام، للتحديثات المستقبلية على "فيسبوك"، والتي من شأنها أن تضع الأفضلية لمنشورات الأصدقاء على المنشورات الإخبارية، وهنا يكمن الصراع الحديث بين هؤلاء والمسؤولين عن منصة التواصل الاجتماعي، وفقًا لموقع "نيويورك تايمز".
وقال جاكوب فايسبيرغ، رئيس تحرير موقع the Slate، في مقابلة معه يوم الجمعة: "لا أحد يعرف تمامًا ما هي التأثيرات التي ستخلفها تحديثات فيسبوك الجديدة، إلا أننا نتوقع أنها النهاية بالنسبة لعصر الأخبار التي تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي" وأضاف: "كان من المفهوم أن يقل التركيز على الأخبار بسبب انخفاض التفاعل على فيسبوك على مدار العام، إلا أني لا أعتقد أن الناس كانوا يتوقعون تغييرًا جذريًا كهذا".
ولم تكن العلاقة بين المنصة الاجتماعية "فيسبوك"، ووسائل الإعلام مثالية منذ البداية، على الرغم من أن الصحافيين قدموا مواد كثيرة تشجع الناس على التفاعل، وتشكل مواضيع شيقة للحوار، إلا أن التحالف بين هاتين القوتين الاجتماعيتين، تشكلت بحكم الضرورة، إذ أصبح "فيسبوك" فجأة منصة مهمة لنشر الأخبار، بشكل غير مخطط له، فيما اضطر الصحافيون إلى الترويج للأخبار عن طريقه، لأنهم يعلمون أن ملياري مستخدم سيكونون على بعد خطوة واحدة من قراءتها أو مشاهدتها.
وبدأت العلاقة بين "فيسبوك" والمؤسسات الإعلامية تصبح أكثر تشابكًا مع الوقت، مع تحوّل أحاديث الناس شيئًا فشيئًا من المواضيع الخاصة التي تتعلق بالتخرج والولادات والزواج، إلى المسائل العامة، وصرنا نشاهد عددًا لا نهائيًا من التعليقات، على كل خطاب سياسي أو خبر، في حين انخفض الاهتمام بشكل ملحوظ بالتفاعل الاجتماعي مع العائلة والأصدقاء، مما تسبب لاحقًا بمشكلة لـ"فيسبوك"، الذي يحتاج إلى أن يستخدمه الناس فترات أطول ليروج لكمية أكبر من الإعلانات، التي تدر عليه أرباحًا صافية كبيرة، بلغت حوالي 10.2 مليارات دولار، عام 2016.
ولم يأت هذا التحول في استراتيجية "فيسبوك" في التعامل مع الأخبار، من قبيل المصادفة، بعد عام من تركيز الحكومات على دوره في نشر المعلومات المضللة، وخطاب الكراهية، وهذا ما دفعه إلى محاولة النأي بعيدًا عن هذه القضايا، والعودة إلى دوره القديم في توطيد التفاعل بين العائلة والأصدقاء، حيث أكد زوكربيرغ للكونغرس، خلال جلسات استماع المحكمة في الخريف، أن عملاء مرتبطين بالكرملين، ساهموا في نشر محتوى مضلل، انتشر بين حوالي 126 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، عام 2016.
ومن المرجح أن تجد وسائل الإعلام نفسها في ورطة، بعد أن كانت تعتمد على "فيسبوك" بشكل كبير في الترويج لأخبارها ومقالاتها، وبعد أن شكلت روابط قوية مع مستخدميه، إلا أن هذا لن يتضح قبل مراقبة فيما إذا كان حجم جمهورها سيتقلص في الأشهر القادمة.
وقال جون ريدينغ، الرئيس التنفيذي لصحيفة "فايننشال تايمز": "توضح الضجة التي أحدثتها التغييرات الجديدة على فيسبوك، مدى القوة التي اكتسبتها هذه المنصة الاجتماعية، وكم صار صعبًا على الصحافيين نشر أخبارهم من دونها، كما سيكون لهذا أثر كبير على طريقة حصول الناس على أخبارهم".
وشكلت التحديثات الأخيرة على "فيسبوك" صدمة كبيرة بالنسبة لناشري الصحف الكبرى، على الرغم من اجتماعهم، في نهاية العام الماضي، مع المدراء التنفيذيين للمنصة الاجتماعية، والنقاش حول رغبة زوكربيرغ في التركيز من جديد على التواصل بين الأشخاص الذين يعرفون بعضهم، أكثر من المحتوى الذي تنشره وسائل الإعلام.
وأبرز جونا بريتي، الرئيس التنفيذي لموقع "BuzzFeed"، العلاقة المتوترة بين المؤسسات الإعلامية، وبين شركات الإنترنت العملاقة كـ"فيسبوك" و"غوغل"، في مقابلة أجراها في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، حيث قال: "يأخذ غوغل وفيسبوك الجزء الأكبر من عائدات الإعلانات، ولا يتركان إلا القليل لشركات الإعلام التي تقدم محتوى مهمًا للمستخدمين".
وتؤكد دراسة جديدة أجراها مركز أبحاث "Pew"، أن أكثر من نصف البالغين في الولايات المتحدة الأميركية، يطلعون على الأخبار من "فيسبوك". ومع التغييرات الجديدة، ستقتصر مشاهدتهم على الأخبار التي ينشرها أصدقاؤهم، في حين ستصبح المشاركات من الصفحات الإعلامية أقل ظهورًا لديهم.
كما أكد السيد فايسبيرغ، أن حجب "فيسبوك" للأخبار، جزء من جهوده الرامية إلى السماح بالوصول إليه في الصين، بعد أن بقي محظورًا فيها لوقت طويل، وقال: "لن يتمكن فيسبوك من الوصول إلى الصين إلا إذا وضع رقابة شديدة على الأخبار، بحيث تصبح المقالات التي تروج على المنصة الاجتماعية، هي الوحيدة المتاحة للمستخدمين الذين يعيشون في ظل الأنظمة القمعية، التي تمنعهم من الحصول على الأخبار الحقيقية".
وكتب آدم موسيري، رئيس قسم الأخبار في "فيسبوك"، يوم الخميس الماضي: "سنركز على المشاركات المنشورة من قبل العائلة والأصدقاء أكثر من منشورات المحتوى العام، نظرًا للمساحة المحدودة المتاحة في خلاصة الأخبار على المنصة الاجتماعية". في حين وجد راجو ناريسيتي، الرئيس التنفيذي لشركة "Gizmodo" الإعلامية، أن سياسة "فيسبوك" تجاه التحديثات غامضة، وقال: "سيكون من الجيد أن نرى شفافية كبيرة من أي منصة اجتماعية، ولا سيما فيسبوك، لأننا نود أن نعلم أكثر عن المعايير التي يضعونها لمفهوم الجودة".
وعبّر ناشر صربي عن صدمته إزاء التحديثات الجديدة في "فيسبوك"، وقال إن مثل هذه التغييرات المفاجئة، تمثل تهديدًا اجتماعيًا خطيرًا على قدرة مستخدمي المنصة الاجتماعية من كل البلدان، على اكتشاف الحقائق والمتغيرات التي تحدث بشكل يومي في مجتمعاتهم.
(العربي الجديد)