أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي حضورها الطاغي وتداخلها في جميع مناحي الحياة، سواء كان "فيسبوك" أو "تويتر" أو "إنستغرام" أو حتى "واتساب"، وغيرها بالطبع. نعتمد عليها في التواصل مع مجموعات الأصدقاء وتنسيق مواعيدنا وتسجيل ذكرياتنا. لكن ما مدى نفعها بالنسبة لنا؟ هل سيشغل مكانها شيء آخر جديد؟ وما الذي يمكننا تعلّمه منها؟
يقول الأستاذ الجامعي، الباحث في مجال وسائل التواصل الاجتماعي لما يربو عن عشرة أعوام، أكسل برنز: "عندما شرعنا في عملنا، كان "فيسبوك" لا يزال وسيطاً محدوداً يستخدمه الطلاب في الكليات والجامعات الأميركية حول العالم. ثم توسع نطاق استخدامه وتغيّرت نوعية مستخدميه، فلم يعد الآن منصة يقتصر استخدامها على الشباب، بل يحفل بمستخدمين من كبار السن". يضيف: "لقد لحق عملية المعرفة نفسها في مجتمع المنصات الاجتماعية تغير. فمثلاً، يمكن أن تمنح مصداقية لمصالح أخرى باستخدام "فيسبوك"، تنتشر الوسوم الخاصة بمواضيع معيّنة على التيشيرتات التي يرتديها الناس. توغّلت لغة وسائل التواصل الاجتماعي ومفرداتها في المجتمع بأكمله. لكننا مؤخرًا أدركنا أنها ليست تلك اليوتوبيا التي نطمح إليها أو ليست كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، الوسيط الذي يقرب العالم معًا".
ويشير برنز إلى "أننا في أمسّ الحاجة إلى تعزيز إلمامنا بأساسيات المعرفة الرقميّة. ويبدأ ذلك حينما نفكّر مرتين قبل مشاركة أي رابط نراه على مواقع التواصل الاجتماعي. من الضروري أن يُفكّر المستخدم في مصدر الأخبار، ومدى مصداقيتها، ينبغي لنا الشعور بالقلق إزاء نوعٍ معيّن من المعلومات المضلّلة، التي تُزيف عن عمد لتحقيق أهداف سياسيّة... قصص مختلقة تمامًا لكن لديها القدرة على التأثير في الرأي العام وتحاول جاهدة زرع الفتن والبلبلة".
ومع الأسف، لا تساعد شركات وسائل التواصل الاجتماعي الباحثين على تقصّي تلك المعلومات المضلّلة، أو كما يسميها برنز "الصناديق السوداء" للمعلومات. يُذكر هنا أنّ شركات التواصل الاجتماعي تتعهّد بشكلٍ مستمرّ بمحاربة الأخبار الكاذبة وحذفها، بعد تسبّب هذه الظاهرة بالتأثير على الأحداث السياسية حول العالم.
يقول برنز: "حاليًا، لا أعتقد أنني أبالغ حين أقول إننا حيال ما يشبه أزمة عندما يتعلق الأمر بوسائل التواصل الاجتماعي. فإن المنصات الرائدة تعقد الأمور وتصعبها في وجه عمل الأبحاث المستقلة، العلمية المتخصصة، المعنية بالصالح العام التي تهدف إلى فهم فعلي لما يحدث على هذه المنصات".
يتابع: "ومن عدة أوجه، تعد هذه الأبحاث فرصة للتصدي لتلك الاتهامات بترويج الأخبار الكاذبة والبروباغندا والإساءة ونشر المعلومات المضللة. لكن يبدو أن استجابة المنصات غير مقرة بوجود مشكلة، بل بدلاً من ذلك يبدو أنها تعيق قدر المستطاع قيام طرف خارجي بتفحص الأمر وتقصيه".
يضيف: "في الوقت الذي تُثار فيه الكثير من المخاوف إزاء دور وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع والأغراض التي تستخدم من أجلها، مثل الأخبار الزائفة والإساءة والتنمر الإلكتروني وما إلى ذلك، يُشكل عدم حصول أي طرف خارج المنصات نفسها على معلومات موثوقة عما يجري عليها إشكالية كبيرة".
على الرغم من هذه المشكلات، ليست جميع وسائل التواصل الاجتماعي سيئة، خصوصاً إذا كنا على دراية بالمشاكل المحتملة لهذه الخدمات. لكن السؤال الأهم: ما هو القادم؟ هل ستظل شركات وسائل التواصل الاجتماعي حاضرة في حيواتنا إلى الأبد؟