أحيا أصدقاء الفنان نضال سيجري الذكرى السنوية الأولى لرحيله على مسرح الحمراء. فقد رحل بطل "ضيعة ضايعة" في 11 يوليو/تموز الفائت، لكن تعذّر وصول بعض رفاقه إلى دمشق تسبّب في تأجيل الاحتفال بذكراه.
إصابة نضال سيجري بسرطان الحنجرة وقع خبراً صاعقاً على جميع من حوله. ولعلّه كان أشدّ وطأة على الجميع من وطأته على نضال نفسه، الذي كان يقوّينا، نحن أصدقاءه، في أيّام مرضه. فقد بدا متصالحاً مع نفسه، وقرّر أن يواجه مرضه بكثير من الحبّ، وذلك بالوقوف أمام الكاميرا، أو خلفها، على المسرح أو بين الجمهور.
كان نضال قد حقّق نجاحاً كبيراً في مسلسل "ضيعة ضايعة 1"، حين اكتشف مرضه، فغادر إلى بيروت حيث قام بإجراءات علاجية، وعاد إلى دمشق، بصوت مبحوح أهلكته الأدوية الكيميائية. كان عليه أن يرتاح وألا يرهق حنجرته، إلا أنّ نضالاً ذهب مباشرة إلى مواقع تصوير "ضيعة ضايعة 2" حيث صوّر مشاهده في ظروف باردة وقاسية جداً، أرهقت حنجرته على ما يبدو، وربما أصابته بانتكاسة مرضية جعلته، ما إن انتهى من تصوير الجزء الثاني، يعود إلى كرسي العلاج، وهناك كان القرار الصعب بإزالة حنجرته نهائياً.
استئصال الحنجرة من شأنه أن يكون نهاية حياة أيّ فنان، إلا أنّ نضالاً أبدى قدرة كبيرة على مقاومة الصمت، فواءم حياته المهنية مع الحالة الجديدة، وتوجّه نحو تنفيذ واحد من أحلامه المؤجّلة بإخراج فيلم تلفزيوني. وكان "طعم الليمون" عن نصّ الفنان رافي وهبي وفكرة حاتم علي. وقد حقّق الفيلم نجاحاً ملحوظاً، وكان فاتحة طيّبة لشروع نضال بتأسيس مرحلة جديدة في حياته الفنية عنوانها الإخراج.
حقّق الفيلم في عرضه الجماهيري نجاحاً كبيراً، وكان نضال قد طلب منّي ومن الصديقة لورا خضير تولّي الجانب الإعلامي والإعلاني. وكصديق مقرّب من نضال، وكلّنا بالمناسبة مقرّبون وأصدقاء شخصيون له، كنتُ أعرف ما الذي يعنيه أن يفتح نضال كوّة نور في جدار الصمت على الفنّ الذي يعشقه.
إنجاز فيلم "طعم الليمون" كان درس نضال سيجري الأبلغ، بأن تكون الأقوى مما أُعِدَّ لك. لكنّ الدرس الأبلغ منه كان في عشق الحياة. فأثناء التحضيرات لعرض الفيلم جماهيرياً، كمحبّ لنضال كنتُ أتهيّب الجلوس معه وحدنا بعد استئصال حنجرته. إذ لم أكن أملك القدرة على رؤية الصوت، الذي ما كان يعني لي إلا الحبّ، وهو يذوي ويذوب في أكثر وقت نحتاجه.
لكنّ الأقدار شاءت أن نكون وحدنا حينها. فحمل إليّ نضال عدداً من العلب، التي اكتشفتُ أنّها تضمّ قطعاً صناعية يستعين بها كبديل عن حنجرته لتغطية الفتحة أسفل عنقه. وبينما كان نضال يستعرضها أمامي كنتُ أنتظر أن ينتهي من عرضها ليقول (إقرأ: ليكتب) لي: "هل رأيت ما الذي حلّ بي؟". لكنّ نضال لم يقلها، بل كان يستعرض الأدوات ليخلص إلى إحساس بالسعادة متأتٍّ من دهشته بقدرة العلم الكبيرة على تعويض ما يفقده الإنسان.
وقتها شعرتُ كم بلغ نضال من فقه الحياة ما لم نبلغه قط. وتذكّرت تلك الحادثة وأنا اقرأ ما كتبته العزيزة سندس برهوم، زوجة نضال، عن أنّ المسرح هو "المكان الذي عشقه نضال، وخشبة المسرح هي المكان الذي حلم أن يموت عليه، وقد عرف نضال أوّل خيبة أمل مع المرض عندما غادره صوته وأيقن أنّه لن يستطيع أن يحقّق هذا الحلم". ومجدداً أستعيد سعادة نضال بحنجرته البديلة. لعلّه وقتها كان يقبض على الأمل من جديد، بأن يحقّق حلمه على المسرح، بما في ذلك حلم الموت هناك.
هكذا حقّق نضال مفاجأته الثانية في مواجهة المرض، فقدّم ثلاثة أدوار تمثيلية بلا صوت، في مسلسلات: "الخربة"، "الأميمي"، "بنات العيلة"، وجميعها كانت من طبيعة الشخصيات التي تستهوي نضال، فلم يحدث فرقاً إن قدّمها بصوت أو بدونه. إذ أنّ جميع أدوار نضال، خصوصا الأخيرة، تعجّ بالأفعال والتعابير الشكلانية أكثر من كونها تجسّد حوارات أمام الكاميرا.
في 11 يوليو/تموزالماضي أُعلِنَ عن رحيل الفنان نضال سيجري. وووري في ثرى مدينته اللاذقية في اليوم التالي. قبلها تمّ تنفيذ وصيته بأن يُسجَّى جثمانه على خشبة المسرح القومي باللاذقية، حيث خطا أولى خطواته الفنية، ومن المسرح اختار أن تكون آخر خطواته في الحياة.
إصابة نضال سيجري بسرطان الحنجرة وقع خبراً صاعقاً على جميع من حوله. ولعلّه كان أشدّ وطأة على الجميع من وطأته على نضال نفسه، الذي كان يقوّينا، نحن أصدقاءه، في أيّام مرضه. فقد بدا متصالحاً مع نفسه، وقرّر أن يواجه مرضه بكثير من الحبّ، وذلك بالوقوف أمام الكاميرا، أو خلفها، على المسرح أو بين الجمهور.
كان نضال قد حقّق نجاحاً كبيراً في مسلسل "ضيعة ضايعة 1"، حين اكتشف مرضه، فغادر إلى بيروت حيث قام بإجراءات علاجية، وعاد إلى دمشق، بصوت مبحوح أهلكته الأدوية الكيميائية. كان عليه أن يرتاح وألا يرهق حنجرته، إلا أنّ نضالاً ذهب مباشرة إلى مواقع تصوير "ضيعة ضايعة 2" حيث صوّر مشاهده في ظروف باردة وقاسية جداً، أرهقت حنجرته على ما يبدو، وربما أصابته بانتكاسة مرضية جعلته، ما إن انتهى من تصوير الجزء الثاني، يعود إلى كرسي العلاج، وهناك كان القرار الصعب بإزالة حنجرته نهائياً.
استئصال الحنجرة من شأنه أن يكون نهاية حياة أيّ فنان، إلا أنّ نضالاً أبدى قدرة كبيرة على مقاومة الصمت، فواءم حياته المهنية مع الحالة الجديدة، وتوجّه نحو تنفيذ واحد من أحلامه المؤجّلة بإخراج فيلم تلفزيوني. وكان "طعم الليمون" عن نصّ الفنان رافي وهبي وفكرة حاتم علي. وقد حقّق الفيلم نجاحاً ملحوظاً، وكان فاتحة طيّبة لشروع نضال بتأسيس مرحلة جديدة في حياته الفنية عنوانها الإخراج.
حقّق الفيلم في عرضه الجماهيري نجاحاً كبيراً، وكان نضال قد طلب منّي ومن الصديقة لورا خضير تولّي الجانب الإعلامي والإعلاني. وكصديق مقرّب من نضال، وكلّنا بالمناسبة مقرّبون وأصدقاء شخصيون له، كنتُ أعرف ما الذي يعنيه أن يفتح نضال كوّة نور في جدار الصمت على الفنّ الذي يعشقه.
إنجاز فيلم "طعم الليمون" كان درس نضال سيجري الأبلغ، بأن تكون الأقوى مما أُعِدَّ لك. لكنّ الدرس الأبلغ منه كان في عشق الحياة. فأثناء التحضيرات لعرض الفيلم جماهيرياً، كمحبّ لنضال كنتُ أتهيّب الجلوس معه وحدنا بعد استئصال حنجرته. إذ لم أكن أملك القدرة على رؤية الصوت، الذي ما كان يعني لي إلا الحبّ، وهو يذوي ويذوب في أكثر وقت نحتاجه.
لكنّ الأقدار شاءت أن نكون وحدنا حينها. فحمل إليّ نضال عدداً من العلب، التي اكتشفتُ أنّها تضمّ قطعاً صناعية يستعين بها كبديل عن حنجرته لتغطية الفتحة أسفل عنقه. وبينما كان نضال يستعرضها أمامي كنتُ أنتظر أن ينتهي من عرضها ليقول (إقرأ: ليكتب) لي: "هل رأيت ما الذي حلّ بي؟". لكنّ نضال لم يقلها، بل كان يستعرض الأدوات ليخلص إلى إحساس بالسعادة متأتٍّ من دهشته بقدرة العلم الكبيرة على تعويض ما يفقده الإنسان.
وقتها شعرتُ كم بلغ نضال من فقه الحياة ما لم نبلغه قط. وتذكّرت تلك الحادثة وأنا اقرأ ما كتبته العزيزة سندس برهوم، زوجة نضال، عن أنّ المسرح هو "المكان الذي عشقه نضال، وخشبة المسرح هي المكان الذي حلم أن يموت عليه، وقد عرف نضال أوّل خيبة أمل مع المرض عندما غادره صوته وأيقن أنّه لن يستطيع أن يحقّق هذا الحلم". ومجدداً أستعيد سعادة نضال بحنجرته البديلة. لعلّه وقتها كان يقبض على الأمل من جديد، بأن يحقّق حلمه على المسرح، بما في ذلك حلم الموت هناك.
هكذا حقّق نضال مفاجأته الثانية في مواجهة المرض، فقدّم ثلاثة أدوار تمثيلية بلا صوت، في مسلسلات: "الخربة"، "الأميمي"، "بنات العيلة"، وجميعها كانت من طبيعة الشخصيات التي تستهوي نضال، فلم يحدث فرقاً إن قدّمها بصوت أو بدونه. إذ أنّ جميع أدوار نضال، خصوصا الأخيرة، تعجّ بالأفعال والتعابير الشكلانية أكثر من كونها تجسّد حوارات أمام الكاميرا.
في 11 يوليو/تموزالماضي أُعلِنَ عن رحيل الفنان نضال سيجري. وووري في ثرى مدينته اللاذقية في اليوم التالي. قبلها تمّ تنفيذ وصيته بأن يُسجَّى جثمانه على خشبة المسرح القومي باللاذقية، حيث خطا أولى خطواته الفنية، ومن المسرح اختار أن تكون آخر خطواته في الحياة.