يكمن سرّ شعبية الراي في خصوبته وتنوّع مؤثّراته. فهو لون غنائي "مخضرم"، نشأ وترعرع في الحضرات الصوفية والزوايا، حيث يجتمع مريدو هذه الطرق في المدن والقرى الجزائرية، خصوصاً في وهران والمناطق الشرقية، التي تُعدّ منبع الراي. كانت مواضيع معظم هذه الأغاني دينية، اتخذت أسلوب "المدائح النبوية"، وكان يُطلَق عليها اسم "الملحون".
إبّان الاحتلال الفرنسي للجزائر في عام 1830، وبعد أن تخلّى الأتراك عن حمايتها، أخذ الجزائريون على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن أنفسهم، فأعلن شيوخ الطرق الصوفية التعبئة العامة، وانطلقت ثورة "الظهرة" في عام 1845 لمواجهة المحتلّين.
في تلك الفترة، بدأ الراي يتحوّل إلى لون من الأغنيات الشعبية، وكان لـ"الشيخ حمادة محمد السنوسي" وأتباعه، المناهضين للاحتلال الفرنسي، اليد الطولى في صناعة أغنيات الشارع في وهران وسيدي بلعباس. لم تقتصر موضوعاتها على المدائح النبوية، بل أخذت تتنوّع مضامينها لتعبّر عن أفكار الثورة ومعاناة السكان، من الفقر والبؤس والمرض، والاعتقالات التعسّفية ومضايقات الشرطة الاستعمارية، ولذلك حرّضت بشكل غير مباشر على الثورة. كان أتباع "الشيخ حمادة" يرتدون اللباس الأبيض الطويل والعمائم، ويغنّون مطلقين صيحاتهم الحماسية في الشارع: "راي، راي"، بمعنى طلب المدد الروحي وسداد الرأي.
اجتمع في حيّ "درب" اليهودي في وهران، موطن الموسيقى، مغنّون من أمثال "رينيت لورانيس" و"سعود الوهراني" و"العربي بن ساري". إلى جوار الحيّ تمتدّ منطقة "سيدي الهواري" البحرية حيث منازل الصيادين، وهناك كان يتجمّع الباحثون عن اللهو من العمال والفلاحين الجزائريين، والمستوطنين الفرنسيين، واللاجئين الإسبان، ممن وفدوا إلى المدينة البحرية بحثاً عن الرزق، جالبين معهم مؤثّرات موسيقى جنوب إسبانيا.
إلى ذلك يشير المؤرخ الفرنسي مارسيل إيميري بقوله: "معظم الثورات التي وقعت في القرن 19 في الجزائر، أُعدّت ونُظّمت ونُفّذت بوحيٍ من الطرق الصوفية، فالأمير عبد القادر كان رئيساً لواحدة منها، وهي (الجمعية القادرية)".
ومع صعود المنظمات الثورية في الجزائر خلال ثلاثينيّات القرن 20، كان الراي قد تلاقح ليرسو على مزيج هجين من الموسيقى البدوية وأغنيات الريف الجبلية، وخرج من خليط لون "الغناوا" الأفريقي، والفلامينكو الإسباني، وأغاني اللهو الفرنسية.
"الشيخ الهاشمي" كان أوّل من سجّل هذه الموسيقى في عام 1906، وأُدخِلَت إليها فيما بعد آلات جديدة مثل "السنثسيزر" و"الساكسو". كما استخدم مغنّو الراي كلمات بذيئة في تلك الفترة، دون تحفّظ، فأطلق على فنّهم اسم "الفنّ الممنوع"، وتعرّض للقمع من الجهات الرسمية لاحقاً، بعد إعلان حكومة الاستقلال. والسبب هو تجرّؤ الراي على انتقاد النظام السياسي والواقع الاجتماعي. لقد عانى الموسيقيون من التضييق، بحجز جوازات سفرهم، كما تعرّض بعضهم للتهديد والخطف والاغتيال، على أيدي مناصرين للجماعة الإسلامية السلفية بالجزائر.
في 29 أيلول/سبتمبر 1994، اغتيل الشاب حسني، مغنّي الراي الأشهر في الجزائر، ثم اختطفت الجماعة نفسها المغني القبائلي معطوب الوناس، واغتيل منتج الراي، رشيد بابا أحمد، في مدينة وهران عام 1995.
كان المنع الرسمي والمحاربة غير الرسمية، من قبل الجماعة الإسلامية، من الأسباب الأساسية، التي ساهمت في تزايد شعبية الراي في الجزائر وخارجها. تضاعفت مبيعات أشرطته، ولقي اهتماماً متصاعداً من قبل الصحافة الأوروبية والعالمية.
بقي الراي على هذه الحالة حتى عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي أعلن انفتاحاً اقتصادياً ليبرالياً اجتماعياً في عام 1979، وكان من نتائج هذا الانفتاح أن اعترفت وزارة الثقافة الجزائرية بالراي كنوع غنائي فلكلوري، يعبّر عن ثقافة المكان. ثم أُقِيمِ أوّل مهرجان لأغنيات الراي في الجزائر في عام 1986، بمشاركة فرقة "راينا راي"، التي تأسّست في سبعينيّات القرن الماضي في مدينة بلعباس بعد استقلال الجزائر. وهي تُعتَبَر أوّل فرقة ذات طابع عالمي لهذا اللون الغنائي.
أما تلقيب مغني الراي بـ"الشاب" فهو "تقليعة" حديثة العهد، تعود إلى بداية الثمانينيّات، إذ أُقِيمَت مسابقة تلفزيونية للمغنّين الشباب في الجزائر، وتمّ تعريف المشاركين بلقب "الشاب". وفاز في تلك المسابقة مغنّي الراي "الشاب مامي"، وانسحب اللقب على مغنّيي الراي جميعهم، في الجزائر والمنافي الأوروبية.
يمكن لمستمعي الراي أن يلاحظوا الأثر العميق للطرق الصوفية ورجالها على هذا اللون الموسيقي، فما زالت كلمات الراي تتغنّى بأقطاب ومشايخ الصوفية، كما هو الحال في أغنية الشاب خالد ذائعة الصيت، "عبد القادر يا بو علَام"، مناجياً المتصوّف الشهير "عبد القادر الجيلاني". وفي الأغنية نفسها: "سيدي بو مدين" أي الشيخ الصوفي "أبو مدين التلمساني"، و"سيدي عبد الرحمن"، المقصود به "الشيخ محمد بن عبد الرحمن الأزهري" الشهير بـ"أبي قبرين".