لا يمكن اختصار أو وضع كافة الأفلام السينمائية اللبنانية في كفة واحدة. الأمر مختلف، الواقع مختلف، الرؤية الفنية للأفلام مختلفة من كاتب لآخر وبين مخرج وآخر!..
أربع نساء يجتمعن ساعة و40 دقيقة في واحد من أكثر الأعمال السينمائية قرباً من الناس أو من يوميات اللبنانيين. "يلا عقبالكن" يفتح السجال مجدداً حول أي سينما نريد، وهل خرجنا من عقدة وواقع أفلام الحرب وأثرها على المجتمع اللبناني؟ لا، بل تداعياتها التي تحاول سحبنا من قمقم المتاجرة بأنفسنا كتّاباً كنّا أو مخرجين أو حتى متلقّين.
شهدت السينما اللبنانية بعد بلوغ اللبنانيين اتفاق الطائف في تسعينيات القرن الماضي، تقدماً إنتاجياً تفوّق على المحتوى أو المضمون. وكأنّ الشاشة تقول نريد الانتهاء من الحرب العبثية التي استمرت 15 عاماً في نماذج وحكايات لم تستطع إلغاء فكرة أو طرح تداعيات الحرب التي صُبغنا بها، بعد ما سُّمي فترة الاستقرار الأمني في لبنان.
جاءت محاولات فيليب عرقتنجي ونادين لبكي وبهيج حجيج وقلة قليلة من المؤمنين بخطّ السينما، لتروي تفاصيل ما خلّفته تلك الحرب في ساعات مصورة، اختلف النقاد بشأنها. فمنهم من قال إنّها تنقل واقع السينمائيين اللبنانيين وهم أبناء وبنات الحرب، الذين ما انفصلوا يوماً عن واقعهم، ومنهم من رضي بها لتكون عبرة لجعل اللبنانيين يخرجون من الأزمة والحروب التي خاضوها وما زالوا حتى اليوم يخوضونها.
لكن يُشهد في المقابل أنّ كل تلك الأفلام طرحت المشكلة وأعطت الحلّ المثالي الذي يقول إنّه علينا الانتماء للوطن، وليس للميليشيا. قمة التناقض كانت تجتمع بين كاتب علماني أولاً ومخرج يشبهه وبين متفرج يحاول أن يكون بطلاً علمانياً بعيدا عن الطائفية والمحاصصة، لكنّه ما يلبث أن يعود لقواعده الطائفية أو السياسية لحظة خروجه من باب السينما!
هذا الغلاف "الحربيّ" الذي أحاط الدراما اللبنانية طوال عشرين عاماً، تأتي اليوم نيبال عرقجي البيروتية لتحاول خلعه، في واحد من أعمالها التي يشهد لها بحرفية نقل واقع يومي نعيشه جميعاً.
خرجت عرقجي من عباءتها واسعاً في فيلم "يلا عقبالكن". فهي بحسب تصريحها لـ "العربي الجديد" درست هذا الفن في باريس، وعاشت هناك وكتبت سيناريو لعشرات الإعلانات التلفزيونية، ذلك يؤكد أنّ تجربتها السينمائية لم تأت من فراغ. فهي كتبت من قبل فيلماً لبنانياً، لكنها اليوم أحبت أن تخيط تجربتها في واحد من أكثر الأفلام اللبنانية جرأة في المضمون وتجسيد الواقع بكل صدق. وبالتالي، التوجه إلى ما يعانيه مجتمعنا بداية من كذب أو الهروب من العزوبية نحو الرغبات.
نجد في الفيلم قصة النسوة الأربع ينشدن مرفأ آمناً للزواج. تالين، أي ندى بو فرحات، تصالحت كثيراً مع فكرة الارتباط ولو الجزئي وتفضل مثلاً الشباب الوسيمين. بينما تذهب صديقتها زينة، أي مروى خليل الطبيبة إلى المثاليات في الحب والحياء من الزواج، ولا يسفر تعارفها بشبّان لنهاية سعيدة، حتى تصاب بالسرطان ثم تُشفى منه وتجد أثناء علاجها الشاب المثالي الذي انتظرته سنوات.
أمّا دارين حمزة التي تلعب دور أخصائية تجميل، تشهد علاقتها بوالدتها جوليا قصّار توتراً بسبب رفضها للزواج بعدما ارتبطت بشاب مصري "أيمن القيسوني" يأتي إلى بيروت خصوصاً لرؤيتها مدة يومين، لكنّها ما تلبث أن تكتشف أنّه متزوج في القاهرة وله أولاد. والرابعة، الكاتبة نفسها، نيبال عرقجي، التي تتعرف إلى رجل متزوج بديع أبو شقرا ويعدها بطلاق زوجته والبقاء إلى جانبها مدى الحياة، لكن تتغير الحسابات عند أول امتحان فيذهب كل شيء هباءً.
حكايات يومية، تؤكد نيبال: "لم أشأ أن أغلّفها بغطاء تجميلي، أردتها كما اكتشفتها بداية مع نفسي أو من خلال علاقتي بوالدتي التي لطالما حدثتني كما تحدث جوليا قصّار ابنتها المفترضة دارين حمزة في الفيلم، ووبّختني من أجل الزواج".
القضية المركزية في الفيلم الجديد، وحول ما إذا كان هجومها على المصريين بداية الفيلم ونعتهم بالكذب، تؤكد عرقجي، أنّ الأمر لا يختصر على المصريين، فاللبنانيون كاذبون أيضاً! وتتساءل، "لماذا تريدني أن أكذب على نفسي، ونحن نتناول كل هذه الأشياء ونقولها في يومياتنا؟ فهل كان عليّ استعمال المواربة في سياق أحداث الفيلم، ووضع المشاهد أمام كليشيه ملّ منه دون قدرة الخروج منه"؟ وتتابع: "لا، على العكس قلت كل ما أريده في الفيلم، وصوّرت ما يحدث في أكثر المنازل اللبنانية والعربية.
كلنا زينة التي تبحث عن الحب المثالي، أو تالين التي لم تعد تعير اهتماماً لعلاقة جدية قائمة على الاحترام فتذهب بنزواتها باتجاه خطير، على الرغم من اقتناعها أنّ ما تفعله تحت حكم الرغبة أو النزوات العابرة. تؤكد نيبال أنّ بعض "الشتائم" في الفيلم كانت لتدل على واقعنا العربي أو اللبناني تحديداً. وتساءلت: "ماذا لو "سبّت" ممثلة أو ممثل؟ فقد أصبح السباب من قاموس حياتنا اليومي. لماذا علينا أن نخبئ ذلك أو نختفي وراء أصابعنا"؟ دون شك، فإنّ كلام عرقجي يبقى وليد صراع نسبي بين المتلقين في فئة ترى أن السباب يخدش الحياء العام.
وفئة ثانية توافق عرقجي كلامها وترى أنّه الواقع ولا يجب تغييره ليصبح مجمّلاً، فيوقعنا في فخ المواربة. فلو رأت عين النقيب شتائم الفيلم ما يخرج عن الأدب لحذفته، لكن لا بأس بها. وتؤكد عرقجي أنّها ستهرب دائماً من قضيتين في طرحها السينمائي للمستقبل. وتشير إلى أنّ هناك طرحين، الحرب والدين. "لذا لاحظت ربما أنّ أبطال أفلامي، أسماؤهم لا تعبّر عن انتمائهم الديني أو السياسي المتعارف عليه في لبنان. نعم، أهرب من كل ذلك، في السيناريو والصور لأنني لا أريد ذلك".
باختصار، يمكننا أن ننظر من نافذة إلى ضوء خافت في السينما اللبنانية بعد "يلا عقبالكن"، إن من خلال القصة والإخراج لإيلي خليفة، التي تعالج قضية زواج الفتيات بطريقة سهلة وبسيطة قد يكون فيها كثير من التحرر الذي يرفضه البعض، لكن مساحة الصدق ستجعله مقبولاً حتى من الممانعين لهذا النوع من الأفلام.
أربع نساء يجتمعن ساعة و40 دقيقة في واحد من أكثر الأعمال السينمائية قرباً من الناس أو من يوميات اللبنانيين. "يلا عقبالكن" يفتح السجال مجدداً حول أي سينما نريد، وهل خرجنا من عقدة وواقع أفلام الحرب وأثرها على المجتمع اللبناني؟ لا، بل تداعياتها التي تحاول سحبنا من قمقم المتاجرة بأنفسنا كتّاباً كنّا أو مخرجين أو حتى متلقّين.
شهدت السينما اللبنانية بعد بلوغ اللبنانيين اتفاق الطائف في تسعينيات القرن الماضي، تقدماً إنتاجياً تفوّق على المحتوى أو المضمون. وكأنّ الشاشة تقول نريد الانتهاء من الحرب العبثية التي استمرت 15 عاماً في نماذج وحكايات لم تستطع إلغاء فكرة أو طرح تداعيات الحرب التي صُبغنا بها، بعد ما سُّمي فترة الاستقرار الأمني في لبنان.
جاءت محاولات فيليب عرقتنجي ونادين لبكي وبهيج حجيج وقلة قليلة من المؤمنين بخطّ السينما، لتروي تفاصيل ما خلّفته تلك الحرب في ساعات مصورة، اختلف النقاد بشأنها. فمنهم من قال إنّها تنقل واقع السينمائيين اللبنانيين وهم أبناء وبنات الحرب، الذين ما انفصلوا يوماً عن واقعهم، ومنهم من رضي بها لتكون عبرة لجعل اللبنانيين يخرجون من الأزمة والحروب التي خاضوها وما زالوا حتى اليوم يخوضونها.
لكن يُشهد في المقابل أنّ كل تلك الأفلام طرحت المشكلة وأعطت الحلّ المثالي الذي يقول إنّه علينا الانتماء للوطن، وليس للميليشيا. قمة التناقض كانت تجتمع بين كاتب علماني أولاً ومخرج يشبهه وبين متفرج يحاول أن يكون بطلاً علمانياً بعيدا عن الطائفية والمحاصصة، لكنّه ما يلبث أن يعود لقواعده الطائفية أو السياسية لحظة خروجه من باب السينما!
هذا الغلاف "الحربيّ" الذي أحاط الدراما اللبنانية طوال عشرين عاماً، تأتي اليوم نيبال عرقجي البيروتية لتحاول خلعه، في واحد من أعمالها التي يشهد لها بحرفية نقل واقع يومي نعيشه جميعاً.
خرجت عرقجي من عباءتها واسعاً في فيلم "يلا عقبالكن". فهي بحسب تصريحها لـ "العربي الجديد" درست هذا الفن في باريس، وعاشت هناك وكتبت سيناريو لعشرات الإعلانات التلفزيونية، ذلك يؤكد أنّ تجربتها السينمائية لم تأت من فراغ. فهي كتبت من قبل فيلماً لبنانياً، لكنها اليوم أحبت أن تخيط تجربتها في واحد من أكثر الأفلام اللبنانية جرأة في المضمون وتجسيد الواقع بكل صدق. وبالتالي، التوجه إلى ما يعانيه مجتمعنا بداية من كذب أو الهروب من العزوبية نحو الرغبات.
نجد في الفيلم قصة النسوة الأربع ينشدن مرفأ آمناً للزواج. تالين، أي ندى بو فرحات، تصالحت كثيراً مع فكرة الارتباط ولو الجزئي وتفضل مثلاً الشباب الوسيمين. بينما تذهب صديقتها زينة، أي مروى خليل الطبيبة إلى المثاليات في الحب والحياء من الزواج، ولا يسفر تعارفها بشبّان لنهاية سعيدة، حتى تصاب بالسرطان ثم تُشفى منه وتجد أثناء علاجها الشاب المثالي الذي انتظرته سنوات.
أمّا دارين حمزة التي تلعب دور أخصائية تجميل، تشهد علاقتها بوالدتها جوليا قصّار توتراً بسبب رفضها للزواج بعدما ارتبطت بشاب مصري "أيمن القيسوني" يأتي إلى بيروت خصوصاً لرؤيتها مدة يومين، لكنّها ما تلبث أن تكتشف أنّه متزوج في القاهرة وله أولاد. والرابعة، الكاتبة نفسها، نيبال عرقجي، التي تتعرف إلى رجل متزوج بديع أبو شقرا ويعدها بطلاق زوجته والبقاء إلى جانبها مدى الحياة، لكن تتغير الحسابات عند أول امتحان فيذهب كل شيء هباءً.
حكايات يومية، تؤكد نيبال: "لم أشأ أن أغلّفها بغطاء تجميلي، أردتها كما اكتشفتها بداية مع نفسي أو من خلال علاقتي بوالدتي التي لطالما حدثتني كما تحدث جوليا قصّار ابنتها المفترضة دارين حمزة في الفيلم، ووبّختني من أجل الزواج".
القضية المركزية في الفيلم الجديد، وحول ما إذا كان هجومها على المصريين بداية الفيلم ونعتهم بالكذب، تؤكد عرقجي، أنّ الأمر لا يختصر على المصريين، فاللبنانيون كاذبون أيضاً! وتتساءل، "لماذا تريدني أن أكذب على نفسي، ونحن نتناول كل هذه الأشياء ونقولها في يومياتنا؟ فهل كان عليّ استعمال المواربة في سياق أحداث الفيلم، ووضع المشاهد أمام كليشيه ملّ منه دون قدرة الخروج منه"؟ وتتابع: "لا، على العكس قلت كل ما أريده في الفيلم، وصوّرت ما يحدث في أكثر المنازل اللبنانية والعربية.
كلنا زينة التي تبحث عن الحب المثالي، أو تالين التي لم تعد تعير اهتماماً لعلاقة جدية قائمة على الاحترام فتذهب بنزواتها باتجاه خطير، على الرغم من اقتناعها أنّ ما تفعله تحت حكم الرغبة أو النزوات العابرة. تؤكد نيبال أنّ بعض "الشتائم" في الفيلم كانت لتدل على واقعنا العربي أو اللبناني تحديداً. وتساءلت: "ماذا لو "سبّت" ممثلة أو ممثل؟ فقد أصبح السباب من قاموس حياتنا اليومي. لماذا علينا أن نخبئ ذلك أو نختفي وراء أصابعنا"؟ دون شك، فإنّ كلام عرقجي يبقى وليد صراع نسبي بين المتلقين في فئة ترى أن السباب يخدش الحياء العام.
وفئة ثانية توافق عرقجي كلامها وترى أنّه الواقع ولا يجب تغييره ليصبح مجمّلاً، فيوقعنا في فخ المواربة. فلو رأت عين النقيب شتائم الفيلم ما يخرج عن الأدب لحذفته، لكن لا بأس بها. وتؤكد عرقجي أنّها ستهرب دائماً من قضيتين في طرحها السينمائي للمستقبل. وتشير إلى أنّ هناك طرحين، الحرب والدين. "لذا لاحظت ربما أنّ أبطال أفلامي، أسماؤهم لا تعبّر عن انتمائهم الديني أو السياسي المتعارف عليه في لبنان. نعم، أهرب من كل ذلك، في السيناريو والصور لأنني لا أريد ذلك".
باختصار، يمكننا أن ننظر من نافذة إلى ضوء خافت في السينما اللبنانية بعد "يلا عقبالكن"، إن من خلال القصة والإخراج لإيلي خليفة، التي تعالج قضية زواج الفتيات بطريقة سهلة وبسيطة قد يكون فيها كثير من التحرر الذي يرفضه البعض، لكن مساحة الصدق ستجعله مقبولاً حتى من الممانعين لهذا النوع من الأفلام.