يحتفل المغاربة بالعاشر من محرم "عاشوراء"، أو يوم زمزم، في مختلف مناطق المغرب، برش الماء على بعضهم البعض عند الاستيقاظ، وبتوزيع الحلوى وطبخة "الكسكس" بالقديد الذي يتم تخزينه من أضحية عيد الأضحى، وإشعال النار، مما يجعلها مناسبة محلية لها خصوصيتها التي تختلف عن نظيرتها في البلدان العربية والإسلامية.
يبدأ الاحتفال بهذه المناسبة منذ مطلع شهر محرم، حيث تمتلئ الأسواق بالتمور والفواكه الجافة، وتعرف بـ"الفاكية" لدى العامة، واقتناؤها هو أحد اللوازم لدى العائلات المغربية، كما يصاحب ذلك شراء هدايا للأطفال، وغالبا ما تكون عبارة عن لِعب، مثل مزامير ومسدسات مائية ودمى، كما يقوم الكبار بتوزيع مبالغ مالية عليهم، وتسمى "حقّ بابا عيشور"، حيث يتجول الأطفال من منزل لآخر مرتدين الأقنعة والأزياء التنكرية، يطلبون الحلوى والفواكه الجافة وذلك بإلقاء السؤال "حق بابا عيشور؟" على من يفتح الباب.
وبحلول ليلة العاشر من محرم، تتجمل النساء بالحلي والزي التقليدي ويخضبن شعورهن بالحناء، وكذا أيديهن وأرجلهن، ثم تخرج الشابات منهنّ إلى الأزقة متباهيات بأزيائهن وبجمالهن، مرددات: "هذا عاشور ما علينا الحكام أللا.. فعيد الميلود كيحكمو الرجال أللا"، في إشارة إلى أن الرجال لا سلطة لهم على النساء والفتيات طيلة عاشوراء، مما يسمح لهن بالغناء والرقص ليالي متتابعة، وعلى الرجال أن ينتظروا انتهاء شهر ربيع الأول، موعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، ليسترجعوا سلطتهم "المنتزعة" من لدن النساء.
بشرى الشتواني من مدينة أكادير وتنحدر أصولها من قرية الكرادة في بني ملال، قالت لـ"العربي الجديد" عن طريقة الاحتفال: "تأخذ الفتيات عادة عظم ركبة كبش أضحية عيد الأضحى، بحيث يخبئنها من يوم سابع العيد ثم يلبسن العظم ثوبا أبيض ويطلقن عليه "بابا عيشور". يوم عاشوراء صباحا، تدفن الفتيات بابا عيشور، ويأخذن الشمع وماء الزهر ثم يرشهنّ على قبور الموتى ويتبعن بنحيب ونديب، ثم يزرن أهل القرية وهن يغنين أغاني للمّ الزكاة المتمثلة في اللحم المقدد، والفواكه الجافة، والبيض، ثم يحضرن العشاء من طبخة الكسكس بالقديد".
في اليوم التالي، كما تشرح الشتواني لـ"العربي الجديد": "اليوم التالي يسمى زمزم. بعد الفجر يرش المحتفلون الماء على بعضهم البعض، وتضع الفتيات والشبان غير المتزوجين الكل، ويقصون قليلا من شعر الرأس كصدقة كي يطول بعد ذلك، إضافة إلى التخلص من الحزن على بابا عاشور، الذي هو كناية عن الحسن والحسين، ثم تلتقي نساء الحي ويغنين أهازيج مثل: "هذا عيشور ما علينا حكام عيد المولد بيحكمو الرجال... وعيشوري عيشوري عليك دليت شعوري... وقديدة قديدة منشورة فوق العواد بابا عيشور مشى يصلي وخداه الواد".
بعد هذه الأهازيج التي عادة ما تصاحبها "الدربوكة" تردف الشتواني: "يأتي توزيع الفاكهة الجافة، حيث تشتريها الأسر خصيصا لهذه المناسبة، وإذا كان في العائلة طفل صغير، يضعونه في طبق كبير، ويرشونه بالفاكهة والمكسرات".
وفي ليلة عاشوراء تشعل نيران ضخمة في الساحات تعرف بـ"الشعالة" أو "تشعالت" بالأمازيغية، سواء في القرى أو داخل المدن، وهي عادة قديمة، إذ يحيط الأطفال والنساء بالنار وهم يرددون الأهازيج التي تحكي أيضا قصة مقتل الحسن والحسين، والتي يشار إليهما في المقاطع باسم "عاشور".
وتستغل النساء هذه المناسبة ليلقين مواد عبارة عن بخور وتعويذات، حتى يضمن بلوغ أهدافهن ويحققن مرادهن إما بالزواج أو إخضاع الزوج لهنّ إلى أن تحل عاشوراء السنة الموالية، وهناك أخريات يرغبن في كسب شَعر جميل وقوي، يدخلن طرفا من شعورهن في خاتم فضي، ويقطعن ما فضل منه، ويرمينه في نار "شعالة".
أما طقوس "زمزم"، فيستيقظ المغاربة مبكراً في صباح اليوم العاشر من محرم، اعتقادا منهم أن من ينشط في هذا اليوم سيكون العام عنده كله نشاطا وبركة، وفي بعض المناطق تبادر الأمهات إلى إيقاظ أهاليهن عن طريق رشهم بالمياه منذ الساعات الأولى من يوم عاشوراء.
وبعد الاستيقاظ، يبدأ الصغار في رش بعضهم البعض بالمياه قبل أن ينتقلوا إلى الجيران وبعدهم المارة عبر الدروب والأزقة، لتبدأ بعدها المطاردات في الشوارع بين الذكور والإناث، ويطلق عليها "التزمزيمة".
وتعود عادة رش الماء في هذا اليوم إلى طقوس في الديانة اليهودية لا يزال اليهود المغاربة يتمسكون بها منذ قرون، حيث يعتقدون أن الماء كان سببا في نجاة النبي موسى في هذا اليوم من بطش فرعون وجنود، في حين يقول آخرون إن الأمر مرتبط بأن الحسين بن علي عندما أمر بالحرب اشتد العطش بالناس، لذلك يستخدم الماء تجسيداً لهذه اللحظة.
اقرأ أيضاً: 6 فنانين عرب رحلوا باكراً