في محاولات فردية للسير على السلف الذي حفظ التاريخ ونقله لأجيال أخرى شفهياً، اختار الممثل السوري بسام داوود، ست حكايات سورية، من مدونة "قصتنا"، ليرويها رفقة الشابة السورية ديما المقداد، إحدى مؤسسات المدونة، في مهرجان للحكاية والحكواتية في أدنبرة، برعاية المركز الاسكوتلاندي للحكاية والراوة.
يقول بسام داوود لـ"العربي الجديد": "ركزنا على الحكايات الإنسانية العابرة لحدود الإيديولوجيا والتحزبات والمواقف السياسية، أردنا مخاطبة الجميع وطرق أبواب أرواحهم بقصص الحنين والحب والآلام والتفاصيل التي لا تهمّ الإعلام أو ربما يعجز عن تغطيتها"
كان للحكايات السورية ست جولات خلال عشرة أيام هي مدة المهرجان، مرتديين اللباس السوري التقليدي، ابتدأ بسام وديما الحكاية الأولى بسيرة عنترة بن شداد، ليدخلا بنقلة درامية الزمن المعاصر من خلال حكاية "النمور في اليوم العاشر" للقاص السوري زكريا تامر.
عبر 40 دقيقة، وباللغتين العربية والإنكليزية، حفاظاً على روح القصة تارة، وللتواصل المباشر مع جمهور الحكاية تارة أخرى، حاول بسام وديما بكتاب الحكواتي وعصاه التي يستخدمها أثناء الرواية لمسرحة ما يهم من منعطفات، نقل بعض من واقع سورية في زمن الحرب التي التهمت كل شيء.
الحكاية الثانية كانت عابرة للحدود، عن شاب سوري اضطر للهجرة من دير الزور إلى تركيا ومن تركيا إلى اليونان، ليلاقي حبيبته التي مشت درب اللجوء ذاته، قبل أن تُعتقل في بلغاريا، وصولاً إلى السويد، مستقرهما الأخير. في هذه الحكاية استعار بسام في لحظات قليلة لغة المسرح، من خلال حركات الجسد تارة، ومن خلال الموسيقى التصويرية الحية التي رافقت الراوي.
الحكاية الثالثة خرجت عن المألوف في التقليد الشعبي، كان على الحكواتية القادمين من بلدان وثقافات مختلفة، أن يحمل كل منهم أكلة شعبية ليتذوقها البقية وهم يسمعون أصل حكايتها، اختار بسام أكلة "المجدرة" (خليط العدس والبرغل)، لسببين، الأول أن غالبية الحاضرين يميلون إلى اتباع النمط النباتي في غذائهم، والثاني ليكون "البرغل" بطل الحكاية.
"البرغل" الذي بدأت حكايته في سورية مع سفر برلك، ولم تنته مع هذه الأيام التي حولتها الحرب الدائرة في البلاد إلى سفر برلك ثانية ربما أشد وطأة، رغب بسام من خلاله إلقاء الضوء على السوريين المحاصرين، حيث يضطرون لابتكار طعام يتلائم وهذه الحرب والفقر الذي أنتجته.
الحكاية الرابعة كانت نسائية، عن أربع سيدات سوريات، حنين واغتراب وأمل وصبر، داخل وخارج سورية، روتها ديمة رفقة عروض أفلام سينمائية قصيرة، عن نساء من إيران.
أما الحكاية الخامسة، فكانت بوحاً تحت عنوان "افتح قلبك"، حيث جلس بسام وديمة رفقة مجموعة من الرواة في قعدة مشتركة سيكون هناك راو مضيف، مهمته أن يرمي المفاتيح الأولى للحكاية، اختار بسام هنا أن يفتح باب الحنين السوري على مصراعيه، سامحاً لهواء الاغتراب أن يعبث بأرواح مستمعيه، كما يعبث اليوم وفي كل لحظة بأرواح مواطنيه السوريين خارج وداخل سورية التي تغيرت.
الحكاية السادسة سافرت إلى جزيرة "بيوت" غرب اسكوتلاندا، بطلب من الأهالي، حيث ينتظرون استقبال عشرين عائلة سورية، تعرف السكان فيها ومن النقاشات التي دارت بعدها، إلى بعض من ثقافة القادمين مستقبلاً.
هنا أيضاً كان لقصة زكريا تامر جولة أخرى، والتي قال راويها بسام داوود لـ"العربي الجديد": "هذه الحكاية مكتوبة في سبعينيات القرن المنصرم، ونبدو وكأننا لا نزال عالقين في هذا الزمن تحديداً، وقع الخيار عليها لأنها تكثف الحكاية السورية الطويلة بذكاء، إذ تتكلم عن ترويض شعب بأكمله".
اقرأ أيضاً: المقابر لا تتسع للمهاجرين