في نهاية شارع "عُمر المختار" الذي يشق مدينة غزّة القديمة الواقعة إلى الشرق من المدينة الواقعة تحت الحصار الإسرائيلي، وإغلاق الجيش المصري، وعلى مشارف حيّ الشجاعية، حَط الأمير المملوكي، شهاب الدين أحمد بن أزفير الظُفردمري، لبِنات"القزمري" الأثري، والذي يعود تاريخُ بنائهِ إلى عام 1360 ميلادية.
واجهة المسجد ذي الصبغة المملوكية تزيَّنت بآيات قرآنية، وزخارف نُقشت بالحجر الرملي، فيما يفوح من جدرانه عبق سنوات وقرون مضت، لتحكي حكاية أحد أبرز وأهم المعالم الأثرية المملوكيّة في قطاع غزة، وتبلغ مساحته نحو 675 متراً مربعاً، وقصف جزء منه خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة عام 2014.
يتكون المسجد من جزء قديم، وآخر حديث، وفي ناحيته الشرقية بُني بيت الصلاة، المزين بالأعمدة الضخمة، والعقود التي تصل بينها والأقواس والقناطر، والجدران التي يبلغ سمكها أكثر من 80 سم، ومجموعة من النوافذ المحفورة في الجدران، على الطريقة المملوكية التقليديّة التراثيّة.
القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة، استهدف الجزء المستحدَث من المسجد، والذي يحوي الخدمات، الأعمدة، المكتبة، المئذنة، إلى جانب الإيوانين الغربيين من الإيوانات الثلاثة الملاصقة لبيت الصلاة. وبلغت مساحة الدمار نحو 70% من مساحة المسجد، أي حوالى ثلاثة أرباع مساحته، وكانت قد بُنيت بالطين والحجارة الضخمة والفخار، وتم سحق قطع تراثيّة وأحجار تاريخيَّة تعتبر من التراث التاريخي الفلسطيني، وتجري الآن إعادة بناء الأجزاء المقصوفة على نفقة أهل الخير.
ويقول مؤذّن المسجد، وعضو لجنة إعماره، ماهر اليازجي، إنّ المسجد مكوّن من ثلاثة أروقة، يتسع كل رواق لـ200 مُصَلٍّ إضافة إلى بيت الصلاة، موضّحاً، أن بناء الإيوانات المقصوفة يتم باستخدام نفس الطريقة القديمة، والأسس الهندسية التي بُني عليها قبل نحو 765 عاماً، وذلك حتّى لا يظهر البناء الجديد كأنه نشاز وخارج من سياق كامل بناء المسجد.
ويشير اليازجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الظفردمري" يعتبر أكبر الأعيان الأثرية المملوكية الإسلامية في غزة، وأن الناحية الغربية تحوي غرفة لرفات الأمير "الظفردمري"، وغرفتين لمكتبة المسجد، تقابلان الإيوانات، التي قصفت مؤخراً، كما يحتوي على مركزٍ لتحفيظ القرآن، ومصلى للنساء في الطابق العلوي.
ويوضح أن المسجد تعرض لعدة حروب، وتأثر نتيجة الانفجارات والقصف، وتم ترميم أجزاء منه، وهو الآن بحاجة إلى ترميم كامل إلى جانب إعمار الجزء المقصوف، باستخدام نفس الأدوات اللازمة للترميم الأثري، لافتاً إلى تقصير وزارتي الآثار والأوقاف والمؤسسات المعنية، وعدم ايلاء أهمية لحماية المسجد الأثري والهام، حيث يحتاج المسجد إلى حوالى 80 ألف دولار لإعادة إعماره، توفّر منها نحو 30 ألف دولار على نفقة المتبرعين.
ويشير اليازجي إلى أهمية العناية بالمساجد الأثرية، وما تحمله من قيمة تراثية، مبيناً الأثر النفسي الطيب الذي يعود على المصلين في مثل هذه المساجد، التي تخلو من الزخارف والألوان التي قد تشد انتباههم، وتوفر لهم جواً هادئاً، تكسوه الطمأنينة والسكون والراحة.
ومع محاولات الاحتلال الإسرائيلي طمس المعالم الأثرية عبر استهداف الأماكن القديمة والأثرية والتراثية، إلا أن عدداً كبيراً ما زال صامداً، يفوح منها عبق التاريخ الفلسطيني، المُحَمَّل بذكريات الحروب والحملات، التي لم تفقد معالم فلسطين هويتها.