لم تمر عودة الشاب التونسي أنور بيوض، الذي يقاتل في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) برفقة زوجته، على متن طائرة تركية إلى تونس، بهدوء، فقد أثارت ردود فعل متباينة بين التونسيين، بسبب المعاملة التي حظي بها "الإرهابي"، ذو النسب العسكري.
وعلى عكس ما يلقاه "الداعشيون" من تضييق ومطالب بتطبيق عقوبة الإعدام، فإن بيوض جاب المطار بأريحية كبيرة لاقتناء الهدايا، دون قيد أو عزل، قبل أن يتم نقله إلى قسم الأمراض النفسية بالمستشفى العسكري بعد إشعاره بنبأ مقتل والده على يد عناصر من تنظيم "داعش".
نقل بيوض إلى المستشفى العسكري، وإصرار والدته في تصريحات متفرقة على أنه "ضحية" أثار موجة من التعاطف والنقمة في آن واحد. ولم تتوحد الآراء كما كانت عليه سابقا في الإدانة والاستنكار واعتبار الإرهابي العائد من بؤر التوتر مجرماً ينبغي تسليط أشد العقوبات عليه، بل سارع كثيرون لتبرئته واعتباره ضحية، متمسكين بقرينة البراءة، ومذكرين برغبته في الاعتراف والندم البادي عليه.
كما ضجت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بهذا الخبر، وأعادت طرح السؤال حول مسببات انضمام بيوض لتنظيم "داعش"، رغم أنه كان مدللا ويعيش حياة مترفة، ولم يعرف التهميش والتفقير والوصم الاجتماعي.
الأخصائي النفسي، عربي النفاتي، عزا في حديث لـ"العربي الجديد" حالة الارتباك التي تسود الشارع التونسي تجاه العائدين من بؤر التوتر، خصوصاً حالة الإرهابي بيوض إلى عاملين أساسيين: أولهما، تواتر الأنباء المتعلقة بالإرهاب، مما جعل تقبلها أقل حدة من ذي قبل، بالإضافة إلى غياب عنصر الصدمة الذي كثيرا ما رافق الحديث عن الإرهاب. إذ اقترن شهر رمضان منذ أربع سنوات بحدوث عمليات إرهابية وما يتبعها من صدمة. في حين جاءت عودة بيوض في وقت يشعر فيه التونسيون بالانتصار على الإرهاب، في ظل مرور شهر رمضان دون أحداث إرهابية.
وشرح المختص في علم نفس الأزمات، لـ"العربي الجديد" أن ردة الفعل تجاه عودة بيوض لا تعني بتاتاً "التطبيع مع الإرهاب" أو تقبّله، وانما تعود إلى عدم وجود صدمة مرافقة للنبأ، وهو ما دفع التونسيين للتفكير في الظاهرة وفي أسباب التحاق بيوض بـ "داعش". واعتبر أن الأسباب التي قد تدفعه لذلك غير الوضع الاجتماعي عديدة من بينها نشأته، والتربية العسكرية التي تلقاها والتي من الوارد أن تكون قد أثرت على نفسيته.
ويعلق عالم الاجتماع والباحث في الظاهرة السلفية، جهاد الحاج سالم، في حديث لـ"العربي الجديد" على ذلك قائلاً إنّ الفقر والجهل والوصم الاجتماعي عوامل قد تتوفر كلها لتكون مساراً لانضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية، فيما يكون التحاق الشباب من طبقات اجتماعية أخرى بسبب تكوينها النفسي والاجتماعي عاملاً هاماً يدفعها للتطرف.
واعتبر جهاد الحاج سالم، أن التباين في الآراء الذي تشهده تونس أقرب ما يكون إلى ظاهرة صحية، بحيث تجاوز التونسيون عتبة الثنائية المعيارية بين الاتهام والتبرئة، وبدأوا يضعون مسافة بينهم وبين الأحداث، ما سيمكنهم من طرح السؤال الحقيقي، وهو لماذا انضم بيوض إلى "داعش" رغم ظروفه الاجتماعية المترفة وتربيته الجيدة وقربه من والديه؟ وهو ما سيفتح الباب أيضاً لإعادة تقييم العلاقات ونموذج التربية، وهي خطوة هامة لوضع الأصبع على الداء والانخراط الحقيقي في معالجة الظاهرة.
وقال إنّ "التعاطي الإعلامي والرسمي وحتى الشعبي مع الظاهرة يجب ألا يؤثر على الظاهرة، حتى وإن تواترت الاتهامات لعلماء الاجتماع بتبريرهم للإرهاب بالفقر والتهميش"، مشدداً على أن العلوم الإنسانية، خصوصاً علم الاجتماع يدرس الظاهرة ويحللها في إطار مسار كامل لمعالجتها وفهم أبعادها ولا يعنيه تبرئة أو اتهام أي فئة اجتماعية.
يذكر أن النيابة العمومية التونسية أصدرت الاثنين بطاقتي إيداع بالسجن في حق بيوض وزوجته فرح بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي.