بات قطاع التعليم عموماً، ومدارس الأطفال خصوصاً، من بين الأكثر تأثراً وتضرراً بسبب كلّ ما يحدث في أفغانستان. ولا يتعلق الأمر بالحرب وحدها، بل أيضاً الأعمال الانتقامية بين أطراف الصراع في البلاد، ما يضر بالمدارس أكثر من أي شيء آخر. وليس غريباً أن تسمع خبراً بشأن إغلاق مدارس عدة من قبل مسلحين، بعدما رفضت السلطات الإفراج عن قيادات لهم أو بعد عملية نفذتها قوات الأمن وقتلت عناصر منهم.
كذلك ليس غريباً أن تغلق القوات المسلحة المدارس من أجل تنفيذ عملية ضد المسلحين أو بذريعة تهديدات أمنية. وثمة ظاهرة ثالثة هي إغلاق المدارس للحصول على المال من قبل المسؤولين المحليّين. أحياناً، تغلق التنظيمات المسلحة المدارس حين لا ترضخ السلطات لمطالبها بعيداً عن الإفراج عن القادة والعناصر، كتعيين أساتذة موالين لها، أو فرض مناهج ومواد خاصة. وقد تعمد إلى إغلاقها من دون مبرر، لمجرد أن المناهج غير إسلامية، على غرار ما فعل تنظيم داعش في شرق أفغانستان.
في بداية الشهر الماضي، أعلنت الإدارة المحلية في إقليم ننجرهار إغلاق 600 مدرسة قبل بدء الإجازة السنوية، بعدما هدد التنظيم باستهدافها، وقد نفذ تهديداته بدعوى أن القوات الأميركية تستهدف مسلحيه في مناطق سيطرته، وأن تلك المدارس تعتمد مناهج أميركية وغير إسلامية. وبعدما حذّر التنظيم الآباء والأمهات من إرسال أولادهم إلى المدارس، أعلنت الحكومة المحلية إغلاقها، حتى خلال الاختبارات السنوية. وليس معلوماً إن كانت ستُفتح بعد الإجازة السنوية أم لا، لأن تهديد داعش ما زال قائماً.
وفي الشمال، أعلنت حركة "طالبان" إغلاق 23 مدرسة في إقليم تخار (شمال أفغانستان)، بعدما رفضت السلطات المحلية الإفراج عن قيادي فيها، وهو مسؤول التعليم في إدارتها المحلية ويدعى أمير محمد مزمل. في هذا السياق، يقول مسؤول إدارة التعليم المحلية في الإقليم المهندس سميع الله أبد يار، إن مسؤول التعليم في الحركة على مستوى الإقليم، وهو قيادي فيها، اعتقل من قبل قوات الأمن، خلال عملية مسلحة. وطلبت الحركة الإفراج عنه غير أن الحكومة رفضت ذلك المطلب، ولجأت الحركة إلى إغلاق المدارس.
ويوضح المسؤول أن الحركة سعت من خلال وساطة قبلية إلى إقناع الحكومة المحلية بالإفراج عن المسؤول. لكن عادة ما لا تفعل الحكومة ذلك، فلجأت إلى خيارات أخرى ومنها إغلاق المدارس. وفي التفاصيل، فإن ثلاثا من تلك المدارس تقع في مديرية ينغي كلا، و4 منها في مديرية خواجه بهاؤ الدين. وفي مديرية درقد، أغلقت 15 مدرسة. أما خواجه غار، فأغلقت فيها مدرسة واحدة. والأخيرة التي تشكل خط النار الأول بين طالبان والحكومة وتشهد معارك شرسة بين الطرفين، كانت قد أُغلقت فيها مدارس كثيرة من قبل بسبب الحروب الطاحنة. ويذكر أبد يار مسؤول التعليم في الحكومة المحلية أن "حركة طالبان طلبت من مسؤولي المدارس في مديرية نمك أب إغلاقها من دون ذكر السبب، لكن المدارس صمدت حتى الآن، وإن كانت تخشى المسلحين".
من جهته، يقول الزعيم القبلي في مديرية خواجه غار سيف الرحمن إن إغلاق المدارس خطوة أخطر من أي شيء آخر، إذ إنها محاولة لتدمير مستقبل البلاد وبطريقة ممنهجة. ويوضح أن هذه ليست أول مرة يقدم المسلحون فيها على إغلاق المدارس، وقد فعلوا ذلك سابقاً وسيفعلونه في المستقبل، ما يعني أنّه لا أهمية للمدرسة ومستقبل البلاد. بالتالي، هم يغلقون المدارس لأي سبب وأحياناً من دون سبب. ويؤكد أنّ إغلاق المدارس في أفغانستان لا يكون بالصدفة، بل يحصل بطريقة ممنهجة، "فالأعداء يدمرون بلادنا بوسائل مختلفة، منها إغلاق المدارس، لأنه تدمير للمستقبل، وقضاء على الأمل فيه". ويشير إلى أن عملية إغلاق المدارس تحدث أحياناً لأسباب تافهة.
وكان الناطق باسم الحكومة المحلية في تخار سنت الله تيمور، قد أعلن مؤخراً إغلاق سبع مدارس في مديرية دينغي كلا. وذكر أن أربع مدارس أغلقتها طالبان من دون أي مبرر، بينما ثلاث أخرى أغلقت أبوابها بسبب المعارك في تلك المناطق بين طالبان والحكومة.
وتكمن الخطورة في كون الأمر لا يقتصر على إقليم دون آخر، وقد شمل أقاليم عدة، خصوصاً تلك النائية، والتي تعاني من أوضاع أمنية متردية. واللافت أن في معظم مناطق أفغانستان، تكون العطلة السنوية في موسم الشتاء، ويكون الوضع هادئاً نسبياً. ومع بدء العام الدراسي، تبدأ الحرب وتعلن طالبان عمليات الربيع، وبالتالي تتعرض المدارس لمخاطر جمة.
ليس الإغلاق وحده المعضلة الأساسية، بل هناك تقارير تؤكد أن المدارس بعد الإغلاق، خصوصاً في المناطق التي تعاني من الحروب، تصبح مراكز إما للجيش الأفغاني أو للمسلحين. وتكرر الأمر في أحيان كثيرة، وفي مديريات إقليم ننجرهار شرق البلاد، حيث الحرب بين الجيش ومسلحي "داعش".