يعيش أهالي سيناء أوضاعاً مأساوية يفرضها النظام الحالي، على خلفية المواجهات المسلحة ما بين الجيش المصري وتنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وقد ازدادت معاناة الأهالي خلال العامين الماضيين، لا سيما مع النقص الحاد في الخدمات الأساسية، من قبيل انقطاع الكهرباء بشكل مستمر وانقطاع المياه بالرغم من عمل المحطات. وتتفاقم الأزمة مع غياب التنمية الحقيقية في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة.
ويأتي انقطاع الكهرباء والمياه، الذي قد يكون مقصوداً، في ظل ارتفاع في درجات الحرارة التي تشهدها مصر بشكل عام، وتحديداً في المناطق الصحراوية. وانقطاع الكهرباء قد يستمر لساعات يومياً، أما المياه فتجدر الإشارة إلى أنها محلاة وتستخدم لغير أغراض الشرب والطهو.
في سيناء اليوم، يناصب النظام الحالي العداء لأهالي المنطقة. ويقول أحد أهالي مدينة الشيخ زويد رافضاً الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقات الأمنية، إن الأوضاع في سيناء باتت أسوأ من السابق، مع تجاهل احتياجات السكان الأساسية. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه لا يمكن تحمل الوضع أكثر من ذلك. الأهالي كانوا قادرين على تحمّل انقطاع الكهرباء والمياه، لكن الأمر أصبح لا يطاق في ظل ارتفاع درجات الحرارة". ويطالب الجهات المعنية بإيجاد الحلول، مؤكداً أن انقطاع الكهرباء والمياه هو أمر متعمّد، وليس ناتجاً عن أعطال أو ما شابه، خصوصاً أن محطات الكهرباء والمياه ما زالت تعمل بشكل طبيعي.
ويلفت إلى أن الأهالي يعيشون من دون مراوح أو تكييف لساعات طويلة، محذراً من مغبّة الاستمرار في مثل هذه السياسات الإقصائية لأهالي سيناء. بالنسبة إليه، الأمر يعني أن "الجميع في سيناء مواطنون من الدرجة الثانية، وربما أقل بكثير".
اقرأ أيضاً: "شيشة دليفري" في الإسكندريّة
وكان محافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور قد أعلن قبل فترة الانتهاء من حصر مباني ومنشآت المرحلة الثالثة من المنطقة الحدودية في رفح تمهيداً لإخلائها، وهو ما يعرف بـ "المنطقة العازلة". ومن المقرر أن تزيد مساحة المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة إلى أكثر من 1500 متر تقريباً.
وكانت الحكومة المصرية برئاسة إبراهيم محلب وبعد موافقة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، قد أقدمت على إقامة منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة، بهدف مواجهة الإرهاب والتنظيمات المسلحة. لكن هذه الإجراءات لم تؤثّر على تنظيم "ولاية سيناء"، بل كان الأهالي الأكثر تأثراً، وخصوصاً أولئك الذي يعيشون في مدينة رفح المصرية.
ويوضح حرحور: "عملنا على حصر 1215 منزلاً و40 منشأة حكومية في هذه المرحلة الجديدة، ويجري العمل على تحديد القيمة التعويضية للمباني"، مضيفاً أنه مساعدات مالية سوف تصرف لأصحاب المهن والحرف التي تضررت بسبب الإخلاء، ومن بين هؤلاء أصحاب المصالح الاقتصادية التجارية والحرفية المرخصة والعمال.
وبالرغم من مرور الوقت، لم يحصل الأهالي كلهم على تعويضات المرحلتين الأولى والثانية من عمليات التهجير القسري حتى الآن. كذلك أعلن عن الانتهاء من صرف تعويضات المرحلة الأولى وقيمتها 286 مليون جنيه (نحو 37 مليون دولار أميركي) عن 837 منزلاً، والمرحلة الثانية مع نحو 370 مليون جنيه (حوالى 45 مليون دولار) عن 1220 منزلاً، بالإضافة إلى صرف تعويضات المرحلة الثالثة بعد الانتهاء من إخلائها. والغريب في كلام محافظ شمال سيناء هو صرف تعويضات المرحلة الثالثة من التهجير بعد الإخلاء. ويطرح السؤال: ما هو مصير الأسر المهجرة التي لا تملك المال؟
في موازاة ذلك، كان تنظيم "ولاية سيناء" قد تبنّى استراتيجية قبل بضعة أشهر تمّ تفعيلها خلال الأيام الماضية، إذ عمد إلى التوسّع في استهداف الجرافات والمعدات الخاصة بعمليات هدم المنازل، في إطار خطة التهجير القسري للأهالي. وقبل فترة، أعلن التنظيم استهداف آليات وجرافات تابعة للجيش تستخدم في أعمال الحفر وهدم المنازل ضمن مخطط تهجير أهالي سيناء.
في السياق، يقول الخبير الأمني محمود قطري إن "التنظيم المسلح كان يغيّر ويعدّل خططه واستراتيجياته خلال الفترة الماضية، خصوصاً مع استغلال تطور قدراته وعدم تقدم قوات الجيش والشرطة في مواجهته". يضيف لـ "العربي الجديد" أن التنظيم يقدّم نفسه على أنه حامي الأهالي وحائط الدفاع عنهم، من خلال محاولة تعطيل أعمال المرحلة الثالثة من إخلاء الشريط الحدودي. يضيف أن "النظام الحالي واستراتيجية الجيش والشرطة في سيناء تعطي فرصة لعمل هذا التنظيم الإرهابي، من خلال التضييق على الأهالي وزيادة معاناتهم". ويشدد على أن "التنظيم يحاول توجيه أسلحته لأهداف أكثر سهولة من الكمائن أو المقرات العسكرية والأمنية، في محاولة لتكبيده خسائر فقط، لأنه يدرك جيداً أن تلك العمليات لن توقِف عمليات إخلاء الشريط الحدودي". ويشير إلى أن "عمليات الجيش والشرطة لا بد أن تكون مؤثرة بدلاً من الاستهداف العشوائي أو قصف منازل أو ما شابه"، مطالباً بضرورة وجود خطط للتحرك الميداني، فضلاً عن مصادر معلومات بمساعدة أبناء القبائل وشيوخها.
اقرأ أيضاً: خدمة مدنية بدل العسكرية تغضب شباب مصر