"حقوق الطفل" وكل هذا الجدل في الأردن؟
لم يحظ مشروع قانون في الأردن بجدل ونقاش كاللذين حدثا مع مشروع قانون حقوق الطفل لسنة 2022. ولم يقتصر الأخذ والرد بشأنه داخل الأردن، بل تعدّاه خارج الحدود، ليدلي كثيرون بدلوهم ما بين فريق مناهض وآخر مناصر للقانون ووجاهته، بل أفردت وسائل إعلامية دولية مساحات واسعة لتغطيته، ونقل ذلك الحوار المحلي الساخن إلى شاشات دولية وإقليمية.
عملياً، ليس مشروع القانون جديداً على المشهد الأردني، إذ سُحبه أول مرة عام 2016 بسبب الجدل الذي سبّبه يومها، والذي يبدو أنه ما زال قائماً، وبحدّة عالية تعكس تشدّداً كبيراً بات يسيطر على الشارع الأردني. صحيح أن للتيار المحافظ دينياً واجتماعياً اليد الطولى، لكن الأردنيين والأردنيات يصنّفون أنهم أكثر انفتاحاً وذوو مستويات عالية في نسب التعليم، نساءً ورجالاً، وهو مجتمع شابٌّ في المجمل.
يُفهم تماماً الاحترام البالغ للقيم الدينية والاجتماعية، بل نتفق معها كثيراً. وتُفهم الحساسية بشأن قوانين العقوبات أو الأحوال الشخصية مثلاً، حيث يُستند في كثير من بنودهما إلى النصوص الدينية. ولكن ليس من المعقول أن يُساء فهم قانون مخصّص لفئة الأطفال في المجتمع الذي يعمل الجميع لصون حياتهم وحمايتهم وتوفير معيشة آمنة لهم، خالية من العنف والإهمال، وهم فئة كبيرة في المجتمع الأردني، تصل نسبتها إلى 40% من السكان دون سن 18 عاماً، أي حوالى 4.2 ملايين طفل وفتى، وفق دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2021. ووفقاً للدراسة نفسها، تعرّض حوالى 50% من الأطفال للإيذاء الجسدي من الوالدين أو الأوصياء القانونيين ومعلمي المدارس والأشقاء، فضلاً عن تزايد التنمّر على شبكة الإنترنت.
ليس من المعقول أن يُساء فهم قانون مخصّص لفئة الأطفال في المجتمع الذي يعمل الجميع لصون حياتهم وحمايتهم وتوفير معيشة آمنة لهم، خالية من العنف والإهمال
للأسف، تلاعب بعض من يناهضون هذا القانون، وخلطوا، قصداً أو دون قصد (لا فرق) بين مشروع القانون و"الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل" التي تحفّظت الحكومة الأردنية أصلاً من بنود عديدة فيها مثيرة للجدل، مبرّرة ذلك بـ"مراعاة للخصوصية الأردنية"، مثل المواد 14 و20 و21 التي تتعلق بالتبنّي وحرية اختيار الدين. والمفارقة أن هذه الحجة "محاولات التدخل في دين الطفل وتنشئته بشكل يخالف الدين ويشجع الطفل على ترك ديانته" من الحجج التي يثيرها مراراً وتكراراً التيار المناهض لمشروع القانون أساساً!!
سيق سؤال غير بريء بشأن الاتفاقية ومشروع القانون، لكنه في محله: كيف لجهاتٍ دولية تسوّق لنا هذه المفاهيم الحمائية "التي نملكها أصلاً في منظومتنا العربية"، وتصم آذانها وتشيح بصرها عن تجويع الأطفال في اليمن، قتل الأطفال بالبراميل في سورية، من الحروب والإهمال في ليبيا وغيرها في دول عربية كثيرة؟! وذلك صحيح. لكن ما المانع من أن يستمتع الأطفال العرب في الدول التي نجت من تلك المآسي، ومنها الأردن، بالحماية والرعاية وأماكن التنزه والحماية من الإتجار بالبشر والتحرّش الإلكتروني... وغيرها الكثير التي تضمّنتها نصوص المشروع؟!
وصل الجدل بشأن القانون أخيراً إلى البرلمان وأعضائه الذين جرت تعبئتهم بالجدل خارج البرلمان أصلاً. وتبيّن اتجاهان: اتجاه معارض، يدّعي أنه مخالف للمنظمة الدينية والأخلاقية لمجتمعنا العربي المحافظ، واتجاه مدافع عن القانون، يؤكّد أن نصوص القانون بالمجمل تتسق مع المبادئ الحقوقية التي يجب أن يتمتع بها الجميع، بغضّ النظر عن الجنس أو العمر أو أي خلفيةٍ دينيةٍ أو اجتماعية أو عرقيةٍ مختلفة.
هناك مسؤولية مشتركة لحماية الأطفال، يجب أن يتصدّى لها المجتمع بجدّية
حاول مجلس النواب، عبر لجنتين مشتركتين، فتح باب ثالث آمن للخروج بحلّ توافقي يفضي إلى إقرار القانون وحسم الجدل بشأنه، وعدّل أعضاؤهما نصوصاً عديدة، كما قال رئيس اللجنة القانونية النائب المحامي عبد المنعم العودات: "يتماشى مع ديننا الإسلامي الحنيف والدستور الأردني وقانون الأحوال الشخصية، والنظام العام"، وهو ما جرى فعلاً في نصوص عديدة، حيث ربط الموافقة عليها بنصوص قوانين أخرى والنظام العام، ووفقاً لعمر الطفل، مثلاً الحق في الرأي والتعبير. وفي كل الأحوال، الكرة اليوم في ملعب النواب، فإن أرادوا تحقيق مصلحة الطفل تحت مظلّة دينية وأخلاقية تحترم السياق الاجتماعي الأردني، عليهم بذل الجهد لتحسين نصوص المشروع وإقراره لما فيه مصلحة أطفالنا وأسرهم ومن يرعونهم، لا فرق.
هناك مسؤولية مشتركة لحماية الأطفال، يجب أن يتصدّى لها المجتمع بجدّية، مع تزايد نسب العنف والتنمّر تجاه الأطفال وجاهياً وإلكترونياً، وهو الغول الأكبر حالياً، وعلى الدولة بكل مؤسساتها أن تضمنها عبر تشريعاتٍ حازمةٍ وصارمة، تحرص على سلامة الأطفال، سواء من يعيشون في كنف أسرهم وعائلاتهم، أو من ترعاهم مؤسسات خاصة أو رسمية أو من تتولى أسر حاضنة تلك المسؤولية.