أبو الغيط شاهداً على نفسه

14 مارس 2016

أحمد أبو الغيط .. ظل باهت لآخرين (24 فبراير/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
عمل أحمد أبو الغيط في الدبلوماسية المصرية 47 عاماً، كان في السبعة الأخيرة منها وزيراً للخارجية. عبثاً حاول في مذكّراته التي أصدرها قبل ثلاثة أعوام أن يُؤشر إلى منجزٍ مهم له في أيٍّ من وظائفه التي تولاها، منذ بدأ يتسلّم مواقع متقدمة في جهاز السياسة الخارجية لبلاده في 1974، لم يجد شيئاً يعتدّ به، وإنْ حرص على تظهير نفسه وطنيّاً مصرياً، وغير محبٍّ للسياسة الأميركية. وباستثناء حكاياتٍ عن وقائع أوردها في ثلاثة عشر فصلاً (زادت عن 500 صفحة!)، لا يقع قارئ المذكّرات على ما له قيمة خاصة، وأهمية معتبرة، في كل هذه الصفحات. وفي غير مطرح، لا يجد هذا القارئ نفسه مضطرّاً للتسليم بما ينسبه الرجل لنفسه من مواقف (وأدوار؟)، لا تكذيباً لشخصه، وإنما لضعف مصداقيّته العامة، ومن ذلك أنه كان متفقاً مع رئيس المخابرات المصرية، عمر سليمان، على عدم توريث الرئاسة لجمال مبارك، الأمر الذي لا يزيد أحمد أبو الغيط في الطنبور وتراً بشأنه، عندما يكتب أن الجيش المصري كان يرفض التوريث. وإذا كانت هناك مساحةٌ للاتفاق معه في أن وزير الخارجية في مصر بعد ثورة 1952 كان مجرّد منفذٍ للسياسة الخارجية التي يرسمها الرئيس، إلا أن ذلك لا يعني غياب الهوامش (الواسعة أحياناً) التي في وسع وزير الخارجية، صاحب الكفاءة والشخصية القويّة، أن يصنعها لنفسه ولحركته ولاجتهاداته وخياراته، ضمن المنظور العام للدولة المصرية. وثمّة شواهد على هذا، فقد لمع وزراء خارجية مصريون في أدائهم، وفي حيويتهم، وفي المساحات التي نجحوا في انتزاعها لعملهم. والمؤكد أن أبو الغيط لم يكن أحدَهم.
كان صاحبنا حريصاً على تأكيد هذه (الحقيقة؟) في مفتتح مذكّراته، وأوضح، أيضاً، أن دوراً كبيراً في التأثير على الرئيس حسني مبارك في شؤونٍ سياسيةٍ خارجيةٍ لعبه مستشاره السياسي أسامة الباز، في مرحلةٍ غير قصيرة. كما أفاد أن نفوذاً كبيراً بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا في 1995، صار للمخابرات في أجهزة الدولة المصرية ومؤسساتها، وتالياً أصبح لمدير المخابرات، عمر سليمان، دور كبير وحاسم في السياسة الخارجية، وفي تنظيم العلاقات مع الخارج، بشأن فلسطين والولايات المتحدة وأفريقيا، ومع معمر القذافي وعمر البشير أيضاً. وإذ يتحدّث أبو الغيط عن تنسيق وتفاهم كانا بينه وبين سليمان، إلا أنه أظهر الأخير صاحب القول الأهم في ملفاتٍ حسّاسة. وإذا كان يبدي (لقراء مذكّراته!) تبرّماً من انكفاء حسني مبارك عن المشاركة في قممٍ مهمة، في الأمم المتحدة وأفريقيا، ما أبعد مصر، إلى حد كبير، عن قلب الأحداث، (بحسب قوله)، فإن سؤالاً سيكون مسوّغاً، ما إذا كان السيد الوزير قد خاطب مبارك، أو محيطه، عن ذلك، أم أنه آثر بقّ البحصة بعد خلع المذكور في ثورةٍ، لم يفلح أبو الغيط في التعمية على نفوره منها.
كتب أن الهاجس الأمني والملل الرئاسي وتقدّم السن كانت عوامل أقوى من أي محاولات لإعادة الرئيس إلى قلب الأحداث. وكتب أنه كان يتابع "بإحباط كبير" ذلك. وكتب أشياء أخرى، لم يكن منها ما جاء في مذكّرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، أنه أبلغها خشيتَه من حكم إسلامي، يتولّى السلطة بعد مبارك، لأنه لا يريد أن ترتدي حفيدتاه الحجاب كما يحدث في السعودية، بل يريدهما أن تكونا كما جدّتهما، وكما هيلاري نفسها. لم يكن ممكناً أن يتباسط أبو الغيط مع قراء مذكّراته إلى هذا الحد، وقد نُشرت حلقاتٍ في صحيفةٍ سعوديةٍ كبرى، قبل صدورها في كتاب.
لمّا كان الرجل وزيراً للخارجية في مصر، وهي دولة مركزية، كان ظلاً باهتاً لآخرين، على ما توضح شهادته، فيما كانت مرجلاته على الغزّيين. ولذلك، لم يكن غريباً أن لا يشتهر بين جموع المواطنين العرب بغير إقالته عثرة تسيبي ليفني في القاهرة. أمّا وقد صار أميناً عاماً لجامعة الدول العربية التي تساءل الملك الحسين، قبل 26 عاماً، عمّا إذا كانت موجودةً حقاً، فليس مرتقباً غير أن يكون أصغر ممّا كان، وأكثر شحوباً، في مطرحه الجديد.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.