أضاعت عربة "يونيفيل" طريقها فانهالت الرسائل
انتشر فيديو لحادثة التعرّض لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان في بلدة العاقبية، وراح ضحيتها جندي إيرلندي وثلاثة جرحى، إصابة أحدهم خطرة، ليل الأربعاء 14 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. ويظهر الفيديو اعتداء الأهالي المنتمين إلى حزب الله على آلية عسكرية لجنود حفظ السلام بالشتائم وإطلاق النار، وبعدها جرت مطاردتهم.
مهما اختلفت الروايات بشأن ما حدث في منطقة العاقبية في جنوب لبنان، ورغم عدم ثقة القضاء الإيرلندي بالتحقيقات اللبنانية التي تجري، والتي لم تستطع حتى الساعة أن توقف ولو شخصًا واحدًا رهن التحقيق، حتى أرسل فريقًا من المحقّقين الإيرلنديين وصل إلى بيروت لمباشرة التحقيق وكشف ملابسات الحادث، يبقى الأكيد أن هناك مجموعة رسائل توجهت ووصل مضامينها إلى من يجب أن يتلقاها.
قد يكون هناك دوافع كثيرة وراء الجريمة أو ربما يكون حادثًا فرديًا بين أهالي المنطقة وقوات "يونيفيل"، لكن الرصاص الذي انهال على سيارة القوات الدولية، وأسفر عن مقتل الجندي الإيرلندي، حمل معه رسائل سياسية وتحذيرية على أكثر من صعيد وفي الاتجاهات كافة.
لا يضع متابعون كثيرون تلك الجريمة في إطارها الفردي أو ردة الفعل، بقدر ما يربطونها بسلسلة من تطورات سبقت الحادث في لبنان والخارج، الأمر الذي يظهر أن المنطقة ذاهبة حتمًا نحو التصعيد، رغم ما حمل معه شهر المونديال في قطر من هدوء نسبي على أكثر من جبهة.
تزداد المسألة اللبنانية تعقيدًا، خصوصًا أن أفرقاء الداخل ينتظرون الانفراج على المستوى الإقليمي
صفّر الحكم نهاية المباريات في كرة القدم، وتبعت ذلك سلسلة من الاحتفالات لتسليم الكأس لمنتخب الأرجنتين الذي فاز على فرنسا في المباراة النهائية، أما صفارات الإنذار فقد دوّت في سماء لبنان بعد تعثر الوصول إلى حلول جديّة لأي أزمة، تحديدًا إلى اسم لرئاسة الجمهورية التي لم يزل كرسيها شاغرا، منذ مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا ليل 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ترى مصادر متابعة أن اتهام وزير الدفاع والخارجية الإيرلندي، سايمون كوفني، بيئة معادية بالاعتداء، من دون أن يقصد أهالي الجنوب، إشارة إلى ارتباط الحادث بقوى الأمر الواقع. وليس الإيرلندي وحده من دان الحادث وصوّب الاتهام إلى حزب الله، ولو بطريقة غير مباشرة، فالقوى الدولية، وتحديدًا العربية، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة جميعهم دانوا الحادث، وأشاروا إلى أن الهجوم بالرصاص لا يمكن أن يكون فرديًا أو منعزلًا عن الأجواء السياسية في الإقليم برمته، إذ ليس من المستبعد، بحسب من قالوا، أن تكون جريمة العاقبية من ضمن خطة تهدف إلى توجيه رسائل إلى الأميركيين وللفرنسيين وللسعوديين المعنيين مباشرة في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
تزداد المسألة اللبنانية تعقيدًا، خصوصًا أن أفرقاء الداخل ينتظرون الانفراج على المستوى الإقليمي. لهذا يُحمّل البطريرك الماروني، بشارة الراعي، الأطراف السياسية في لبنان إضاعة الوقت وعدم التوصل إلى انتخاب رئيس في ظلّ أسوأ أزمة اقتصادية يعاني منها البلد. وإلحاح البطريرك الراعي، مرارًا وتكرارًا، على تدويل لبنان، عبر تفعيل دور قوات يونيفيل، أثار حفيظة الأطراف المعادية لهذا المطلب. من هنا، يرى بعضهم أن حادثة العاقبية وغيرها من حوادث وقعت بين الأهالي وقوات يونيفيل دليل واضح على رفض وجود أي قوى خارجية، مهما كان اسمها وتحت أي عمل أرسلت لأجله. لهذا الاعتداء، عن قصد أو تعمّد، رسالة واضحة إلى رفض كلّي لمبدأ تدويل لبنان، لا بل سيجعل تلك القوات في خانة الاستهداف المباشر. لهذا لم توافق دوائر الكرسي الرسولي على هذه الفكرة، لما قد تحمل من أزمات لهذا البلد.
قد لا يكون لحزب الله علاقة بحادثة العاقبية، فالمصطادون بالماء العكر كثر، إلا أن هذا لا يخفي ميول الحزب إلى عدم قبول، بأي شكل، موضوع تدويل لبنان
تظهر صعوبة الموقف من خلال توقيت الحادث بالتزامن مع المساعي الجارية إلى إدخال تعديلات على مهام القوات الدولية. هذا ما يثير الخشية من احتمال استغلال ما جرى، لإدخال تفويض جديد أو تغييرات ذات طبيعة مختلفة عمّا ورد في أساس قرار مجلس الأمن 1701 الذي أعطى تفويض القوات الدولية للعمل في جنوب الليطاني.
قال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا، لوكالة رويترز "نتقدّم بالتعازي من قوات اليونيفيل لسقوط قتيل، ونتمنى الشفاء العاجل للجرحى في الحادث غير المقصود". وطالب الأجهزة الأمنية بالقيام بتحقيقاتها "من دون إقحام الحزب بذلك". قد لا يكون للحزب علاقة، فالمصطادون بالماء العكر كثر، إلا أن هذا لا يخفي ميول الحزب إلى عدم قبول، بأي شكل، موضوع التدويل.
في كل الأحوال، وقعت حادثة العاقبية الدموية على بعد تسعة أيام من الزيارة المرتقبة لماكرون إلى الكتيبة الفرنسية العاملة في الجنوب؛ الأمر يحمل أكثر من رسالة، تبدأ برفض التدويل للقضية اللبنانية وتنتهي بالتوافق على اسم الرئيس غير المستفز لحزب الله.