أكتوبر: السادي والسادات
في حرب أكتوبر 1973 كان ما يقرب من 27 ألف عامل مصري يخوضون المعركة، جنبًا إلى جنب الجنود الذين قاتلوا على الجبهة الخارجية بالسلاح وعبروا وانتصروا. هؤلاء العمال الذين كانوا ضمن المحاربين على الجبهة الداخلية كانوا مرابطين على الثغور في شركة الحديد والصلب المصرية، يعملون ليلًا ونهارًا لتغذية المصانع الحربية باحتياجاتها لتصنيع السلاح، وينتجون ما يحتاجه الشعب في حياته اليومية. ومما يروى في ذلك أن الشركة الأكبر والأضخم على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا كانت توفر كل ما هو مطلوب لمصنعي 100 و200 الحربيين لتزويد جبهة القتال بالمدرّعات اللازمة للمعارك ضد العدو الصهيوني.
الآن، وفي العيد السابع والأربعين لنصر أكتوبر، يضع النظام الحاكم في مصر قلعة الحديد والصلب على مذبح البيع والتصفية، بعد سلسلةٍ طويلةٍ من خطوات تدمير الشركة وتشريد عمّالها، حتى انخفضت أعدادهم إلى ما دون التسعة آلاف عامل.
هذا النظام السياسي الذي يشن الحرب على العمال والفلاحين، ويتسول الرضا والقبول من العدو، ويواصل تدمير القلاع الصناعية التي كانت شريكة في صناعة الإنتصار، مطلوب منك أن تصدق أنه أمين على نصر أكتوبر، وأنه ينتسب إلى انتصار أكتوبر، بل ويضع نفسه في صدارة صور ذكرى العبور العظيم، ويتحدّث وكأنه صانعه.
ويا لها من مفارقة مدهشة، أو قل صفاقة مذهلة، أن الشخص الذي كانت مصر تحارب في 1973 بينما أهله يعاتبون جيرانهم لأن أولاد الجيران ضربوه وأسقطوه أرضًا، فجلس يبكي ويردد "لما أكبر هضربكم"، هذا الشخص يتحول على يد إعلام كذوب ومزيف إلى بطل من أبطال ملحمة أكتوبر، تسبق صورته صورة أنور السادات على أغلفة المجلات الرسمية.
هكذا، ببساطة، يتساوى "السادي" مع "السادات" في الإنجاز، على الرغم من أن الأول، ومنذ وضعوه في السلطة، وهو يحارب بشراسة ضد أكتوبر، المعنى والقيمة والأثر، فيمد يدًا بورود التملق والتزلف إلى الأعداء، واليد الأخرى بسكين التآمر والكراهية والغل إلى أبناء الوطن والأشقاء والأصدقاء، ليصبح محاربًا ضد سيناء وضد فلسطين، لتحقيق الأمان للعدو الإسرائيلي.
قلت سابقًا، وفي بواكير الزهو بملحمة انتصار الشعب في ملحمة الخامس والعشرين من يناير 2011 إن 6 أكتوبر هو أخو 25 يناير، فيما عدو الإثنين هو إسرائيل، ومعها، أو بالأحرى وبها ومن خلالها 30 يونيو 2013 التي أعادت لها تموضعها ووفرت لها نظامًا سياسيًا في القاهرة، يسهر على مصالحها، ويعادي كل ما يغضبها أو يزعجها.
صحيحٌ أن حصاد نصر أكتوبر 1973 قد تبدّد في أزقة التفاوض العبثي لهثًا وراء التطبيع، كما أن ثمار عبور يناير 2011 قد أحرقت مبكرًا، إلا أن ما يبقى في الوجدان والذاكرة أن أوجه الشبه كثيرة بين أكتوبر 73 ويناير 2011، فكلاهما كان عبورا، الأول عبور للضفة الشرقية من قناة السويس، واجتياز لموانع هائلة تحول دون استرداد الكرامة المهدرة، بينما كان عبور يناير 2011 إلى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة وقيم الدولة المحترمة.
يناير وأكتوبر أوجعا إسرائيل، فقررت الإنتقام منهما، ونجحت في الإنقضاض على كل شيء في يونيو/ حزيران آخر في 2013 لتصل، ليس لأطراف القاهرة فحسب، بل توجد في قلب قصر الحكم بالإتحادية، ومنه تنطلق لالتهام القسم الجنوبي من وادي النيل، وعواصم الخليج، واحدًة تلو الأخرى.
لكن ذلك كله لم يمنع الشخص الذي ابتذل أكتوبر وأهانه وأهان رموزه الحقيقيين، من انتحال صفة المحارب وتقمص شخصية البطل لمعركة لم يكن فيها، كما لم يكن معها، بل ضدها على طول الخط.