أوكرانيا ليست إسرائيل في أوروبا
نقلت وكالة سبوتنيك الروسية، عن صحيفة "Junge Welt" الألمانية، أن "أوكرانيا لن تكون قادرة على القتال مدة طويلة على غرار إسرائيل، لأنها لا تتمتع بالتفوق العسكري على خصومها". وفي المقابل، ذكرت الصحيفة أن السلطات الأوكرانية لا تفكّر في إمكانية التوصل إلى اتفاقيات سلام في المستقبل القريب، كما يتضح من تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده تقود حربًا طويلة مع روسيا، على غرار التي تقودها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.
مؤكّد أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تنتهي في المدى المنظور، لا سيما أنها بدأت تأخذ مسارات قتالية جديدة ومختلفة، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو أنه يشنّ "حربًا أبدية"، فهو يضع شروطًا تعجيزية لإنهاء الحرب، لا تقف عند طلب استسلام كييف بالكامل، بل يطالب بتغيير النظام الدولي القائم، واستبدال القيم الديمقراطية التي أرساها الغرب بقيم جديدة.
لا يتوقف الموضوع عند مطالب روسيا من الحرب، بل أيضًا ما تريده كييف التي لن توقف حربها الآن، لأن هناك من يدعمها في هذه الحرب، وهي الولايات المتحدة، حيث تفيد المعطيات بأنها لن تضع حدًا لهذه الحرب، حتى لو لم يصل بايدن إلى البيت الأبيض لولاية جديدة، فالسياسة الأميركية التي تتّبعها تجاه روسيا ترتكز على "احتواء" هذه القوة الصاعدة، فهذا لا يدعو إلى توقّف الحرب عند استنزاف روسيا عسكريًا واقتصاديًا، لكنها تريد دفعها إلى خارج قرارات السيادة الدولية، تمامًا كما كانت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
عضوية أوكرانيا في الناتو ستلزم الولايات المتحدة بإرسال جنودها إلى المعركة، وهذا مستبعد
أخذت الحرب في شرق أوكرانيا، على ما يبدو، تشهد فصولًا جديدة من القتال، خصوصًا في ما يتعلق بضرب العمق الروسي بالمسيّرات. وقد كتبت صحيفة إيل سوسيدياريو الإيطالية إن "هدف هجمات أوكرانيا بالطائرات المسيّرة على روسيا تصعيد الصراع، وجذب دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى الحرب مع موسكو". لهذا، تهدف رسائل حرب المسيّرات هذه إلى جعل الروس يشعرون أنهم معرّضون للخطر. ومن جهة ثانية، هي لاستفزاز موسكو ودفعها إلى التصعيد، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى توسيع دائرة الصراع، وإلى مشاركة التحالف في الصراع.
يشبّه بعض المتابعين حضور أوكرانيا اليوم بحضور إسرائيل في الشرق الأوسط، ويعتمدون في ذلك على أن وجود الدولتين هو لخدمة مصالح الدول الغربية، إلا أن الظروف التي أحاطت بنشأة إسرائيل لا تتشابه مع التي تحيط بأوكرانيا اليوم، والمشروع الذي وضعته الدول المنتدبة يومها من أجل قيام الدولة العبرية، ليس هو ذاته الذي من أجله يدفع بالغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب كييف في التصدّي للجيش الروسي.
لا تشابه بين الدولتين، فلا الأهداف مشتركة ولا طريقة إدارة الصراع واحدة ولا حتى الضمانات الأميركية واحدة، ففي الشرق الأوسط، تعمل أميركا على تقديم الضمانات لإسرائيل كي يبقى حضورها قويًا في المنطقة. لهذا، تسعى الإدارة الأميركية، في مناسبات، إلى تهدئة جبهات وإشعال أخرى، انسجامًا مع متغيّرات موازين القوى الحاصلة في الشرق. والملفت أنه مهما تغيّر رؤساء في البيت الأبيض، ولو من خلفيات مختلفة، يبقى أمن إسرائيل فوق كل اعتبار.
لن تكون أوكرانيا اليوم إسرائيل الأمس
ليس الأمر هكذا بخصوص أوكرانيا، إذ لا يحتاج المتابع لتفسيراتٍ كثيرة كي يدرك أن وجهة الخلاف واضحة بين المرشّحين الأبرز على الرئاسة جو بايدن ودونالد ترامب بشأن إدارة الصراع مع روسيا؛ ففي حين يتّجه الأول إلى استمرار الحرب في حال فوزه في انتخابات 2024، يصرّح الثاني أنه سيُقدم على إنهائها عبر تسوية مع بوتين في الأسابيع الأولى من فوزه.
لا يبدو أن الولايات المتحدة تفكر في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا، تماماً مثل إسرائيل، أسلحة وأموالًا ودعمًا سياسيًا، ولكن بالتأكيد ليس عضوية "الناتو". هذا مفهوم، لأن عضوية أوكرانيا في التحالف ستلزم الولايات المتحدة بإرسال جنودها إلى المعركة. ولن تكون أوكرانيا اليوم إسرائيل الأمس، فهذا الكيان الذي زرعته دول الاستعمار استطاع مع الوقت أن يقدّم نفسه "حاجة" للغرب لا يمكن تخطّيها في المنطقة، فإسرائيل استغلت الحضانة الغربية في المنطقة، فاستبدلت دورها من تحقيق مصالح الغرب إلى دولة لها تطلعاتها وأهدافها واستراتيجيتها التي قد تختلف فيها مع حليفتها الولايات المتحدة، وملفّ إيران النووي مثال.
تمتلك إسرائيل في المنطقة تفوّقًا عسكريًا على جيرانها، وقد تكون الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل
تدرك القيادة الأوكرانية جيدًا أن الحرب لن تنتهي إلا على حسابها، وأن الغرب قد يصل به الأمر إلى حالة من "الملل" إن طالت من دون تحقيق مكاسب مرجوة، ففي النهاية، هناك رأي عام عند الدول الغربية، بدأ يشعر بأن إطالة تلك الحرب لا تجدي نفعًا، الأمر الذي سيجلب انقلابًا جماهيريًا على حكوماتها عبر صناديق الاقتراع، فيأتي بآخرين ممّن لا يريدون الحرب.
تمتلك إسرائيل في المنطقة تفوّقًا عسكريًا على جيرانها، وقد تكون الوحيدة التي تمتلك أسلحة دمار شامل، فهذا في حدّ ذاته يعطيها قوة ردعية تجعل أعداءها يتريّثون في مهاجمتها. أما كييف، فهي تعتمد على ما يقدّمه حلفاؤها من أسلحة، كما أنها لا تخرج من عباءة واشنطن في عمليتها العسكرية، وهي ليست شريكة للغرب ولا تمتلك "لوبي" مؤثرًا في دوائر القرار في واشنطن على غرار اللوبي الصهيوني في دول القرار.
حرب أوكرانيا مفتوحة على كل الأصعدة، وقد تكون نهايتها سريعة إن حصلت التسوية بين الدول الكبرى. لهذا لا يمكن أن نشبّه من اغتصب أرضًا، كالكيان الإسرائيلي الذي اغتصب أرض فلسطين، بمن يقاتل من أجل استعادة أراضيه على رأسها شبه جزيرة القرم.