أي أفق للاحتجاجات الإيرانية؟
بعد أيام من إعلان النائب العام الإيراني حل شرطة الأخلاق، المتورّطة في مقتل الفتاة مهسا أميني في سبتمبر/أيلول المنصرم، دعا المرشد الإيراني، خامنئي، إلى "إصلاح النظام الثقافي في البلاد''. يبدو ذلك وكأنه إقرار ضمني بفشل النظام في إدارة الاحتجاجات، والحد من ارتفاع كلفتها الداخلية والإقليمية. فداخلياً، باتت الفجوة أكثر اتساعا بين هذا النظام، المتوسّل بشرعية الثورة الإسلامية، والمجتمع الذي شهد تحولاتٍ عميقة. أما خارجياً، فيصعب فصل الاحتجاجات عن موقع طهران في معادلة القوة والنفوذ، باعتبارها لاعبا رئيسا في المنطقة. يتعلق الأمر بكلفةٍ يمكن أن تدفعها إيران، من نفوذها الإقليمي، في حالة خروج الاحتجاجات عن السيطرة.
لم تكن الاحتجاجات مفاجئةً لمتتبعي الشأن الإيراني، لا سيما مع الاحتقان الاجتماعي الناتج عن العقوبات الغربية المفروضة على طهران، على خلفية ملفها النووي، هذا إضافة إلى الأعباء المترتبة على نفوذها السياسي والمذهبي، والتي أضحت أكبر من إمكاناتها الاقتصادية والجيوسياسية.
تحوّل الاقتصاد الإيراني إلى اقتصاد عسكري، بسبب الدعم اللوجيستي والعسكري والاستخباراتي الذي تقدّمه طهران لحلفائها في العراق ولبنان وسورية واليمن. هذا في وقت زادت نسبة البطالة والفقر والتضخم، وارتفعت الأسعار، وتراجعت القدرة الشرائية، ورُفع الدعم الحكومي عن بعض السلع، فضلا عن تبخّر آمالٍ علّقها الإيرانيون على إحياء الاتفاق النووي، ورفع جزء من العقوبات الغربية. إنها كلفة اقتصادية واجتماعية لم يعد الإيرانيون قادرين على تحمّلها، وهم يرون جزءا كبيرا من عوائد بلادهم يذهب لتغطية النزعة التوسّعية للنظام في الإقليم. يشعر الإيرانيون أنهم أولى بهذه العوائد التي ينفقها النظام على حلفائه في المنطقة، دونما اكتراثٍ لأوضاعهم المعيشية المتردية، هذا من دون أن ننسى الطبيعة السلطوية لهذا النظام التي لا تسمح بهوامش للمعارضة وتصريف فائض الاحتقان الاجتماعي. ومن هنا، لم يكن مقتل الفتاة أميني إلا النقطة التي أفاضت الكأس. ولا شك أن اتساع رقعة الاحتجاجات في ظل نظام يُشكّل تصديرُ الثورة وتوسيع رقعة نفوذه الطائفي أهم موارد شرعيته السياسية، يمكن أن يخلط الأوراق، خصوصا أن هناك صراع أجنحة واضحا قد يُربك حسابات هذا النظام.
يُسابق النظام الإيراني الزمنَ لإخماد هذه الاحتجاجات، وتطويق امتداداتها، منعاً لتشكّل ما يعرف بالكتلة الحرجة، وهو أمر قد يحدُث، في أي لحظة، إذا ما التحقت الطبقة الوسطى، أو على الأقل شرائحُ واسعة منها، بهذه الاحتجاجات، فهناك متغيّرات ديمغرافية وثقافية قد ترجّح ذلك، بما يمكن أن يُحدِث تغييرا في تركيبة النظام على المدى البعيد.
هناك أجيال جديدة لم تشهد اندلاع الثورة الإسلامية التي أطاحت حكم الشاه عام 1979، ولم تسمع خطب الخميني المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل في الثمانينيات. هذه الأجيال، مثل غيرها في عالم اليوم، أكثر انفتاحا على العالم بفضل وسائل الاتصال الحديثة، ولا تجد حرجا في المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية ونصيبها في الثروة، ولا تبدو مستعدّة للقبول باستمرار نظامٍ لا همَّ له إلا توسيع نفوذه في الإقليم.
لا يشذّ نظام الملالي عن قاعدة الأنظمة الاستبدادية، حين يتهم أطرافا خارجية بالوقوف خلف الاحتجاجات وتأجيجها، فهو لا يختلف عن غيره من أنظمة المنطقة التي أنهكها الاستبداد والفساد وسوء توزيع الثروة. إنه جزء من الإشكالية الإقليمية الكبرى التي يلخّصها تطلع الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والعدالة.
هل استنفد النظام الإيراني أوراقه في مواجهة الاحتجاجات؟ لا يبدو ذلك، سيما أنه يستند إلى حاضنة اجتماعية وسياسية. وخروج مظاهرات مؤيدة للنظام، قبل فترة، يعكس، إلى حدٍّ ما، ميزان القوى الذي لا يزال لصالحه. فلا يمكن إغفال أنه يستند إلى ركيزتين أساسيتين: المؤسسة الدينية بكل ثقلها الروحي والسياسي والمذهبي، والتي تجسدها ولاية الفقيه، والمؤسستين الأمنية والعسكرية بكل ثقلهما داخل مفاصل الدولة.