إسبانيا... تداعيات سياسية للإعصار

08 نوفمبر 2024

امرأة تمشي في وسط طين وركام بعد إعصار دانا في بايبورتا بمقاطعة بلنسي ة(2/11/2024 Getty)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

أعادت مشاهد رشق العاهل الإسباني، فيليبي السادس، وزوجته الملكة ليتيثْيا ورئيسي الحكومتين المركزية، بيدرو سانشيز، والإقليمية (بَلِنْسْية)، كارلوس ماثّون، بالطين، في غضون زيارتهم، الأحد الماضي، بلدة بايْبورتا، المتضرّرة من الفيضانات التي شهدتها مناطق في شرق إسبانيا وجنوبها، جرّاء إعصار دانا، أعادت تلك المشاهد إلى الواجهة أسئلة السياسة الإسبانية المزمنةَ، وفي مقدمتها الملكية، وإشكالات توزيع السلطة بين الدولة وأقاليم الحكم الذاتي، وتنامي الشعبوية في المجال العام.

على الرغم من جهود الملك فيليبي من أجل تحسين صورة الملكية أمام رأيٍ عامٍّ ما فتئ يبدي ميولاً أكثر نحو خيار الجمهورية، إلا أن إرث والده، خوان كارلوس، لا يزال يطارده، بسبب قضايا فساد تورّط فيها قبل أن يقرر التنازل عن العرش (2014). وقد لا يكون من المبالغة القول إن فيليبي لا يزال يدفع فاتورة أخطاء لم يرتكبها في الواقع. ولعل ما حصل في بايبورتا جزءٌ من فاتورة الأخطاء هاته، فقد رأى فيه المحتجّون، في نهاية المطاف، رمزاً لمؤسّسة كانت دائماً بعيدة عن هموم الإسبان وانشغالاتهم. وعلى صلة بذلك، اعتبر هؤلاء أن الحكومة المركزية، في مدريد، تأخّرت في تحذير السكان من الإعصار، هذا في وقتٍ تؤكّد الحكومة أن ذلك يندرج ضمن صلاحيات سلطات الحكم الذاتي في بلنسية، التي أكّدت أن تدخلها كان محكوماً بما توافر لديها من موارد وإمكانات محدودة.

في السياق نفسه، لم تتردّد حكومة سانشيز في اتهام جماعات اليمين المتطرّف بتغذية غضب المحتجّين في بايبورتا، وعموم الإقليم المنكوب. بيد أن ذلك لا يُخفي، حسب كثيرين، أن هناك خللاً في إدارة الحكومتين، المركزية والإقليمية، مخلفات الإعصار. ومن غير العدل تحميل الملك تبعات ما حدث، ذلك أنه لا يتحمّل، وفق المقتضيات الدستورية المعمول بها، مسؤولية السلطة التنفيذية التي يُفترض أن الحكومة تضطلع بها، وفق هندسة دستورية وسياسية واضحة، تمنح، بالتوازي مع ذلك، صلاحياتٍ لأقاليم الحكم الذاتي. ما يعني أن اليمين المتطرّف سعى لاستخلاص العائد السياسي من سخط المتضرّرين، وتصريفه، بإفساد الزيارة الملكية وإحراج الحكومة وكشف عجزها أمام الرأي العام في الإقليم. لكن ذلك كله لا يمنع من القول إن الملك والملكة ورئيسَي الحكومتين، المركزية والإقليمية، لم يكونوا المقصودين من واقعة رمي الطين في بايْبورْتا، بقدر ما كان المقصود الدولة الإسبانية بمختلف مؤسّساتها وأجهزتها.

إضافة إلى ذلك، شكّل دخول منصّات التواصل الاجتماعي على الخط تحدّياً آخر كان على الحكومة مجابهته؛ فقد كان لافتاً انتشار عبارة ''الدولة الفاشلة'' في "السوشيال ميديا الإسبانية خلال الساعات التي أعقبت زيارة الملك بايْبورتا. وهو ما رأت فيه الحكومة محاولة لإثارة مزيد من السخط الاجتماعي حيال إدارة تداعيات الإعصار، خصوصاً في ما يتعلق بانتشال جثث الضحايا وإعادة تأهيل الطرق ووسائل النقل وشبكة الكهرباء والاتصالات وتقديم المساعدات الغذائية وغيرها من أعمال الإغاثة للمتضررين.

أدركت حكومة سانشيز أن سحب صلاحية إدارة تداعيات الكارثة، بشكل مفاجئ، من الحكومة الإقليمية لصالحها، قد ينطوي على مجازفةٍ سياسيةٍ تصبّ في مصلحة اليمين المتطرّف، على اعتبار أن ذلك قد يُربك عمل فرق الإنقاذ المحلية والإقليمية المؤهلة أكثر من الحكومة في مدريد، بحكم معرفتها بواقع الإقليم، لإدارة تداعيات الكارثة. هذا مع التزام الحكومة تقديم مختلف أشكال الدعم المادي واللوجيستي إلى الحكومة الإقليمية في بلنسية. وهو ما يمكن تفسيره بتنامي الوعي داخل النخب الإسبانية بالإشكالات العميقة التي لا تزال تنطوي عليها العلاقة بين الحكومة المركزية في مدريد وأقاليم الحكم الذاتي.

تجد الحكومة الإسبانية نفسها أمام تحدٍّ صعب؛ فهي، من ناحية، مطالبة بإيجاد حلول ناجعة وسريعة، بالتنسيق مع الحكومة الإقليمية في بلنسية، للحد من تداعيات إعصار ''دانا''. ومن ناحية أخرى، مطالبة، مثل معظم الدول الأوروبية، بمواجهة صعود اليمين المتطرّف الذي يتغذّى على معاداة السياسة واستثمار الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والكوارث الطبيعية، الناجمة عن أزمة المناخ، واستخلاص عوائدها لإعادة تموضعه في المشهد السياسي.