إسرائيل .. تفكّك حكومي وشيك
على الرغم من التهافت العربي غير المسبوق للتطبيع مع إسرائيل، والذي يعتبره زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، منجزه الخاص، إلا أن هذا الاختراق لم يمنع التحالف الحكومي الذي يقوده نتنياهو مع زعيم ائتلاف أزرق أبيض، بيني غانتس، من التعرّض لبداية تصدّع قد يودي به إلى التفكك النهائي، والإنذار الجدّي الذي أطلقه الكنيست بتصويت مبدئي على حل نفسه يوحي بذلك.. لا يبدو الحليف السياسي لنتنياهو باحثا عن توسيع دائرة أصدقاء من العرب بالجدّية التي يبحث بها عن حلول داخلية لمشكلات إسرائيل التي يعتقد ممثل "أزرق أبيض" أن نتنياهو أحدها، وربما أكثرها جدّية، فقد باشر أعضاء الحكومة من كتلة أزرق أبيض بتوجيه الانتقادات إلى نتنياهو بشكل مباشر، متناسين أن الأخير هو رئيس الوزراء الذي تجب محاورته وانتقاده في جلسات مجلس الوزراء المغلقة، وليس في العلن، وهو سلوكٌ يعلن عن هوةٍ عريضةٍ بين قطبي الائتلاف الحكومي الحاكم، وربما أعمق مما يتصوّره الجمهور الإسرائيلي الذي لا يكاد ينتهي من انتخاباتٍ، حتى تتم دعوته إلى انتخابات جديدة، في لعبةٍ بدأت تدخل في حيز العبث. في البداية، قالت وزيرة العمل، ميراف كوهين، إنها لا تثق بقيادة نتنياهو، وتبعها وزير العدل، آفي نيسينكورن، بتوجيه انتقاد آخر لنتنياهو فيما يخص مواجهته الأخيرة مع المدّعي العام. بدا ائتلاف الليكود وأزرق أبيض كأنه حكومة ومعارضة تتقاسمان كراسي سلطة واحدة، وما يجري من حربٍ كلاميةٍ طاحنة تهدف إلى تقدم كل فريق أكثر في أراضي الآخر، ولأن الحكومات المتناغمة لا تعمل بهذه الطريقة، بدا أن إجراء حل الكنيست هو الحل.
سبق الجلسة حملة تصريحات وتصريحات مضادّة بين نتنياهو و"شريكه" الائتلافي، صرح فيها كل طرف ضد الآخر، فقد اتهم نتنياهو غانتس بأنه يشكل حكومة داخل حكومة، واتهمه بتقويض الوحدة الوطنية، وهو الشعار الذي قامت على أساسه هذه الحكومة، فردّ غانتس بأن نتنياهو لم يكذب عليه فقط بل على الأمة كلها. ولكن غانتس لم يكن بتلك الصلابة، فقد ترك الباب مواربا برمي عظمة لنتنياهو، في محاولة لاحتواء الموقف، عندما قال إن الموافقة على الميزانية يمكن أن تحسّن الوضع! من دون أن يظهر أي انجذابٍ من نتنياهو لهذا العرض، وهو الذي وقف ضد إقرار أية ميزانية، وها قد انتهت سنة 2020 وميزانيتها ما زالت حبيسة أدراج الحكومة.
تشكلت الحكومة عندما أراد غانتس ذلك، فهو زعيم الحزب المنافس الرئيسي لنتنياهو، على الرغم من أنه كان قد وعد الناخبين بعدم الانضمام إلى حكومةٍ يكون فيها نتنياهو، ولكنه تنازل "وطنيا"، وقبل بمشروع مداورة لرئاسة الحكومة، وتشكّلت الحكومة لمواجهة كورونا، ووضع اقتصادي مرتبك، وأيضا لتجنب مزيدٍ من الانتخابات، ولكن الحكومة التي عاشت بطريقة إنعاشية سبعة أشهر، يدعو نصف أعضائها، بالإضافة إلى المعارضة التي تنتظر خارجها، إلى الحل، وقد نجحت قراءة أولية لمشروع قانون يدعو إلى حل الحكومة بزيادة صوت واحد فوق نصف أعضاء الكنيست.
لم يستفد نتنياهو من التطبيعات العربية المتعدّدة على مستوى وضعه في رئاسة الحكومة، ولم يعزّز مركزه في مواجهة غانتس، ولكن على المستوى الشعبي زادت شعبية الليكود. وعلى الرغم من أن نتنياهو صوّت ضد حل الكنيست، إلا أنه لن يكون حزينا فيما لو تحوّل هذا المشروع إلى قرار نهائي، وهو يضمن، بحسب استطلاعات الرأي، مكانا متقدّما في طليعة الأحزاب الفائزة، في وضعٍ مطمئن له في مواجهته مع القضاء الذي يتربص به، وينتظر لحظة نزوله عن كرسي رئاسة الوزراء، لجرّه إلى قاعة المحكمة. لن يترك نتنياهو أية فرصةٍ تبقيه في مكانه، وربما تُطرح مسألة تغيير الحكومة، لكن نتنياهو لن يتنازل عن موقعه رئيس وزراء، وليبق الحل هو جرّ الإسرائيليين مرة رابعة إلى صندوق الانتخابات الذي يتوقع نتنياهو فوزا جديدا فيه، يأتي بعون مجموعة المطبّعين العرب.