12 مارس 2022
"إصلاحات" الدكتاتورية.. طريق الثورة
وصل إلى السلطة، بين عامي 1999 و2000، ثلاثة شبان، رئيس وملكان، بشار الأسد في سورية، وعبد الله الثاني ومحمد السادس في الأردن والمغرب. بدا آنذاك أن دماءً جديدة تضخ في شرايين النظام العربي متيّبس العروق، إذ كتب الكثير عن الإصلاح القادم الذي يقوده هؤلاء، وبدا حينها أن الإصلاح هو الطريق الوحيد للخروج من الانسداد المزمن الذي تعانيه الأنظمة العربية، وهو فعلا كذلك. ولكن أي إصلاح؟
بين الإصلاح والثورة يبقى الخيار الأفضل والأمثل للإصلاح، فالثورة، في أفضل حالاتها، تحمل معها الفوضى والعنف والجموح والراديكالية، بما هي محاولة لإحداث تغيير جذري بقوة الشارع أو السلاح، وسط ممانعة سلطات القمع التي تملك الثروة والقوة، فتدافع عن امتيازاتها بكامل أنيابها، فيما يتيح الإصلاح تغييرا هادئا يأخذ ممكنات اللحظة وطبيعتها. ولكن هذا يحدث حين يكون الإصلاح حقيقيا، أي الإصلاح الذي يريد فعلا أن يُحدث انتقالا آمنا وتدريجيا من السلطوية الدكتاتورية إلى النظام الديمقراطي الذي يحتاج الوصول إليه زمنا.
لم يكن الإصلاح الذي حملته السلطات المستبدة العربية، باعتباره من مشاريعها، إلا نوعا من إصلاح ضد الإصلاح، أي مصادرةً للإصلاح باسمه، بعد سحبه من الشعب والفاعلين المطالبين به بحق، وتحويله إلى مجرد إيديولوجيا تغطي على عنف النظام واستبداده. ولكي يبدو مقنعا، كان هذا الإصلاح يتوازى مع إجراءات سياسية واقتصادية توحي بأن هناك تغييرا حقيقيا يجري، إلا أنه يبقى دائما بالحدود التي لا تؤثر على السلطة العميقة، ومن يمسك بها، أي جوهر الحكم، بل يغدو الإصلاح هنا مجرّد محاولة لتدعيم جذور السلطة هذه، بعد إكسابها شرعية الإصلاح الذي لن يقترب بأي شكلٍ من مرتكزات السلطة العميقة، لأن الإصلاح الحقيقي يعني فتح قبرها، وهذا ما لن تفعله السلطات الدكتاتورية أبدا.
وغالبا ما يتوازى إصلاح السلطة مع نشر بروباغندا تقول إن طريق الإصلاح طويل، أو يحتاج وقتا، وهو ما قاله الأسد الدكتاتور في بداية الثورة، على الرغم من مرور عشر سنوات على مشروعه الإصلاحي! بما يؤكد أن الإصلاح المراد سلطويا هو بالذات الذي يؤبّد النظام في الحكم لا أكثر ولا أقل، ما يعني أن هذا الإصلاح مجرّد أداة استبدادية لا غير.
وعلى الرغم من ذلك، لم تنجح السلطات في تعويم هذا الإصلاح بفعل قمعها فحسب، بل لأن المعارضة والفاعلين الاجتماعيين لم يحسنوا أو يمتلكوا أو يفكروا حتى في امتلاك برنامج إصلاح مضاد لإصلاح السلطة هذا، ما يدفع الأمور نحو إجبار السلطة نحو سلوك طريق التغيير الحقيقي، ولو ببطء وعلى مضض، إذ انقسمت المعارضات، في أغلبها، إلى فريقين: يعوّل الأول على إصلاح السلطة هذا من دون أن يكون له رأي نقدي، أو فعل على الأرض، فانتهى به المطاف إلى مجرّد منتظرٍ ما تجود به السلطة من إصلاح. والثاني رفض هذا الإصلاح كليا، من دون أن يفكر بأي بديل، ولم يسع إلى اجتراح طريق عمل آخر، منتظرا أن يأتي التغيير عن طريق القدر، أو دبابات الخارج.
ولأن الحال كذلك، ليست نتائج الإصلاح إلا تعميقا للمأزق السلطوي، ومسرّعا أساسيا في دفع الأمور نحو الاحتقان المتصاعد، لأن الجماهير التي آمنت بهذا الإصلاح ستدرك، بعد وقت لن يطول، أنها أمام سلطات عاجزة عن الإصلاح، ما يفتح المسار أمام الانفجار، أي الثورة، سواء عبر التظاهرات أو الثورة المسلحة.
وإن تأمل نتائج بلدان سورية والأردن والمغرب، تبين بوضوح مآلات هذا النوع من الإصلاح، بعد مرور سنوات عليه. دخلت سورية نفقا لا عودة منه بعد ثورة مجهضة، ودخل المغرب الربيع عام 2011 ولم يخرج منه بعد، على الرغم من كل التفافات السلطة التي جددت وعدها بالإصلاح، ثم عادت والتفّت عليه، فانفجر الوضع مجدّدا فيما عرف "حراك الريف"، فيما يعيش الأردن دوما على إيقاع الاحتقان الاقتصادي الاجتماعي.
أخيرا، انضمت العربية السعودية إلى نادي الإصلاح السلطوي، فنحن إزاء دكتاتور شاب جديد، يسعى إلى إسباغ شرعية الإصلاح ومحاربة الفساد على حكمه، بعد أن غيّر في آليات عرف الحكم في البلد، ما يذكّرنا بالنموذج السوري، حين تم توريث السلطة في نظام جمهوري. في حين يجري هنا تغيير نوع التوريث من الأخ إلى الابن، في كسرٍ للعرف السائد، الأمر الذي يغير طبيعة العلاقات في البيت الداخلي للسلطة، وهو ما يُراد ترتيبه اليوم لصالح الاستبداد الجديد، بغطاء أميركي ودولي، كما حال كل "إصلاح استبدادي".
محصلة القول، واستنادا إلى ما تقوله التجارب، ليس هذا الإصلاح إلا مقدمة للثورات التي تتراكم أسبابها في ظل هذا النوع من الإصلاح بالذات، فما الذي ينتظر الرياض إذن؟
بين الإصلاح والثورة يبقى الخيار الأفضل والأمثل للإصلاح، فالثورة، في أفضل حالاتها، تحمل معها الفوضى والعنف والجموح والراديكالية، بما هي محاولة لإحداث تغيير جذري بقوة الشارع أو السلاح، وسط ممانعة سلطات القمع التي تملك الثروة والقوة، فتدافع عن امتيازاتها بكامل أنيابها، فيما يتيح الإصلاح تغييرا هادئا يأخذ ممكنات اللحظة وطبيعتها. ولكن هذا يحدث حين يكون الإصلاح حقيقيا، أي الإصلاح الذي يريد فعلا أن يُحدث انتقالا آمنا وتدريجيا من السلطوية الدكتاتورية إلى النظام الديمقراطي الذي يحتاج الوصول إليه زمنا.
لم يكن الإصلاح الذي حملته السلطات المستبدة العربية، باعتباره من مشاريعها، إلا نوعا من إصلاح ضد الإصلاح، أي مصادرةً للإصلاح باسمه، بعد سحبه من الشعب والفاعلين المطالبين به بحق، وتحويله إلى مجرد إيديولوجيا تغطي على عنف النظام واستبداده. ولكي يبدو مقنعا، كان هذا الإصلاح يتوازى مع إجراءات سياسية واقتصادية توحي بأن هناك تغييرا حقيقيا يجري، إلا أنه يبقى دائما بالحدود التي لا تؤثر على السلطة العميقة، ومن يمسك بها، أي جوهر الحكم، بل يغدو الإصلاح هنا مجرّد محاولة لتدعيم جذور السلطة هذه، بعد إكسابها شرعية الإصلاح الذي لن يقترب بأي شكلٍ من مرتكزات السلطة العميقة، لأن الإصلاح الحقيقي يعني فتح قبرها، وهذا ما لن تفعله السلطات الدكتاتورية أبدا.
وغالبا ما يتوازى إصلاح السلطة مع نشر بروباغندا تقول إن طريق الإصلاح طويل، أو يحتاج وقتا، وهو ما قاله الأسد الدكتاتور في بداية الثورة، على الرغم من مرور عشر سنوات على مشروعه الإصلاحي! بما يؤكد أن الإصلاح المراد سلطويا هو بالذات الذي يؤبّد النظام في الحكم لا أكثر ولا أقل، ما يعني أن هذا الإصلاح مجرّد أداة استبدادية لا غير.
وعلى الرغم من ذلك، لم تنجح السلطات في تعويم هذا الإصلاح بفعل قمعها فحسب، بل لأن المعارضة والفاعلين الاجتماعيين لم يحسنوا أو يمتلكوا أو يفكروا حتى في امتلاك برنامج إصلاح مضاد لإصلاح السلطة هذا، ما يدفع الأمور نحو إجبار السلطة نحو سلوك طريق التغيير الحقيقي، ولو ببطء وعلى مضض، إذ انقسمت المعارضات، في أغلبها، إلى فريقين: يعوّل الأول على إصلاح السلطة هذا من دون أن يكون له رأي نقدي، أو فعل على الأرض، فانتهى به المطاف إلى مجرّد منتظرٍ ما تجود به السلطة من إصلاح. والثاني رفض هذا الإصلاح كليا، من دون أن يفكر بأي بديل، ولم يسع إلى اجتراح طريق عمل آخر، منتظرا أن يأتي التغيير عن طريق القدر، أو دبابات الخارج.
ولأن الحال كذلك، ليست نتائج الإصلاح إلا تعميقا للمأزق السلطوي، ومسرّعا أساسيا في دفع الأمور نحو الاحتقان المتصاعد، لأن الجماهير التي آمنت بهذا الإصلاح ستدرك، بعد وقت لن يطول، أنها أمام سلطات عاجزة عن الإصلاح، ما يفتح المسار أمام الانفجار، أي الثورة، سواء عبر التظاهرات أو الثورة المسلحة.
وإن تأمل نتائج بلدان سورية والأردن والمغرب، تبين بوضوح مآلات هذا النوع من الإصلاح، بعد مرور سنوات عليه. دخلت سورية نفقا لا عودة منه بعد ثورة مجهضة، ودخل المغرب الربيع عام 2011 ولم يخرج منه بعد، على الرغم من كل التفافات السلطة التي جددت وعدها بالإصلاح، ثم عادت والتفّت عليه، فانفجر الوضع مجدّدا فيما عرف "حراك الريف"، فيما يعيش الأردن دوما على إيقاع الاحتقان الاقتصادي الاجتماعي.
أخيرا، انضمت العربية السعودية إلى نادي الإصلاح السلطوي، فنحن إزاء دكتاتور شاب جديد، يسعى إلى إسباغ شرعية الإصلاح ومحاربة الفساد على حكمه، بعد أن غيّر في آليات عرف الحكم في البلد، ما يذكّرنا بالنموذج السوري، حين تم توريث السلطة في نظام جمهوري. في حين يجري هنا تغيير نوع التوريث من الأخ إلى الابن، في كسرٍ للعرف السائد، الأمر الذي يغير طبيعة العلاقات في البيت الداخلي للسلطة، وهو ما يُراد ترتيبه اليوم لصالح الاستبداد الجديد، بغطاء أميركي ودولي، كما حال كل "إصلاح استبدادي".
محصلة القول، واستنادا إلى ما تقوله التجارب، ليس هذا الإصلاح إلا مقدمة للثورات التي تتراكم أسبابها في ظل هذا النوع من الإصلاح بالذات، فما الذي ينتظر الرياض إذن؟