إيران بعد تطبيع الإمارات والبحرين
تستجدّ أسئلة كثيرة بشأن تأثير التحالف الإماراتي البحريني الإسرائيلي على معادلة القوة والنفوذ في الخليج، وتحديدا فيما له صلة بالسياسة الإيرانية في المنطقة على اختلاف مخرجاتها.
تُدرك إيران أن هذا التحالف، الذي يُتوقع أن تنضم إليه دول عربية أخرى، يعدُّ تحدّيا استراتيجيا بالنسبة لأدوارها التي تَستمد مبررها السياسي والأخلاقي والمذهبي من سردية الثورة الإسلامية (1979) وامتداداتها التنظيمية في المنطقة. ولأول مرة، تجد إيران نفسها في مواجهة واقع جديد في الخليج، بعد أن منح التحالف المذكور إسرائيل هامشا لإعادة جدولة أولوياتها وأهدافها.
وإذا كان قرار الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل قد حكمته، بدرجةٍ أكبر، اعتباراتٌ تخصّ الدور الإماراتي في حروب الثورة المضادة، فإن قرار البحرين يبدو مرتهنا أكثر للتوتـر الإيراني البحريني المحكوم باعتباراتٍ جغرافيةٍ وتاريخيةٍ ومذهبيةٍ معلومة، ما يجعله بمثابة معاهدة حمايةٍ غير معلنة، تتعهد بموجبها إسرائيل بحماية البحرين من التهديدات الإيرانية. ولا شك أن ذلك يصب في مصلحة إسرائيل، إذ سيتيح لها موطئ قدم في واحدةٍ من أكثر مناطق العالم أهميةً من الناحية الاستراتيجية، وقد يغير من أولوياتها بشأن الملف النووي الإيراني، لما يمثله من خطر على ما تعتبره أمنَها القومي، الأمر الذي قد يُربك حسابات طهران، سيما في ظل الأزمة التي يعانيها اقتصادها المنهكُ بسبب العقوبات الأميركية، وارتفاع كلفة النفوذ المذهبي والطائفي الإيراني في المنطقة. وأمام هذا الوضع، قد ينتقل الصراع بين المحافظين والإصلاحيين إلى طورٍ جديد، ذلك أن مواجهة الغرب شكّلت أحد الأوجه الرئيسة لهذا الصراع خلال العقدين الأخيرين، الأمر الذي قد يلقي بثقله على المشهد الداخلي في إيران.
وعلى الرغم من الرفض الذي جابهت به طهران القرارين، الإماراتي والبحريني، إلا أن من السابق لأوانه الحديث عن موقف إيراني واضح ومتماسك في هذا الشأن. ويعود ذلك إلى طبيعة السياسة الخارجية الإيرانية التي لا ترتهن لإرادة مؤسسة واحدة، بل تكون، في الغالب، ثمرة تفاعلٍ بين المؤسسات الأكثر تأثيرا في هذه السياسة. ومن هنا، لا يُستبعد أن تُعاد صياغة هذا الرفض، كي يتمخض عنه موقف أكثر براغماتية، يفضي إلى تفاهماتٍ جديدة بين إيران والولايات المتحدة، على اعتبار أن خيار المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل لا تحبّذه الإدارة الأميركية بسبب تداعياتها الأمنية والاقتصادية على المنطقة. وفي ضوء ذلك، تبدو إيران أقرب إلى خيار براغماتي ومتوازن، يكون ثمرة توافق داخلي، فهي لن تتحمّل تكاليف مواجهة شاملة، خصوصا أنها ستكون على حدودها، بما لذلك من تداعياتٍ محتملة على الداخل.
بيد أن ذلك كله يظل رهينا بالمسار الذي سيأخذه تنزيل مخرجات التحالف الإماراتي البحريني الإسرائيلي. ومؤكّد أن إسرائيل لن تكتفي باتفاقات تجارية واقتصادية مع الدولتين الخليجيتين، إذ ستعمل على استخلاص عوائد سياسية واستراتيجية وأمنية من هذا التحالف، تعزّز بها أمنَها القومي، سيما في مواجهة دولةٍ تعتبرها مصدر تهديد وجودي لها. وقد كان لافتا إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على تسمية الاتفاقين معاهدتي سلام، فيما الإمارات والبحرين لم تخوضا يوما مواجهة مع إسرائيل، وهو ما يدلّ على أن الاتفاقين، في المنظور الإسرائيلي، يندرجان ضمن رؤية الصهاينة لما يعتبرونه ''سلاما دائما'' في المنطقة.
في السياق نفسه، تبدو السعودية أكثر براغماتيةً من الإمارات والبحرين، وتردّدها، أو ما يبدو كذلك، في التطبيع مع إسرائيل يمكن أن يفسّر برغبتها في الحصول على مقابل استراتيجي ثمين، عنوانه الأبرز توجيه ضربة إلى إيران تسقط نظام الملالي، أو على الأقل تعزله وتجعله ينكمش إقليميا. وهو ما يعني أن الحسابات السعودية لا تتطابق تماما مع الحسابات الإماراتية والبحرينية بشأن المشكلة الإيرانية، على الأقل حاليا.
يمثل عزل إيران هدفا استراتيجيا بالنسبة لإسرائيل. ولا شك أن نجاحها في اختراق منطقة آسيا الوسطى والقوقاز خلال الأعوام الماضية سيصعّب المهمة أكثر على النظام الإيراني، خصوصا إذا انضافت السعودية وسلطنة عُمان إلى حلقة الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل، لأن ذلك يعني عزل إيران وحشرها داخل مجالها الحيوي، ما قد يدفعها إلى مراجعة حساباتها والتفكير في تحالف مضادٍّ للتحالف الإماراتي البحريني الإسرائيلي.