ارفع رأسك: أنت خلعت مبارك
في هذا اليوم العظيم من تاريخ مصر الحديث، 11 فبراير/ شباط، لا تدع الأوغاد يهزمون ذاكرتك، ويسخرون من نضالك الأسطوري، فأنت الذي خلعت مبارك بيديك، وبصمودك وإصرارك، وليس هو من ترك الحكم طواعية.
أنت الذي أجبرتهم على التخلص منه، حتى وإن كان الهدف هو بتر جزءٍ كي يعيش باقي الجسد، أو كما ذكرت الصحف الغربية وقتها "التخلص من مبارك ليعيش نظام مبارك".
لولا بقاؤك، أنت وأطفالك وأولادك، صامدين قابضين على الحلم في الميادين، رافضين خطابه العاطفي الكذوب في تلك الليلة الباردة، لما قرّروا خلعه.
لولا زحف الجموع إلى القصر ومحاصرته، لما رضخوا وهرّبوه إلى شرم الشيخ.
لولا أنها كانت ثورة حقيقية، وإرادة شعبية خالصة في التحرّر من ذلك الذي تريده إسرائيل، ويحبه الفساد، ويعض عليه الاستبداد بالنواجذ، لما كان الحادي عشر من فبراير/ شباط تتويجاً لمعركة العبور إلى شاطئ الحرية.
لا تندم على أنك كنت متحضراً ونبيلاً، وصدّقت الأوغاد والمغفلين، حين دعوك إلى طلاء أرصفة الميدان وتنظيف أرضيته، وتلوينه بالأعلام والرايات، ومغادرته إلى ترقيعات دستورية، وانتخابات برلمانية، بزعم أنهم لا يريدون شيئاً من ثورتك، إلا حمايتها ورعايتها.
لا تأسف لأن الذين نثرت عليهم الورود، والتقطت مع جنودهم الصور فوق الدبابات، قصفوك بالغاز المحرّم دولياً، وداسوا على أجساد بناتك وأخواتك، ودهسوا جثث زملائك وأصدقائك في "ماسبيرو" و"محمد محمد محمود" و"مجلس الوزراء".
لا تندم على ثورتك، ودعني أعيد عليك ما سجلته في مثل هذا اليوم من 2011 عن اللحظات الأخيرة في حكم مستبد إسرائيل الاستراتيجي:
كانت دقائق من الملل والسخط والضيق والقرف، حيث بدا وكأن المتحدث أمامهم على الشاشة فقد كل وسائل الإدراك والإحساس، إذ طغت "الأنا" و"تاء الفاعل" على معظم كلمات الخطاب، فبسلامته "قرر" و"رأى" و"أمر" و"طلب" و"وجه"، وتحدث عن أشياء مستقبلية، وكأنه لا يزال موجوداً، ولا تزال له شرعية. ويبدو أن ما أشيع عن تغيير في اللحظات الأخيرة في خطابه، واستبدال خطاب آخر به، صحيح وحقيقي، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار ذلك الذي جرى في العاصمة الأميركية بين باراك أوباما وإيهود باراك وزير الدفاع الصهيوني.
ففي اللحظة التي كان فيها المجلس العسكري منعقداً في مصر، كان باراك مجتمعاً مع أوباما، وكان الموضوع الأساسي في الاجتماعين هو حسني مبارك. وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك خرج من لقاء أوباما بتصريحٍ يحذر من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على الحكم في مصر، معلناً أنه "يتفهم مخاوف مبارك من "سيطرة المتطرفين على الحكم في البلاد، إذا تنحى، أو إن سمح بإجراء انتخابات في وقت قريب".
بعد هذا التصريح مباشرةً، تغيرت اللهجة الرسمية في مصر، وبدلاً من أن يعلنوا على الشعب الخبر السعيد الذي بشر به الجيش، جاءوا بمبارك، وكأنه تلقى قبلة الحياة من واشنطن، ليخرج لسانه مرة أخرى، لإغاظة ملايين الثوار، ويستفز غضب الشعب المصري إلى حدوده القصوى، ويدفع الأمور إلى صدامٍ بين الشعب والجيش، بما يذكر بمشهد جميل راتب في فيلم البداية، وهو يغرق الواحة بكميات من الكيروسين، ويشعل فيها النار، بعد أن رفض سكانها حكمه الديكتاتوري الكئيب.
وبعدها، انطلقت الخلايا النائمة على الفضائيات، تفسر تحديه مشاعر الناس بأنه لا يريد التنحّي، وتلوك كلاماً سخيفاً وساقطاً عن سيطرة "الإخوان المسلمين"، وتردد عبارات محنطة ومنحطة عن أن الرجل فعل ما عليه، ولا داعي للتوجه لإعلان الغضب عند القصر الجمهوري.
وفي اليوم التالي: أنت الذي خلعت مبارك، فارفع رأسك، وأذكر ثورتك بكل خير، واعلم أنك قادر على استعادتها من بين براثن السفاحين.