الأسد .. والرهائن الأميركيون
ينتشر على "يوتيوب" مقطع صوتي لموظفي سكرتارية القصر الجمهوري في دمشق، وهم ينتظرون مكالمة مهمة من البيت الأبيض، بينما يُسمع صوت رجل عربي يقول: بعد لحظات سيكون الرئيس ريغان على الخط لمكالمة الرئيس الأسد. لكنّ رونالد ريغان يتأخر ثلاث عشرة دقيقة ونصف دقيقة، قبل أن يبدأ حديثه الذي يفتتحه بشكر حافظ الأسد على الجهود التي بذلها لإطلاق رهينة أميركي، يدعى جيرمي ليفن، ويحثه على السعي لإطلاق أربعة آخرين خُطفوا في لبنان، وينتهز ريغان الفرصة ليهنئ الأسد "بفوزه" برئاسة سورية! ردّ الأسد الشكر، ووعد ببذل الجهد لمحاولة إطلاق الجميع. كان أهم ما جاء في حديث الدقائق العشر بالنسبة إلى الأسد، كلمات ريغان التي قال فيها: على الرغم من قضايا عديدة نختلف عليها، فإن إطلاق ليفن قضية يمكن البناء عليها للالتقاء معاً في قضايا أخرى. وردَّ الأسد بالموافقة، ثم بادر ريغان بلكنته الواثقة وأنهى بالشكر المكالمة التي تعطي صورة عن طريقة التعاطي الأميركي مع ملفات كهذه. وعلى الرغم من أن تاريخ الحديث يعود إلى ما قبل 35 عاماً، إلا أن كثيراً من عناصره ما زال موجوداً.
استخدم الأسد الأب أسلوب أخذ رهائن طوال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، وكانت له أدواته المستعملة في هذا المضمار، ولم يكن ذلك سرّاً، وكان ذوو المخطوفين يعرفون ذلك، فصارت دمشق وجهة معظمهم، وهنا كانت تبدأ لعبة المساومات على المواقف والتنازلات. وفي حالة الرهينة ليفن، كسب الأسد الأب شكراً علنياً من ريغان، مع وعدٍ بالبحث عن نقاط تفاهم أخرى. وما زالت هذه الخطة صالحة، وربما من يسير فيها هو دونالد ترامب ومستشاروه الذين يحفظون تاريخ المنطقة. يرغب ترامب، وهو متأخر بعشر نقاط أمام جو بايدن في الاستطلاعات الانتخابية، في الاستثمار في هذه القضية، فتحرير رهينة يمكن أن يكسبه شيئاً من التقدّم قبل أسابيع قليلة من بدء التصويت، لكن النظام السوري، بتشجيع روسي، يصعّد مطالبه، هذه المرة، إلى أعلى درجة، لمقايضة الأسير الأميركي أوستن تايس بربع مساحة سورية! حيث قال رئيس مكتب الأمن الوطني، علي مملوك، لوفد أميركي زار دمشق في أغسطس/ آب الماضي، إن المفاوضات حول أي قضية غير ممكنة قبل خروج القوات الأميركية من سورية، والمقصود بالطبع من شرق الفرات، حيث الوقود وحقول القمح الشاسعة.
ظهرت عدة تصريحات لترامب في الفترة الماضية عبّر فيها عن رغبته في الخروج من سورية، وتخفيف وجوده في المنطقة، وقد بدأت قواته بالفعل تحرّكاتٍ توحي بذلك، وهو أمر إذا تحقق قد يساعد ترامب شعبياً في تحدّي الانتخابات، ولكنه خيار غير واقعي، ولا يتماشى مع التزامات أميركا، ويعاكس رغبات وزارة الدفاع بشكل خاص. يدرك ترامب هذا الأمر، ولذلك لم تتجاوز حركة قواته حدودَ دراسةِ ردود الفعل، وأبدت روسيا حماسةً، فتحرّكت في المنطقة، معلنة رغبتها في ملء الفراغ. تعرف كل من روسيا وأميركا أن عودة هذه المنطقة، وهي تشكل نحو ربع مساحة سورية، للأسد، تعني أن الوضع عاد إلى ما كان عليه قبل بداية الثورة، وهذا غير مسموح به بالنسبة إلى أميركا، والثمن هو بقاء قواتها.
جرّب ترامب منذ سنة أن يرسل رسالة شخصية إلى الأسد، ويبدو أنه شاهد شريط ريغان والأسد الأب، ولمس فرح حافظ بالمديح الذي أغدقه عليه ريغان، فقدّر أنه يمكن أن يمارس اللعبة نفسها. لم تصدر أية إشارة عن بشار الأسد، لتأتي اليوم مبادرة أميركية جديدة بزيارة شخصيتين رفيعتي المستوى، للطلب من دمشق ثانية إطلاق سراح السجين. اللافت وسط تجاذب بشار وترامب السياسي، أنه في عام 1985 كان في سورية آلاف المعتقلين في السجون، والآن يتكرّر السيناريو، وبينما يطالب ترامب بسجين واحد، يقبض الأسد على آلاف السجناء السوريين من دون أن يكون هناك أي صفقة لإطلاقهم.