الأكثر ترجمة بعد أغاتا كريستي
هو الكاتب ذو المؤلّفات الأكثر ترجمة في العالم بعد أغاتا كريستي، وقد أطلق اسمُه على فوهة موجودة على سطح القمر، تكريما له واعترافا بأهميته. "ومن دونه، لبدا قرنُنا غبيا"، كما قال عنه أحد مريديه الكثر. إنه الأديب جول فيرن، من أكبر كتّاب القرن التاسع عشر، الذي كان لمغامرات أبطاله وأعماله الخيالية العلمية التي تتعامل مع التقدّم العلمي والابتكارات في القرن التاسع عشر كبير الأثر على مخيّلة القرّاء في العالم أجمع، حتى قيل عنه إنه المبشّر بالاكتشافات العلمية المستقبلية.
ولد جول فيرن في مدينة نانت الفرنسية عام 1828، في عائلةٍ كان يشعر فيها بملل كبير، وهو ما دفعه إلى اللجوء للكتابة في سنّ مبكّرة. في باريس، درس القانون ليصبح مثل والده، محاميا، لكنه بعد تخرّجه غيّر وجهته، إذ اكتشف مدينة غنية بالصالونات الأدبية والإنتاج الفني والأفكار الثورية، وتعرّف إلى ما سيؤثر لاحقا على أعماله المستقبلية: فيكتور هوغو، موليير، شكسبير، وألكسندر دوما الذي التقاه في صالون أدبي، فعرض عليه نصّ مسرحيته الكوميدية الأولى التي لُعبت على خشبة المسرح، من دون أن تلقى نجاحا كبيرا.
عام 1851، تعرّف جول فيرن إلى جاك أراغو، الجغرافي والمسافر العظيم الذي كتب عن أسفاره ونشر "رحلة حول العالم"، فتأثر به إلى درجةٍ قادته نحو الكتابة عن المغامرات ورواية الخيال العلمي. نشر فيرن نصوصا أدبية ومسرحية هنا وهناك، لكن بدايته لم تكن سهلة، فقد رفض مخطوطة روايته الأولى عدة ناشرين، إلى أن بلغت يد الناشر المحترم بيير جول هيتزل الذي كان مؤمنا بوجود جمهور جديد، هو جمهور الشباب، وبضرورة التوجّه إليه من خلال أعمال تخاطب اهتماماته. وبرغم أنه رفض تلك المخطوطة هو أيضا، إلا أنه آمن بمقدرة فيرن على كتابة رواية شعبية ذات وقع مهم على القرّاء. هكذا وافق على نشر رواية أخرى قدّر لها النجاح، هي "خمسة أسابيع في بالون"، مفتتحا بذلك نحو 40 عاما من التعاون المثمر الذي أدّى إلى إصدار 63 رواية توزّعت على نوعين: رواية المغامرات مع سلسلة "رحلات استثنائية" التي ابتكر عنوانها، والرواية العلمية، حيث بنى فيرن أسلوبه باختراعه نوعا جديدا هو "رواية الخيال العلمي"، مع "رحلة إلى مركز الأرض" (1864)، و"من الأرض إلى القمر" (1865)، و"عشرون ألف فرسخ تحت البحر" (1869)، وهي من الروايات الأكثر مبيعا، كونها بهرت وما زالت تبهر القرّاء الأطفال كما البالغين، حول العالم. وإذا لم يكن جول فيرن هو أول من أرسل رجالا لغزو القمر، وإنما سيرانو دو بيرجوراك الذي يصف، بالفعل، رحلة استكشافية على سطح القمر في القرن السابع عشر، فقد كان وراء شيوع الرواية المكرّسة لقصص تحدُث في المستقبل وفي أماكن يتعذّر الوصول إليها.
اليوم، يفاجئنا أن نعلم أن سلسلة رحلات فيرن الاستثنائية، وبرغم نجاحها التجاري الكبير، لم تحظ باعتراف الوسط الأدبي حينذاك. فقد كتب إميل زولا في صحيفة لوفيغارو (1878) معلّقا: "سأقول كلمة عن جول فيرن. هذا الشخص لا يكتب روايات. [...] فهو ينطلق في تخيلات غريبة، مستندا إلى معطياتٍ علميةٍ جديدة. باختصار، إنها روايات، وروايات أكثر مغامرة وأكثر خيالية من رواياتنا [...]. لكنني مضطرٌّ إلى ملاحظة نجاحه، وهو أمرٌ مذهل. السيد فيرن هو بالتأكيد الكاتب الأكثر مبيعا في هذا الوقت في فرنسا. باع كل من كتبه أكثر من مائة ألف نسخة في المكتبات [...]. على كل حال، ليس لهذا أهمية في الحركة الأدبية الحالية..."!