الإقطاع النووي الصهيوني وعبيد الأرض العرب
ما تقوم به قوى المقاومة العربية في فلسطين ولبنان واليمن والعراق هو ورقة التوت الباقية التي تستر عرياً حضاريّاً كاملاً، يستسلم له النظام الرسمي العربي بكامل الرضا والقناعة، وهو ما ينعكس في جملة المواقف الرسمية من المقاومة، التي يتبرّأون منها ويفرّون منها فرار مريضِ الإدمان من العلاج.
تشهد الأيام العشرة الأخيرة إبداعاً مقاوماً في الجبهات كافة، يُنعش الروح ويبعث اليقين بأنّ هناك مصائر أخرى تستحقها هذه الأمة، وبالإمكان بلوغها، بديلاً عن مصير بائس ترتسم خطوطه الآن لتضع الاحتلال الصهيوني بمثابة طبقة الإقطاع العسكري والسياسي في المنطقة، بينما الآخرون هم عبيد الأرض وعمّال السخرة في مشروعه التوسّعي، متنازلين، ليس فقط عن الحرية والكرامة، وإنما قبل ذلك عن إنسانيّتهم ليصبحوا آلات يستعملها "السيد".
ليس في ما سبق أدنى مبالغة أو إمعان في التشاؤم، بل المطروح بمنتهى الوضوح من الإدارة اليمينية المتشدّدة في كلّ من واشنطن وتل أبيب هو مشروع لشرقٍ أوسط جديد يتأسّس على ثنائية "الإقطاعي النووي وعبيد الأرض الضعفاء"، وبعد أن كان المُستهدف التوسّع الإسرائيلي بإعادة احتلال غزّة واقتطاع مساحات من جنوب لبنان، صار الحديث عن ضمّ الضفة الغربية (يهودا والسامرة بالتعريف الصهيوني) إلى الكيان الصهيوني، وهو ما تجده في تصريحات أعضاء حكومة نتنياهو، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة الاستيطان أوريت ستروك، وسفير ترامب الجديد لدى الاحتلال صاحب عقيدة أنّه "ليس هناك شيء اسمُه الضفة الغربية إنها يهودا والسامرة، كما لا يوجد شيء اسمُه المستوطنات، بل مجتمعات، وأحياء، ومدن.. لا يوجد شيء اسمه الاحتلال".
لم يكن أحد ينتظر، أو يطلب من القمّة العربية الطارئة التي انعقدت قبل أيام في الرياض أن تعلن التعبئة العسكرية للتصدي للمشروع الصهيوني، كما لم يتوقّع أحد أن يقطعَ عرب التطبيع علاقاتهم بالإقطاعي الصهيوني الذي يتحسّسون عباراتهم ومفرداتهم عند الكلام عنه، أو أن يُلغوا اعترافهم به، بل أقصى ما تطمح إليه الشعوب المعلّقة قلوبها وأنظارها بملاحمِ الصمود في كلّ الجبهات أن يكون النظام العربي عادلاً وعلى مسافةٍ واحدة من الطرفين، العدو والشقيق، وكما يقرّون بحقّ الاحتلال في إذعانٍ مذل، يعترفون بحقّ المقاومة، ويقرون بشرعية المقاومة، من دون أن يتهوروا ويورطوا أنفسهم في دعم هذه المقاومة، لا سمح الله، بأيِّ شكلٍ من أشكال الدعم العسكري أو السياسي أو المالي.. نحلم كذلك بالمسافة الواحدة ذاتها بين غناء جنيفر لوبيز في عروض الأزياء العربية وغناء جوليا بطرس في مؤتمراتِ تضامنٍ عربية مع المقاومة، هل كثير أن يحتفي إعلامكم بالحادث الأمني الصعب في صفوف العدو، كما يحتفي بأزياء إيلي صعب على مسارح الترفيه؟
كان كلّ المطلوب أن تقرّر هذه "القمّة" أن تكف ألسنة إعلام بعض الدول المشاركة فيها عن المقاومة، وأن تُوقف شلالات البذاءة اليومية التي تتدفّق من استوديوهات ومنابر إعلامية تطعن في شرف المقاومة والمقاومين، وترميهم بكلِّ نقيصةٍ، وتحتفل بما يؤلمهم ويؤلمنا، وتتشح بالحزن كلما أنجزت المقاومة عملًا أوجع العدو وأوقع فيه خسائر.
ليس مطلوباً من دول القمّة أكثر من أن تسمح للطيبين في مساجد الجمعة بالدعاء بالنصر والثبات للمقاومة، والدعوة إلى مساعدتها قدر الاستطاعة، وأن تفرج عن الغضب المحبوس في الصدور وتسمح له بالسير والهتاف في الشوارع، من دون أن تدور آلة الاعتقالات مبتلعةً كلّ حنجرة تهتف باسم المقاومة، وأن تطلق سراح المحبوسين بهذه التهمة، وأن لا يكون كلّ جهد هذه الدول موظفًا لتحقيق حلم نتنياهو بالقضاء على عدوّه الوحيد والأخطر الذي حدّده بالاسم قبل سنواتٍ بعيدة، وهو الشارع العربي، حين كتب في تغريدة على "تويتر" قبل أن يتغيّر اسمُه إنّ "أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرّض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز".
الحاصل أنّهم هشّموا الأحلام البسيطة في الرؤوس، حتى بات قطاع من الجمهور يرى في ارتداء كوفية أو وضع دبوس بألوان العلم الفلسطيني في جيب جاكيت فنان أو فنانة عملًا بطوليًا وفعل مقاومة عظيمًا.