الامتحان المفصلي للمروءة العربية
تجتمع الدول العربية في الحادي عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي في الرياض، لاتّخاذ موقفٍ حاسمٍ من العدوان الأميركي الإسرائيلي الهمجي على غزّة، وهدفه الرئيس المُعلن القضاء على قدرات المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، وأهدافه الثانوية التطهير العرقي للأراضي الفلسطينية حتى تتمدّد الدولة اليهودية من دون عائق سكاني في كامل أرض فلسطين التاريخية.
هل يُثبِت قادة الدول العربية في القمّة المقبلة أنهم حائزون على الحدود الدنيا من المروءة والشرف لوقفة العزّ المطلوبة؟
ولقد سبق وأن مهّدت المملكة الأردنية الهاشمية لنجاح هذه القمّة باستصدار قرارٍ من الجمعية العمومية للأمم المتحدة مساء يوم 27 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول) بمرجعية قرار الجمعية رقم 377 المعروف بـ"الاتحاد من أجل السلام". وتعطي هذه المرجعية القرار المتخذ بأغلبية تفوق الثلثين قوة قرارٍ من مجلس الأمن، إذ ينص القرار 377 على أنه "إذا فشل مجلس الأمن، بسبب غياب الإجماع بين الأعضاء الدائمين، في ممارسة مسؤوليته الأساسية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وفي حالة وجود تهديدٍ للسلام، أو خرقٍ للسلام، أو عملٍ من أعمال العدوان، فإن الجمعية العامّة سوف تنظر في المسألة على الفور، بهدف تقديم توصيات ملائمة للدول الأعضاء من أجل اتخاذ تدابير جماعية، بما في ذلك في حالة خرق السلام أو العمل العدواني، واستخدام القوّة المسلحة عند الضرورة، للحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما".
وكان اتّخاذ هذا القرار بمبادرة من الولايات المتحدة، ومكّنها اتخاذه من حشد قواتها وقوات الدول الأخرى المتحالفة معها لشنّ الحرب ضد كوريا الشمالية تحت علم الأمم المتحدة. ومما نصّ عليه القرار الذي اتخذ بمبادرة من الأردن وتم إقرارُه بأغلبية أصوات 120 دولة مقابل 14، أن تدعو الأمم المتحدة إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية. وتطالب جميع الأطراف بالامتثال الفوري والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما في ما يتعلق بحماية المدنيين والأعيان المدنية، فضلا عن حماية العاملين في المجال الإنساني، والأشخاص العاجزين عن القتال، والمرافق والأصول الإنسانية، وتمكين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزّة. وتطالب أيضًا وعلى وجه السرعة، وبصورة مستمرة وكافية، بتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في جميع أنحاء قطاع غزّة من دون عوائق، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المياه والغذاء والإمدادات الطبّية والوقود والكهرباء، مشددًا على ضرورة ضمان، بموجب القانون الإنساني الدولي، عدم حرمان المدنيّين من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة. وترفض بشدّة أية محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين. وتدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين الذين يتم احتجازهم بشكل غير قانوني، وتطالب بسلامتهم ورفاههم ومعاملتهم الإنسانية بما يتوافق مع القانون الدولي. كما تدعو إلى الاحترام والحماية بما يتفق مع المعايير الدولية والقانون الإنساني، لجميع المرافق المدنية والإنسانية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الطبّية الأخرى، فضلا عن وسائل النقل والتجهيزات والمدارس، ودور العبادة ومرافق الأمم المتحدة، فضلا عن المرافق الإنسانية والعاملين في المجال الطبي والصحافيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم، في النزاع المسلح بالمنطقة.
الحدّ الأدنى من وقفة العزّ إعادة إقامة نظام المقاطعة الاقتصادية الكاملة ضد إسرائيل والدول المساندة لها
وتتعيّن على الدول العربية المشارِكة في القمّة أن تحشد الأغلبية الدولية المؤيدة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للضغط الدولي الساحق من أجل تنفيذه، إذ يخوّلها "الاتحاد من أجل السلام" استخدام القوة العسكرية في سبيل ذلك. لكن الأمر لا يحتاج إلى الذهاب إلى هذا المدى، بل تستطيع الدول العربية ذاتها، من دون معونة من أحد، أن تضمن التنفيذ الناجز بمجرّد اتخاذها قرارين بسيطين: أن تبدأ الدول العربية المنتجة للنفط والغاز تخفيض صادرات النفط والغاز إلى الدول الغربية المساندة لإسرائيل في شرائح يومية مقدارها 10% كل يوم يمر من دون الوقف الناجز لإطلاق النار وإزالة الحصار عن قطاع غزة. وإعادة إقامة نظام المقاطعة الاقتصادية الكاملة ضد إسرائيل والدول المساندة لها الذي كان قائما قبل أول اتفاقية سلام عقدتها أول دولة عربية مع إسرائيل. وتستمر هذه المقاطعة حتى التنفيذ الكامل والأمين للبند 13 من القرار أعلاه، وهو التوصل إلى حلّ عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ووفقا للقانون الدولي، وعلى أساس حلّ الدولتين.
هذا هو الحدّ الأدنى من وقفة العزّ التي تطلبها الشعوب العربية من قادتها، فهل يُثبِت قادة الدول العربية في القمّة المقبلة أنهم حائزون على الحدود الدنيا من المروءة والشرف لوقفة العزّ المطلوبة؟