الحرية لمن؟
في الصباح: السيسي يقرر تمديد حالة الطوارئ ثلاثة شهور أخرى.
قبل الظهيرة، خبران مترافقان: اعتقال الكاتب الصحفي سليمان الحكيم، وهدم منزله في محافظة الإسماعيلية.. ومحكمة النقض تقبل طعن الناشط أحمد دومة، وتعيد محاكمته في القضية المحكوم عليه فيها بالسجن المؤبد.
سبق نظر الطعن في سجن أحمد دومة حملة موسعة من النشطاء والسياسيين، تطلب الحرية له، حاشدين كل طاقاتهم، وواضعين كل تركيزهم في هذه القضية. وفي تلك اللحظات، مرّر النظام قرار تمديد الطوارئ، وقبل أن تشتعل منصات الكلام بالاحتجاج على الطوارئ، نزل قبول طعن أحمد دومة برداً وسلاماً على أصدقائه ومحبيه، فتم تحويل مجرى الحديث من الغضب ضد الطوارئ، إلى الفرح باقتراب موعد حرية دومة.
وفي غمرة الاحتفالات الطاغية، داهمت قوات الأمن، بتعليماتٍ من جنرالات الإعلام، منزل الصحافي سليمان الحكيم (67 عاماً)، وهدمته بطوابقه الأربعة في منطقة فايد في محافظة الاسماعيلية، واقتادته إلى الحبس، واعتدت عليه بالضرب.
جريمة سليمان الحكيم أنه أعلن استقالته من الدفاع عن القبح والاستبداد، وقال كلمة حق عن نظام عبد الفتاح السيسي في القنوات المناهضة للانقلاب التي تبث من تركيا، فاستحق لعنات وسائل إعلام السلطة التي أطلقت عليه ضباع التخوين والتكفير، فحرضت على اعتقاله وتأديبه ومعاقبته على خطيئة الكفر بنظام السيسي.
في اللحظة التي كانت كل الأنظار معلقةً فيها بطعن أحمد دومة، كان هناك طعن أمام محكمة النقض ذاتها، في حكم الإعدام الصادر بحق ثلاثة شباب أبرياء، حيث كانت محكمة جنايات المنصورة – الدائرة السابعة قد أصدرت، في السابع عشر من يوليو/ تموز 2016 حكما بإعدام خمسة مصريين، ثلاثة منهم حضورياً، في القضية المعروفة إعلامياً بقضية مقتل نجل المستشار وهم : أحمد ماهر الهنداوي، طالب في الفرقة الثالثة في كلية الهندسة، وعبد الحميد عبد الفتاح متولي، بكالوريوس علوم ويعمل في مجال برمجة الكمبيوتر، والمعتز بالله غانم، طالب في كلٌية التجارة جامعة المنصورة.
مثل مئات غيرهم من الشباب الذين حكم عليهم بالإعدام، في قضايا ملفقة، تم اختطاف الشباب من منازلهم واخفاؤهم قسرياً، وتعذيبهم، ثم ضمهم إلى قضايا لا يعلمون عنها شيئاً، دانتهم المحكمة، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإنشاء وتأسيس جماعة إرهابية، وكما أفاد محامو المتهمين، استندت الإدانة إلى اعترافاتٍ نزعت منهم انتزاعا، تحت وطأة التعذيب الشديد والتهديد بهتك عرض الزوجة أو الشقيقة واعتقالهن.
لم يهتم هؤلاء الشبان الثلاثة بمعرفة مصيرهم أمام محكمة النقض أحد، إذ ضاعت الأخبار عنهم، ربما لأنهم ليسوا من المشهورين، أو أنه لم يكن هناك مساحة في الذاكرة الحقوقية لهم، التي يدرك النظام كيف يشغلها جيداً.
طوّر نظام السيسي مهاراته في اللعب بالملفات، صار يجيد التحكم في سقوف الكلام واتجاهاته، مثل لاعب "دومينو" محترف، يحفظ سيكولوجية معارضيه، باختلاف درجات معارضتهم، ويعرف كيف يحرّكهم، ويضبط إيقاعات غضبهم، تماماً كما يفهم سيكولوجيا الجماهير، ويتفنن في اللعب بها، وعليها، بعروض الوطنية المبهرة، كما في ملاعب الكرة، وأضواء حفلات الإنجازات الوهمية.
في مناسباتٍ سابقة قلت: جرّبوا ولو مرة واحدة أن يكون مطلبكم "الحرية للإنسان"، بصرف النظر عن انتمائه، وشهرته.
فالحاصل أنه بينما كل فصيل مستغرقٌ في تصنيع رموزه وأيقوناته الخاصة، لا تتوقف المقصلة عن حصد مزيد من المجهولين الذين لا يسمع أسماءهم أحد، إلا حين تصدر الأحكام، إعداماً أو سجناً مؤبداً، بحقهم.
أكرّر هنا: ليس جديراً بالحرية والكرامة والعدل، من يطلبها لنفسه، والمقربين منه، فقط.. واقرأوا التاريخ القريب جيداً، فالحرية للجميع، أو: لا حرية على الإطلاق، تلك هي المسألة.