الحلف الإسرائيلي السعودي .. "المحتمل"
"أما بالنسبة لنا، فإننا نأمل أن تُحلّ المشكلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في عديد من المصالح التي يمكن أن نسعى إلى تحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك". بهذا الوضوح، يتحدّث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى مجلة "ذي أتلانتيك" في حوار يجري كل سنة مع الرجل الذي يتأهب ليكون ملكًا، رسميًا، بعد سنواتٍ يقوم فيها بوظائف الملك فعليًا.
في كل حواراته السابقة مع الميديا الأميركية، كان محمد بن سلمان يظهر استعدادًا حماسيًا لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لكنه لم يصل أبدًا إلى وصفه بأنه "حليف محتمل" كما فعل هذه المرّة. قبل أربعة أعوام، وفي المجلة ذاتها كانت إجابات بن سلمان على سؤال إسرائيل على النحو التالي: المجلة: هل تعتقد بأن إيران تجعلكم قريبين من إسرائيل؟ ومن دون إيران، هل يمكنك أن تتصوّر حالة تمتلكون فيها مصالح أخرى مشتركة مع إسرائيل؟ - تشكل إسرائيل اقتصاداً كبيراً مقارنةً بحجمها كما أن اقتصادها متنامٍ، ولعل هناك الكثير من المصالح الاقتصادية المحتملة التي قد نتشاركها مع إسرائيل، متى كان هناك سلام مُنصف، فحينها سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول كمصر والأردن.
في موضع آخر، سألته المجلة: دعنا نتحدّث عن الشرق الأوسط بشكل أوسع. هل تعتقد أن للشعب اليهودي الحق في أن تكون لديه دولة قومية في جزء من موطن أجداده على الأقل؟ - أعتقد عموماً أن كل شعب، في أي مكان، له الحق في العيش في بلده المسالم. أعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصة. لكن يجب أن يكون لدينا اتفاق سلام عادل ومُنصف لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية بين الشعوب.
كان ذلك قبل أربعة أعوام، وعلى ضوء معطياتٍ مختلفة كثيرًا، إذ كان بن سلمان في ذلك الوقت يضع إيران رأسًا لمثلث الشر، الذي يضم معها الإخوان المسلمين والإرهابيين، كما كان ينظر إلى المرشد الإيراني أنه أخطر وأسوأ من الزعيم النازي هتلر. أما في الحوار الجديد، المنشور أمس، فلا تبدو إيران، في نظر بن سلمان، زعيمة محور الشر، كما لا يذكر أية أوصاف سلبية بحق المرشد الأعلى، بل يقول نصًا "إنهم جيراننا، وسيبقون جيراننا إلى الأبد، ليس بإمكاننا التخلّص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا. لذا من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبلٍ لنتمكّن من التعايش، وقد قمنا خلال أربعة أشهر بمناقشاتٍ، وسمعنا العديد من التصريحات من القادة الإيرانيين، والتي كانت محلّ ترحيب لدينا في المملكة العربية السعودية، وسوف نستمر في تفاصيل هذه المناقشات، وآمل أن نصل إلى موقفٍ يكون جيدًا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلًا مشرقًا للسعودية وإيران".
إذن، القفزة غير المسبوقة في اتجاه إسرائيل، بصفها حليفًا محتملًا لسعودية بن سلمان، ليست نابعة من سيكولوجيا الخوف من الخطر القادم من ناحية رأس مثلث الشر (الإيراني)، بل هي اختيار واع ومدروس من محمد بن سليمان، ينقل الرغبة في الذهاب بعيدًا في طريق إسرائيل من منطق "التحالف مع الشيطان" لدرء خطر الشيطان الإيراني، إلى اختيار مبدأي واستراتيجي، هو هدف في ذاته، وليس وسيلةً لتحقيق مصالح دفاعية أو اقتصادية.
يردّد محمد بن سلمان، في حواره الأحدث، عبارات تشعر وكأنها منقولة بالنص من مقالة للأكاديمي السعودي، محمد الغبان، والتي كانت أول مقالة سعودية مكتوبة خصيصًا للنشر في مطبوعة حكومية صهيونية، حيث احتفت بها جامعة تل أبيب (الحكومية)، معلنة أن الباحث السعودي وأستاذ اللغة العبرية في جامعة الملك سعود (الحكومية)، محمد الغبّان، نشر مقالاً في مجلة "كيشر" باللغة العبرية في محاولة "تحسين صورة النبي محمد في أعين اليهود"، بحسب ادّعاء كاتبه.
يستخدم محمد بن سلمان اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لترويج سياسات التحالف مع الاحتلال الصهيوني، بالطريقة ذاتها التي استخدمها الأكاديمي السعودي، بالقول إن محمدًا بن عبد الله كان حريصًا على علاقات جيدة مع اليهود، وهذه حقيقة تاريخية، لكنها الحق التاريخي الذي يُراد به الباطل السياسي، فالثابت أن اليهود لم يكونوا محتلين غاصبين لدولة إسلامية أو عربية في ذلك الوقت، بل كانوا جزءً من التركيبة السكانية الأصلية في الجزيرة العربية. وبالتالي، من صور النصب والاحتيال الأكاديمي التأسيس على تلك الحقيقة التاريخية البعيدة لتسويغ التصالح مع جريمة سياسية وإنسانية راهنة، يجسّدها قيام الاحتلال العسكري الصهيوني القادم من قارات أخرى بعيدة على أنقاض دولة عربية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ.