الحوثي .. الضرب حيثُ يؤلم
تعرَّض ميناء المخاء اليمني، التاريخي، الواقع شرقي مدينة تعز، على البحر الأحمر، لهجوم صاروخي عنيف من جماعة الحوثي (أنصار الله)؛ حيث يخضع الميناء لما تعرف بالمقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)، المرتبطة بدولة الإمارات، والمصنّفة ذراعا مسلحةً لفصيل من حزب المؤتمر الشعبي العام، منذ نشوئها عقب انتفاضة ديسمبر/ كانون الأول 2017، والتي تناوئ جماعة الحوثي، بعد ما كانتا معًا في خندق واحد، دفاعًا عن هذا الميناء، أمام قوات الحكومة المعترف بها دوليا.
تزامن الهجوم على الميناء مع جملةٍ من التحولات والإثارات المتعلقة بعملية صناعة السلام التي انتقلت عُدَّتها من المبعوث الأممي السابق، مارتن غريفيث، إلى المبعوث الخلَف، هانز غروندبرغ، مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، وما تطرحه جماعة الحوثي من مطالب بشأن إعادة فتح موانئ الحُديدة الواقعة تحت سيطرتها، وفتح مطار صنعاء، من دون النظر إلى الشروط التي تفرضها الحكومة المعترف بها دوليا، مقابل ذلك، وفي مقدّمتها الوقف الشامل لإطلاق النار، ثم الدخول في مفاوضاتٍ سياسية مفتوحة، تُفضي إلى سلام دائم.
ومهما كان لهذه المتغيرات من دور، فإن الإخفاقات السياسية المتكرّرة لهذه الحكومة، أتاحت فرصًا شتى لجماعة الحوثي، لتحقيق مكاسب متتالية في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، ولعل مما يجمع ذلك، كمثال جديد، الهجوم على ميناء المخاء، الذي قد يحقق للجماعة مكاسب عديدة تُبرزها بوصفها الطرف الأكثر قدرةً على المبادأة والمبادرة، في أسوأ الظروف، والاتجاهات المختلفة للمواجهة، وامتداد ذلك لأكثر من خمسين جبهة قتال، إضافة إلى الهجمات العنيفة بالصواريخ والطائرات غير المأهولة (من دون طيار)، التي تشنها على السعودية ومصالحها البحرية.
من شأن تعطيل ميناء المخاء استمرار نشاط موانئ الحديدة، من دون منافس يمني لها، وعلى الساحل نفسه
ربما يعتقد بعضهم أن الهدف الأبرز من هذا الهجوم يقتصر على ما قد يحققه من مكاسب عسكرية، لكن موقع الهجوم، وتوقيته، وتداعياته، تشير إلى أن هدفه الأساسي اقتصادي، مع ما ينطوي عليه ذلك من أهدافٍ عسكريةٍ وسياسية، تحقق استراتيجية "اضرب حيثُ يُؤلم"؛ إذ لا نيَّة لجماعة الحوثي، الآن، في خوض معركةٍ في هذا الاتجاه؛ فأقصى ما تهدف إليه توجيه ضربات صاروخية موجعة من بُعد، تحقق أهدافًا محدّدة وقيِّمة، في عدة مجالات أمنية هامة.
وإذا جاز توصيف مكانة المخاء وأهميتها من الناحية الاستراتيحية، يمكن القول إن ميناء المخاء يمثِّل الضلع الثالث في المثلث الاستراتيجي، العسكري، والاقتصادي، والسياسي، الذي تثابر جماعة الحوثي، بكل ما أوتيت من قوة، للسيطرة عليه، والتشبّث به، والمكوَّن أضلاعه من مأرب، وشَبْوة، والمخاء. وهذه الأهمية تنبع من ارتباط هذا المثلث بمصادر الطاقة، وقنوات ومنافذ معالجتها وشحنها، وما تدرُّه من عوائد مالية تدعم خزينة الحرب، وتفتح الأبواب، واسعًا، أمام تدفق الأسلحة وتقنياتها.
ضرب الميناء بهذه المفاجأة، مع يقيننا أنها لن تكون الضربة الأخيرة؛ ستخلّف تبعات اقتصادية عديدة، تتعلق بانتظام تدفق السلع إلى البلاد، وخروج السلع والمواد الخام المصدّرة عبر الميناء. ويرتبط هذا الأمر ارتباطًا وثيقًا بأمن السفن وسلامتها، والمرافق المينائية؛ ما يعني أن الشركات المشغلة للسفن لن تسمح بدخولها إلى الميناء، تحسبًا للمخاطر المحتملة، إلا بفرض زيارة في أقساط التأمين، لمواجهة أعباء هذه المخاطر.
لا تزال موانئ الحديدة الخاضعة، كلها، لسيطرة جماعة الحوثي، تعمل بانتظام، على الرغم من القيود المفروضة عليها، وتدرُّ عليها أموالا كثيرة
من ناحية مقابلة، لا تزال موانئ الحديدة الخاضعة، كلها، لسيطرة جماعة الحوثي، تعمل بانتظام، على الرغم من القيود المفروضة عليها، وتدرُّ عليها أموالا كثيرة؛ حيث تجري عبرها عمليات الشحن والتفريغ للسلع، دخولًا إلى البلاد وخروجًا منها. ولذلك، فإن من شأن تعطيل ميناء المخاء استمرار نشاط موانئ الحديدة، من دون منافس يمني لها، وعلى الساحل نفسه.
علاوة على ذلك، فإن زيادة أقساط التأمين على السفن التي قد تغامر بالدخول إلى ميناء المخاء، سينعكس، بالزيادة، على كلفة نقل السلع، مقارنةً بموانئ الحديدة التي ستظل آمنة من أي عدائيات يقف خلفها التحالف، لكونها محمية باتفاق استوكهولم لعام 2019، مع ما تطمح إليه جماعة الحوثي من استئناف تشغيل ناقلة النفط المعروفة باسم صافِر، إذا ما تسنّى للجماعة السيطرة على آبار نفط مأرب، ولعل ذلك ما يفسّر جانبًا من رفضها سحب هذه الناقلة، لخروجها من الخدمة، أو إشراك الحكومة المعترف بها دوليًّا، في صيانتها أو التصرّف فيها كخردة.